البحث
إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا - الجزء الثاني
تحت قسم :
من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
2137
2019/11/06
2024/12/18
لكن كيف يتواضع العبد لله أولاً، وما الطرق المثلى لذلك؟ وكيف يكبح جماح نفسه عن الكبر وتوابعه؟
والجواب عن هذه الأسئلة يتخلص في أربعة أمور:
الأمر الأول: النظر في مبدأ خلقه من أين خلق؛ فإن النظر إلى مبدأ الخلق يصل العبد بخالقه ويشعره بنعمة وجوده، ويريه في نفسه آيات قدرة والقرآن الكريم يشير إلى مبدأ خلقه في آيات كثيرة ينبغي عليه أن يقرأها كلما ابتعدت به الخواطر بعيداً في متاهات الهوى، ووسوست له شياطين الإنس والجن بما يحمله على البطر والطغيان ويدعوه إلى الفخر والغرور والخيلاء.
يقول الله عز وجل: { فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } (سورة الطارق: 5-7).
ويقول الله جل وعلا: { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ } (سورة السجدة: 7-8 ).
فإذا فكر وتدبر في هذه الآيات عرف أنه صفر لا يساوي شيئاً، العالم كله أصفار مثله، لكنها بالواحد عز وجل تكون شيئاً مذكوراً ورقماً مقروءاً، وعندئذ تزول من النفوس كل أثارة من كبر، وكل شرارة من غرور.
الأمر الثاني: النظر إلى مصيره ومستقره وماذا قدم لنفسه من عمل صالح؟
فهو من التراب وإلى التراب يعود؛ والموت أقرب إليه من شراك نعله وبعده تتساوى الرءوس ويوضع الرئيس بجانب المرءوس، ويتخلى عنه أهله ويرجعون إلى ما قد ملكت يداه، فيقسمونه بينهم بحسب ما تقضي به الشريعة الغراء، وهو مسئول عنه يوم القيامة من أين اكتسبه وماذا عمل فيه.
قال مالك بن دينار:
أتيـت المقابــر ناديتها أيـن المعظــم والمفتــخر
أيــن المـدل بسلطانـه أين المزكي إذا ما حضر
أين الملبي إذا ما دعا أيــن العــزيز إذا مـا أمر
قال ابن دينار: قلت هذا فسمعت من يقول، ولم أر شيئاً:
تـفانــوا جمــيعاً فـلا مــخبـر وماتـوا جميعاً وهـذا الخبـر
تـروح وتغـدو بنـات الثــرى فتمحوا محاسن تلك الصور
وقـــد قـلـد القــوم أعمـالهــم فـــإما نعيــــم وإمـــا سفـــر
وساروا جميعاً إلى ملك قادر عـزيز مـطاع إذا مــا أمــــر
فيا ســائلي عـن أناس مضوا أمــل لك فيمــن مضى معتبر
إذا عرف الإنسان ذلك المصير المحتون تهون عليه الدنيا بما فيها، فلا يسعده شيء من حطامها، ولا يعتز إلا بافتقاره إلى الله، وحسن توكله عليه في السر والعلانية، والتواضع لعظمته في كل حال.
الأمر الثالث: النظر فيما أعده الله للمتواضعين وما أعده للمتكبرين؛ فإنه لو أنعم النظر في الأجر العظيم الذي يحصل عليه المتواضع في دنياه وآخرته، ما سره في حياته كلها إلا أن ينسى أنه شيء يستحق الذكر.
وبهذا نظر إلى الوعيد الشديد الذي توعد الله به المتكبرين لضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه، وأخذ منه الخوف كل مأخذ، وما وسعه إلا عفو الله. وسيأتي ما وعد الله به المتواضعين لعظمته، وما وعد به المتكبرين بعد حين.
