البحث
السعي للزواج من امرأة صالحة ومربية
"إن الإسلام دين أسرة، ويقرر تبعة المؤمن في أسرته، وواجبه في بيته، والبيت المسلم هو نواة الجماعة الإسلامية، وهو الخلايا التي يتألف منها، ومن الخلايا الأخرى.
وإن مما يساعد الأب على تربية طفله، ورعايته في العملية التربوية: الزوجة الصالحة، التي تتفهم دورها، ووظيفتها، وتقوم بهما على أحسن وجه؛ وهي الركن الرئيسي في هذا العمل، وعملها هذا، له دور تاريخي في حياة المجتمعات، فقد تنتج ولداً مصلحاً للمجتمع، يقود الأمة إلى الخير والقوة.
إن البيت قلعة من قلاع هذه العقيدة، ولا بد أن تكون قلعته متماسكة من داخلها، حصينة في ذاتها، كل فرد منها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها، وإلا تكن كذلك، سهل اقتحام العسكر من داخل قلاعه، فلا يصعب على طارق، ولا يستعصي على مهاجم.
وواجب المؤمن، أن يُومن هذه القلعة من داخلها، وواجبه أن يسد الثغرات فيها، قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيداً.
ولا بد من الام المسلمة، فالأب المسلم وحده لا يكفي لتأمين القلعة، لا بد من أب وأم ليقوما – كذلك – على الأبناء والبنات، فعبثاً يحاول الرجل أن ينشئ المجتمع الإسلامي، بمجموعى من الرجال... لا بد من النساء في هذا المجتمع، فهن الحارسات على النشء، الذي هو بذور المستقبل وثماره.
هذا أمر ينبغي أن يدركه الدعاة إلى الإسلام، وأن يدركوه جيداً:
"إن أول الجهد ينبغي أن يوجه إلى البيت، إلى الزوجة، إلى الأم، ثم إلى الأولاد، وإلى الأهل بعامة؛ ويجب الاهتمام البالغ بتكوين المسلمة، لتنشيء البيت المسلم، وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم، أن يبحث له أولاً عن الزوجة المسلمة، وإلا فسستأخر بناء الجماعة الإسلامية، وسيظل البنيان متخاذلاً كثير الثغرات".
إن خير ما تنكح عليه المرأة دينها، وصلاحها، وتقواها، وإنابتها إلى ربها تبارك وتعالى؛ مثل هذه تقر العين بها، وتؤتمن على نفسها، ومال زوجها، وتربية أولاده، كي تغذيهم بالإيمان مع الطعام، وتصب فيهم أحسن المباديء مع اللبن، وتسمعهم من ذكر الله تعالى، ومن الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ما يشربهم التقوى، ويركز فيهم حب الإسلام إلى أن يموتوا؛ والمرء يشيب على ما شب عليه، وإن صفات الوالدين تنحدر إلى الأولاد.
"وكثيراً ما تظهر ملكة التقوى في الولد، تبعاً لأبويه؛ أو لأحدهما، أو للعم؛ أو الخال، وقد ورد الإرشاد النبوي، منبهاً إلى هذا: فيما رواه ابن عدي وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها، عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ ؛ فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن".
وروى الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختاروا لنطفكم المواضع الصالحة".
"ومن حق الزوج أن يبتغي الثقافة في زوجته؛ لأن الثقافة تُعينها على تدبير المنزل، وتربية الولد تربية صالحة. وللمرأة أن تتعلم ما تشاء من العلوم كالبيت من الشعر، ولا يحسن في البيت من الشعر أن يكون شطره محكماً والشطر الآخر متخاذلاً". وإن رسول الله صلى عليه وسلم امتدح نساء قريش لما يتمتعن به من صفات جيدة تجاه أولادهن بالحنان، وأزواجهن بالرعاية:
أخرج البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ ".
وإن قيام المرأى بالعملية التربوية لأطفالها، وأولادها، وقيامها على خدمة زوجها، يرقيها إلى أعلى الدرجات، ويضعها في مصاف النساء العظيمات، وعملها هذا يعدل جهاد الرجل في المعركة، وصلاة الجمعة في المساجد.
روى مسلم في صحيحه أن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، كلهن يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنا بك واتبعناك؛ ونحن معشر النساء، مقصورات مخدرات، قواعد بيوت، وإن الرجال فضلوا بالجُمُعَات؛ وشهود الجنائز؛ والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد، حفظنا لهم أموالهم، وربَّينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟!
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال: "هل سمعتم مقالة امرأةٍ، أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟".
فقالوا: لا يا رسول الله!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصرفي يا أسماء! واعلمي من وراءك من النساء: أن محسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته، يعدل كل ما ذكرت".
وإن الماروردي يعتبر اختيار الزوجة حق الولد على أبيه، اقتباساً من قول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فيقول: "فمن أول حق الولد أن ينتقي أمه، ويتخير قبل الاستيلاد منهن: الجميلة؛ الشريفة؛ الدينة؛ العفيفة؛ العاقلة لأمورها، المرضية في أخلاقها، المجرية بحسن العقل وكماله، المواتية لزوجها في أحوالها".
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقر النظرة التربوية التي نظرها جابر بن عبد الله في اختياره لزوجته، لتقوم بمهام تربوية في بناء أخوات صغار لجابر، بالإضافة إلى أبنائه في المستقبل.
أخرج الخمسة عن جابر في حديث طويل أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله: "هل تزوجت بكراً أم ثيباً؟" قال: بل ثَيِّباً؛ قال: "هَلا بِكراً تُلاعبها وتُلاعٍبُكَ؟" فقلت: يا رسول الله! تُوفي والدي، ولي أخوات صغار، فكرهت أن أتزوج مثلهن "أي: في السن" فلا تؤدبهن، ولا تقوم عليهن، فتزوجت ثيباً لتقوم عليهن وتؤدبهن".
لذلك فإن من واجبات المرأة الأم، تجاه زوجها؛ أن تحسن القيام بتربية أولادها منه، في صبر، وحلم، ورحمة، فلا يغضب على أولادها أمامه، ولا تدعو عليهم، ولا تسبهم، ولا تضربهم، فإن ذلك قد يؤذيه منها، وربما استجاب الله دعاءَها عليهم، فيكون مصابهما بذلك عظيماً.
وأخيراً، فإن الزوجة الصالحة هي الكنز الحقيقي الذي يدخره الرجل في دنياه وآخرته. روى الترمذي عن ثوبان، قال: "لما نزلت { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 9/34]. كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أُنْزِلَت فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فلو علمنا أي المال خير لاتخذناه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِر وَقَلْبٌ شَاكِرٌ وَزَوْجَةٌ صالحة تُعِينُ المؤمن عَلَى إِيمَانِهِ. وروي أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} كَبُرَ ذلك على المسلمين، فقال عمر: انا أفرج عنكم، فانطلق؛ فقال: يا نبي الله! إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إِلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ فَكَبَّرَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَلَا أُخْبِرُكَ بمَا يَكْنِزُ الرجل: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ "..
اللهم اجعل زوجاتنا كذلك، صالحات قانتات حافظات للغيب.