البحث
من بَابُ الاحتِرَازِ مِن الوَباءِ
16- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِي الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ" (1). قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ".
غريب الحديث:
سرغ: قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز.
الأجناد: المراد بالأجناد هنا مدن الشام: فلسطين والأردن ودمشق وحمص وقنسرين.
العدوة: جانب الوادي.
الجدبة: ضد الحصبة.
المعنى الإجمالي:
خرج عمر رضي الله عنه فلما وصل الشام نزلت نازلة الطاعون، فاستشار الناس؛ فبدأ بالأولى، فاستشار المهاجرين والأنصار ومهاجرة الفتح، ثم وقع الرأي على أن يرجع، ثم جاءه النص النبوي موافقاً للرأي، فحمد الله وانصرف.
ما يستفاد من الحديث:
1- قيام الإمام ومن ينوب عنه بالنظر في النوازل الملمة بالبلد، كحلول الوباء العام ونحوه، وهذا من باب الاهتمام بمصالح الرعية.
2- وهذا هو مقصود عمر رضي الله عنه؛ فلسان حاله: إن الناس رعية استرعانيها الله تعالى؛ فيجب علي الاحتياط لها.
ومنهج عمر رضي الله عنه جادة للحاكم العادل.
3- اعتماد الشورى مبدأ في الفصل في قضايا النوازل، وفي عصرنا الحديث تتم من خلال المجامع العلمية واللجان المتخصصة.
4- مراعاة السن والخبرة وكثرة التجارب وسداد الرأي التخصص، في الشورى.
5- من عنده شيء من العلم، شرعي أو كوني، يتعلق بالوباي، عليه أن يبادر بما عنده من العلم قبل أن يسأله، كما فعل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه.
6- وقد اعتمد الصحابة رضوان الله عليهم في مشورتهم على أصلين: أحدهما: التوكل والتسليم لقضاء الله عز وجل، والثاني: الاحتياط ومجانبة أسباب الهلاك، وعدم الإلقاء باليد إلى التهلكة.
7- استقبال البلاء بالقدوم عليه تهور وإقدام على خطر، وإيقاع للنفس في معرض التهلكة، والفرار منه فرار من القدر، وهو لا ينفع.
8- ففي الحديث النهي عن ركوب الغرر، والمخاطرة بالنفس والمهجة؛ بالقدوم على الوباء.
9- وليس ذلك اعتقاداً منه أن الرجوع يرد المقدور، وإنما هو استجابة لأمر الله تعالى بالاحتياط، والحزم، ومجانبة أسباب الهلاك، كما أمر سبحانه وتعالى بالتحصن من سلاح العدو وتجنب المهالك، فكل ما يقع فبقضاء الله وقدره السابق في علمه.
10- فالخلق يجرون في قدر الله وعلمه، ولا يخرج عن حكمه وإرادته أحد.
المراجع
- أخرجه البخاري (5729) ومسلم (2219).