الأمر الرابع: الإكثار من ذكر الله عز وجل؛ فإن الإكثار من ذكر الله يطرد عن الذاكر شبح الغفلة، ويزيل من صدره ظلمة الوحشة، ويجعل قلبه مؤهلاً لقبول الإيمان بمعناه الصحيح؛ فإن من ذهبت عنه غفلته وظلمته وقسوته – عرف الله بأوصافه الكمالية، فتواضع لعظمته كل التواضع مهما أوتى من عظائم النعم وطيبات الحياة.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا } (سورة الأحزاب: 41-44).
أي: إذا ذكرتم الله ذكراً كثيراً وسبحتموه في الصباح والمساء وسائر الأوقات – تغمدكم برحمته ووسعكم فضله، وأخرجكم من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والإيمان.
وحينئذ تخضع قلوبكم وجوارحكم لعظمة خالقكم، فيكون لكم عز الدارين، ويؤتيكم الله أجوركم مرتين: مرة على العمل الصالح، ومرة على تواضعكم وخضوعكم إلى من بيده أمركم كله.
هذه هي الأمور الأربعة التي بها يصل العبد إلى هذا المقام، فيكون من جملة عباد الرحمن حقاً. وعلى الله قصد السبيل.
أما التواضع للناس فهو في الحقيقة تواضع لله؛ لأن العبد حين يتواضع للناس لا يقصد منهم أن يحمدوه على هذا التواضع؛ إذ لو قصد ذلك لكان مرائياً، والرياء مفسد للعمل، وهو يؤدي إلى الغرور حتماً، والغرور نوع من الكبر، وفي الكبر هلاك للمتكبرين في الدنيا والآخرة. لكن كيف يستطيع أن يتواضع للناس من غير مذلة ولا منقصة ولا إخلال بمنزلته بينهم؟
أقول: يستطيع العبد بمشيئة الله تعالى أن يعود نفسه على مسايرة الناس والتواضع لهم من غير ذلة ولا منقصة إذا التزم مع الأمور الأربعة السابقة أربعة أمور أخرى.
الأول منها: أن يتجرد من أثرته وأنانيته وحبه لذاته، وذلك بأن يعلم أن الحياة أخذ وعطاء، وأن الدهر يومان يوم له ويوم عليه، وأن الناس للناس بعضهم لبعض خدم، وإن تباعدت بينهم الأقطار وتناءت الديار، وأن القوي لا يستغنى بحال عن الضعف، والغني لا يستغنى عن الفقير، وأن الناس مهما تفاوتت أنسابهم فكلهم لآدم وآدم من تراب، وأن الدنيا ظل زائل وعارية مستردة ومتاعها قليل؛ فمهما طال العمر فيها فإنه قصير، وأن الخير كل الخير في التعاون على البر والتقوى، وأن الإنسان مدني بالطبع، لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن أبناء جنسه.
إذا عرف هذه الحقائق كلها لم يسعه إلا أن يخفض جناحه لأخيه، فلا يتعالى عليه؛ إذا لا محل للتعالي وهم في الفقر سواء، بعضهم لبعض فقير، والجميع فقراء إلى الله.
ولن يؤلف الله بين القلوب إلا إذا تواضع الناس فيما بينهم، وعرف كل امريء منهم حق أخيه عليه في السراء والضراء، والشدة والرخاء، وتركوا البغي والتكبر والتفاخر بالأنساب والأحساب، وجمعوا قلوبهم عليه، وتواضعوا جميعاً لعظمته.
فعندئذ يرحمهم ربهم ويؤلف بين قلوبهم وينصرهم على أنفسهم وعلى عدوهم من شياطين الإنس والجن.
والأمر الثاني: أن يجعل نصب عينيه ما كان النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – من خلق فاضل وكمال وافر، وتواضع جم مع سمو منزلته في العالمين، فيقتدي به في عاداته وعباداته وسلوكه كله، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
فقد كان عليه الصلاة والسلام يجالس الفقراء والمساكين ويرعى شئونهم، ويخدمهم بنفسه، ويواسيهم بماله وطيب حديثه ونظرته الحانية، ويشاركهم آمالهم وآلامهم، ويشعرهم بأنه واحد منهم.
