البحث
تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الخدم والإماء
ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال في حسن التعامل مع الخدم، والموالي، والإماء، من رأفة بهم ورحمة، وإنصاف لهم؛ تصديقاً لما كان عليه من الخلق الكريم، وحثاً للأمة على ذلك.
تعامله مع الخدم والعبيد:
لقد كانت معاملة رسولنا صلى الله عليه وسلم لمن يخدمه معاملة الوالد الشفوق لولده، والأخ الرحيم لأخيه، لا يميز بين رقيق وأجير ومتطوع، مما جعل زيد بن حارثة رضي الله عنه يفضله على والديه وعشيرته.
ذكر أهل السير أن سعدي بنت ثعلبة أم زيد بن حارثة زارت قومها وزيد معها، فأغارت خيل على أبيات بني معن، فاحتملوا زيداً وهو غلام، فأتوا به في سوق عكاظ، فعرضوه للبيع، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم.
فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهبته له.
وكان أبوه حارثة بن شراحيل حين فقده قال:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل أحي، فيرجى أم أتى دونه الأجل
فوالله ما أدري، وإني لسائل أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل
فحج ناس من كلب، فرأوا زيداً، فعرفهم وعرفوه، فقال: أبلغوا أهلي هذه الأبيات
أحن إلى أهلي، وإن كنت نائياً فإني قطين البيت عند المشاعر
فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فانطلقوا، فأعلموا أباه، ووصفوا له موضعاُ، فخرج حارثة وكعب أخوه بفدائه، فقدما مكة، فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه.
فقالا له: يا ابن عبد المطلب، يا ابن سيد قومه، أنتم جيران الله، وتفكون العاني، وتطعمون الجائع، وقد جئناكم في ابننا عبدك؛ لتحسن إلينا في فدائه.
فقال: "أو غير ذلك".
فقالا: وما هو؟
فقال: "ادعوه، وأخيره، فإن اختاركما فذاك، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً".
فقالا له: قد زدت على النصف.
فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال: "من هذان؟".
فقال: هذا أبي حارثة بن شراحيل وهذا عمي: كعب بن شراحيل.
فقال: "قد خيرتك، إن شئت ذهبت معهما، وإن شئت أقمت معي".
فقال: بل أقيم معك؟
فقال له أبوه: يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وأمك وبلدك وقومك؟
فقال: إني قد رأيت من هذا الرجل شيئاً، وما أنا بالذي أفارقه أبداً.
فعند ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقام به إلى الملإ من قريش، فقال: "اشهدوا أن هذا ابني، واراثاً وموروثاً".
فطابت نفس أبيه عند ذلك، وكان يدعي: زيد بن محمد حتى أنزل الله تعالى:
{ ٱدْعُوهُمْ لِآبَآئِهِمْ }
[الأحزاب: 5]