1. المقالات
  2. كيف عاملهم النبي ﷺ؟
  3. كان ﷺ يكره أن ترفع إليه الحدود

كان ﷺ يكره أن ترفع إليه الحدود

الكاتب : محمد صالح المنجد
57 2024/06/11 2024/07/27


عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن أول رجل قطع في الإسلام، أو من المسلمين رجل أتي به النبي ﷺ .

فقيل: يا رسول الله إن هذا سرق.

فكأنما أسف على رسول الله صل الله عليه وسلم رمادًا. (1) 

قالوا: يا رسول الله كأنك كرهت قطعه.

 فقال: "وما يمنعني وأنتم أعوان الشيطان على صاحبكم، والله عز وجل عفو يحب العفو، ولا ينبغي لوالي أمر أن يؤتي بحد إلا أقامه".

 ثم قرأ: 

(وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ)

[النور: 22] (2) 

وكان لا يسقط الحدود عن العصاة إذا وجبت، حتى ولو شفع فيهم أحب الناس إليه ﷺ: 

عن عائشة رضي الله عنها أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فأمر النبي ﷺ أن تقطع يدها.

فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله ﷺ؟ 

فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله ﷺ. 

فكلمه فيها أسامة بن زيد.

فتلون وجه رسول الله ﷺ، فقال: "أتشفع في حد من حدود الله".

فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله.

فلما كان العشي، قام رسول الله ﷺ، فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:

"أما بعد، فإنما أهلك الدين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

ثم أمر تلك المرأة التي سرقت، فقطعت يدها.

قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد، وتزوجت، وكانت تأتيني بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله ﷺ. (3)

وفي رواية قالت: هل لي من توبة يا رسول الله؟

فقال: "أنتِ اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك"(4). 

   من فوائد الحديث

فيه: منه الشفاعة في الحدود إذا انتهى ذلك إلى أولي الأمر. 

قال عمرو بن عبد البر: لا أعلم خلافًا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان، وأن على السلطان أن يقيمها إذا بلغته. 

وفيه: ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه، ولو كان ولدًا، أو قريبًا، أو كبير القدر، والتشديد في ذلك، والإنكار على من رخص فيه، أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه (5). 


 وكان صلى الله عليه وسلم يراعي في إقامة الحدود حال الضعيف والمريض من العصاة، فيوجد لهم المخارج الشرعية:

عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى(6)، فعاد جلدة على عظم. فدخلت عليه جارية لبعضهم، فهش لها، فوقع عليها (7). 

فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه، أخبرهم بذلك، وقال استفتوا لي رسول الله صل الله عليه وسلم، فإني قد وقت على جارية دخلت عليَّ. 

فذكروا ذلك لرسول الله صل الله عليه وسلم.

فقال: "اجلدوه ضرب مائة سوطٍ".

فقالوا: يا نبي الله، ما رأينا بأحدٍ من الناس من الضر مثل الذي هو به، لو ضربناه مائة سوطٍ مات، ولو حملناه إليك؛ لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظمٍ. 

فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم أن يأخذوا له عثكالاً (8) فيه مائة شمراخ، فيضربوه بها ضربة واحدة (9)".

المراجع


(1) أي: كأنه ذر عليه الرماد من كثرة الحزن.

(2) رواه أحمد [3967]، وحسنه الألباني في السلسلة [1637]

(3) رواه البخاري [4304]، ومسلم [1688]

(4) رواه أحمد [6619] عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، وصحح إسناده  أحمد شاكر، وضعفه شعيب الأرناؤوط.

(5) فتح الباري [95/12]

(6) أي: أي إصابة الضنى وهو شدة المرض حتى نحل جسمه. النهاية [104/3]

(7)  وفي رواية ابن ماجة: فلم يرع إلا وهو على أمةٍ من إماءِ الدار يخبث بها.

(8) العثكال: العذق من أعذاق النخل الذي يكون في الرطب. النهاية [173/3]

(9) رواه أبو داود [4472] وابن ماجه [2574]، وصححه الألباني في الصحيحة [2986]





المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day