1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ

إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ

الكاتب : الدكتور محمد بكر إسماعيل
2236 2019/10/28 2024/11/15

 
عَنْ أَبِي ذَرٍّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: "إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ".
وَعَنْ أَبي وَائِلٍ الْقَاصُّ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيِّ فَكَلَّمَهُ رَجُلٌ فَأَغْضَبَهُ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ تَوَضَّأَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ".
 

 

 

الغضب آفة من الآفات التي تسلب لب الإنسان في كثير من الأحيان، وتطغى على مشاعره الجياشة بالحب فتفسدها وتعكس أوضاعها، وتحدث في النفس لوعى وأسى.
 
والغضب كما يؤثر على القوى العقلية والنفسية يؤثر بالضرورة تأثيراً شديداً على القوى العصبية والأوعية الدموية؛ فيصاب المرء الغضوب باضطراب شديد في هذه الأجهزة وارتفاع في ضغط الدم، وسرعة شديدة في ضربات القلب.
 
وأكثر الأمراض التي يعاني منها الإنسان سببها الغضب الشديد كما يقرر الأطباء.
 
فعلى المسلم أن يجتنب أسبابه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويتوقى مواطنه بقدر إمكانه، ويحتاط لنفسه من المثيرات التي تغضبه، ويعظ نفسه دائماً بما يدفع ثورته إذا غضب، ويفعل ما يخفف عنه حدته ويذهب أثره إن تملكه أو كاد يتملكه.
 
ولا شك أن الوقاية خير من العلاج، ولكن الإنسان دم ولحم – كما يقولون – لا يستطيع أن يرى ما يسوءه ويسكت أو يتغاضى عما لا يمكن التغاضي عنه لا سيما إذا جاوز الأمر حده وتمادى المسيء في غيه وإساءته.
 


وقد تكلمت عن الغضب في الوصية الحادية عشر من هذا الكتاب، ونريد هنا أن نذكر ما ورد في هذه الوصية من الأدوية الناجعة لهذا الداء البغيض.
 
وفي هذه الوصية ثلاثة أنواع من العلاج هي الجلوس والاضطجاع والوضوء.
 
فإذا غضب أحدنا وهو قائم جلس، لأن الجلوس يكسر من حدة الاندفاع إلى الشر؛ فإن القائم وهو غضبان قد تصدر عنه أقوال تدفع من أغضبه إلى الهيجان عليه والانتقام منه.
 
وقد لا يملك الغضبان نفسه فيندفع إلى من أغضبه فيضربه وربما يقتله.
 
والشيطان يغتنم هذه الفرصة السانحة فيفجر براكين الغضب بين المتخاصمين، ويسول لكل منهما أن يوسع صاحبه سباً وشتماً، أو يطوع لكل منهما قتل صاحبه كما طوع لقابيل قتل أخيه هابيل.
 
والشيطان للإنسان عدو مبين، والنفس أمارة بالسوء، والغضب جمرة من نار، وأسبابه تبدأ تافهة، ثم تكبر وتتسع كالنار تبدأ من شرارة ثم يشتد ليهيبها ويرتفع إلى عنان السماء وينتشر في الآفاق هنا وهناك. ومعظم النار من مستصغر الشرر.
 
والثاني: الاضطجاع إذا لم يجد الجلوس شيئاً حتى تتراخي الأعصاب وتنكسر حدة الغضب تماماً – إن شاء الله –.
 
والثالث: الوضوء، فإنه طهارة روحية أكثر منها بدنية، وهو شطر الإيمان في بابه، والإيمان طمأنينة، والطمأنينة ضد الغضب، بل هو دواؤه الناجع وسلطانه المسيطر عليه.
 
والوضوء يذهب وساوس الشيطان وهواجس النفس، وينسى الإنسان مآسيه ومآسي من أغضبه.
 
ومحمد – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – طبيب الأطباء يصف الدواء لكل من يؤمن بالله ويثق بفضله ويتوكل عليه في أمره كله.
 
وليس الجلوس والاضطجاع والوضوء هي كل الأدوية التي تقطع دائرة الغضب، ولكن هناك أدوية أخرى ذكرها النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – منها:
 
السكوت عند الغضب حتى لا يتفوه بكلمة نابية فيندم عليها حيث لا ينفعه الندم؛ فالكلمة إذا خرجت من الفم لا تعود إليه أبداً.
 
وربما يقول كلمة تزيد في غضب خصمه فيكيل له الصاع صاعين فيدفعه الغضب إلى أن يرد عليه بأكثر مما سبه به، ويحتدم النزاع ويتشتد الخصومة؛ فلا يكون هناك للصلح موضعاً.
 
وقد تتسع دائرة الخصومة فيندفع كل ذي قرابة إلى مناصرة قريبه فيتسع الخرق على الراقع كما يقولون.
 
روى أحمد في مسنده من حديث ابن عباس – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – أن النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: " إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فليسكت " قالها ثلاثاً. قال مورق العجلي – رحمه الله – : ما امتلأت غضباً قط ولا تكلمت في غضب قط بما أندم عليه إذا رضيت.
 
وقال ميمون بن مهران: جاء رجل إلى سليمان فقال: يا أبا عبد الله أوصني، قال لا تغضب، قال: أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك، قال: فإن غضبت فاملك لسانك ويدك".
 
ومن الأدوية التي يُعالج بها الغضب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ فمن استعاذ بالله أعاذه وعصمه ممن استعاذ به منه.
 


روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سليمان بن صرد – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قال: "اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَقَالُوا لِلرَّجُلِ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ".
وقول الرجل: "إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ" كلمة فيها غلظة وسوء أدب دفعه لقولها الغضب نعوذ بالله من شره.
 
وعلى المسلم إذا اشتد غضبه أن يذكر قول الله تبارك وتعالى في أوصاف المؤمنين { وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } (سورة الشورى: 37).
 
وليذكر أيضاً قوله تعالى في أوصاف المتقين { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (سورة آل عمران: 134).
 
وليذكر ما كان عليه النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – من الحلم والعفو والصفح الجميل، وما كان عليه أصحابه الكرام البررة.
 
وسيأتي في ذلك شرح موسع لهذه الأخلاق الفاضلة في وصايا أخرى.
 
واعلم – أيها الأخ المسلم – أن المؤمن القوي في إيمانه وفي حزمه وعزمه، هو الذي يستطيع أن يملك نفسه عند الغضب فينتشل نفسه منه قبل أن يفتك به، وينتزع نفسه من خصمه بالسكوت عنه وعدم مواجهته والانسحاب المأمون من طريقه حتى يسلم من شره وشر الغضب الذي أحاط به.
 
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ". 
 
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: "مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ قُلْنَا الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".
 
وبعد فإن العاقل من دان نفسه وعرف قدرها ولو ردها موارد السلامة والعافية وكبح جماحها ولم يجعل للشيطان عليها سلطاناً، ولا للهوى عليها سبيلا، وتسلح بالعلم والحلم، وكان من الناس على حذر مع معايشتهم والتهاون معهم على البر والتقوى والصبر على أذاهم بقدر الطاقة.
 
والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
 

 

 

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day