وكان – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يشارك أهله في مهنتهم، فيقم البيت، ويخيط ثوبه ونعله بيده الشريفة، ويداعبهم ويمزح معهم.
وكان إذا مر على الصبيان سلم عليهم وقبل صغارهم وباسطهم في الحديث.
وكان– صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يحمل متاعه بنفسه، ولا يحب أن يحمل أحد شيئاً منه غائباً، ويقول: "صاحب الشيء أولى بحمله".
وكان لا يحب أن يقبل يده أحد، ويقول: "إنما تفعل ذلك الأعاجم بملوكهم".
وكان يقول: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، إلى آخر ما نص عليه المحدثون وأصحاب السير في كتبهم.
وكان أصحابه يقتدون به في ذلك كله، ويسلكون مسلكه – بقدر طاقتهم – في شأنه كله إلا فيما خصه الله به وفرضه عليه من دونهم.
والأخيار في ذلك كثيرة مشهورة.
الأمر الثالث: أن يتعلم المرء أصول الأخلاق من القرآن والسنة؛ ليبنى عليها كل ما جد ويجد من شئون الحياة، ويتعرف على الطباع البشرية والأعراف المرعية وسلوكيات أهل العصر بوجه عام، وسلوك الذين يتعامل معهم بوجه عام، وسلوك الذين يتعامل معهم بوجه خاص؛ حتى يكون تواضعه بالقدر الكافي والمناسب، والذي لا تكون فيه مذلة ولا منقصة من أي وجه من الوجوه.
الأمر الرابع: أن يكون بعيداً كل البعد عن المؤثرات الخارجية والتقليد الأعمى. بمعنى أنه إذا أراد أن يتواضع لا يتكلف في تواضعه ليحاكي الآخرين من غير وعي ولا إدراك، كما يفعل بعض الصوفية الذين لا علم لهم بقواعد الدين.
هذه هي الأمور التي لو راعاها المسلم حق رعايتها لكان في الذروة العليا من الكمال الخلقي؛ لأن التواضع – كما أشرنا – يجمع شعب الإيمان كلها، حتى ليبدو للناس أن التواضع ملك يمشي بينهم على الأرض، وهو كذلك فعلاً، على أن الملك مطيع بطبعه، لم يجد في الطاعة كلفة ولا مشقة، بخلاف هذا الإنسان الذي يجالد نفسه وشيطانه، ويجاهد دنياه وهواه
إن التواضع يضيف إلى صاحبه شرفاً فوق شرف، ويسمو به إلى مرتبة لا يدانيه فيها إلا من كان مثله في التواضع.
إنه بحق منتهى المقامات في العبودية، وإن صاحبه يكون كالنجم في السماء يُرَى لمعانه في الماء.
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخــان يعلــو بنفسه على طبقات الجـو وهو وضيع
فمن تواضع لله عز، ومن تواضع للناس ملك قلوبهم، ومن تكبر على الله سحقه ومسخه وانتقم منه شر انتقام، ومن تكبر على الناس ذل، فكان بينهم كالجمل الأجرب.
قال كبار العلماء: أرفع ما يكون المؤمن عند الله أوضع ما يكون عند نفسهن وأوضع ما يكون عند الله أرفع ما يكون عند نفسه.
وقال عروة بن الورد: التواضع أحد مصائد الشرف، وكل نعمة محسود عليها صاحبها إلا التواضع.
وقال أبو بكر الصديق – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –: وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع.
واعلم أيها الأخ الكريم أن التواضع إنما يصدق إذا كان عن قدرة.
أما إن كان التواضع عن رهبة أو ذلة فلا يكون هذا من التواضع في شيء، بل هو هوان فوق هوان.
واعلم أن التواضع الحق ما نفي عنك شبح الكبر وطيش العجب ونزوة الغرور، ودفع عنك آفة الفخر والخيلاء وحب الظهور، وأجارك من عذاب الغضب والحقد والحسد، وسما بك إلى سماء المجد والعز والسؤدد، ونأى بك عن مجالس الفجار, وألقى بك في مجالس الأبرار، وهداك إلى سعي الآخرة، وبغض إليك الدنيا وزهدك فيها، وأدخل عليك السرور وهون عليك عظائم الأمور، وجمع بينك وبين الناس في خير ووفاق، وألهمك رشدك وتقواك، وجعل التوفيق حليفك في كل شيء تحبه وترضاه.
وإذا أردت أن تعرف عظمة التواضع ومنزلة المتواضعين عند الله وعند الناس – فانظر فيما أعد الله لهم من النعيم المقيم وما أعده للجبارين المتكبرين في نار الجحيم.
ويكفي أن تعلم أن الله – عز وجل – قد أضافهم إليه تشريفاً لهم وتكريماً لساحتهم فقال: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (سورة الفرقان: 63).
ثم قال بعد ذكر أوصافهم: { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } (سورة الفرقان: 75).
وحسبك أن تعلم أن المتكبرين شرار الخلق في الدنيا والآخرة، فقد أبغضهم وبغض فيهم خلقه، ولعنهم لعناً كبيراً، وضرب عليهم الذلة والمسكنة، وحرم عليهم دخول الجنة، وجعلهم يوم القيامة كالذر يطؤهم الناس بأقدامهم.
يقول الله عز وجل: { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ } (سورة الزمر: 60).
وقال جل وعلا: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (سورة الأعراف: 146- 147).
وهذه الآيات وما يماثلها تشمل بعمومها كل من طغى وتكبر من الكفار والمسلمين، والذين انتسبوا إلى الإسلام ثم خرجوا منه بسوء أعمالهم، كما تخرج الشعرة من العجين، ومرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية.
وقد روى ابن ماجه وغيره، عن أبي سعيد الخدري – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: "مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً يَرَفَعُهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ الله فِي أَعلى عِلِّيِّينَ، وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً يضَعُهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ".
وروى الطبراني في الأوسط، عن أبي هريرة – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: "مَنْ تَوَاضَعَ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ رَفَعهُ الله، وَمَن اِرتَفَعَ عَليهِ وَضَعهُ الله".
وروى الترمذي، وأحمد، والطبراني، وابن حبان، عن جابر – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ، وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ".
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟
قَالَ: "الْمُتَكَبِّرُونَ".
وروى مسلم عن أبي هريرة – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقول الله عز وجل: "الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ". أي: عذبته في دنياه وآخرته.
فالعذاب عذابان: دنيوي وأخروي، كما قال جل وعلا في سورة القلم: { كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } (آية: 33).
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن حارثة بن وهب – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قال: سمعت رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ"
وفي رواية عنه عن أبي داود، قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْجَوَّاظُ وَلَا الْجَعْظَرِيُّ".
وروى أحمد في مسنده، عَنْ حُذَيْفَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ اللَّهِ؟: الْفَظُّ الْمُسْتَكْبِرُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ؟: الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ ذُو الطِّمْرَيْنِ، لَا يُؤبه لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ".
وروى مسلم والنسائي، عن أبي هريرة – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاث لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ".
وروى النسائي وابن حبان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَرْبَعَةٌ يَبْغُضُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ".
وروى مسلم وغيره، عن عبد الله بن مسعود – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ" فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ".
نعوذ بالله من الكبر وتوابعه وعقباته وعواقبه، ونستجير به من شر المتكبرين وأشرهم، ونسأله جل شأنه أن يلهمنا رشدنا، وأن يجعلنا من خيار المتواضعين لعظمته، وأن يحشرنا مع المحسنين والصديقين والشهداء والصالحين في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
آمين.