1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ

أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ

الكاتب : الدكتور محمد بكر إسماعيل
2698 2020/01/23 2024/11/15

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، اسْتَشْرَفَهُ النَّاسُ فَقَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بالليل وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ".


إذا أراد الله بعبد خيراً، هداه إلى دينه القويم وصراطه المستقيم، وثبت قلبه على الإيمان الصادق فسعد بذلك في دنياه وآخرته.

وعبد الله بن سلام حبر من أحبار اليهود، كان واحداً من أولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام، فاجتمع عليه لبه وقلبه فعقل عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً من الكلمات الجامعة والحكم البالغة، ووعاها وأداها كما سمعها بأمانة وإخلاص.

وهذه الوصية واحدة منها، وهي أول ما سمعه من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نزل المدينة.

يقول رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، اسْتَشْرَفَهُ النَّاسُ"

أي انتظروه وأسرعوا إلى استقباله على المشارف، وهي الأماكن المرتفعة.

وفي رواية الترمذي وابن ماجة:

"انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ"

أي جاءوه جماعات جماعات من هنا وهناك.

وقال: "فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ".

أي عرفت الصدق كله من صفحات وجهه، ولم أشك أنه نبي مرسل، قد اجتمعت فيه كل النعوت التي جاءت في التوراة والإنجيل.

والعاقل اللبيب له فراسة قل أن تخطيء، فهو بذكائه وفطنته، وعلمه وخبرته استطاع من أول نظرة إل وجه النبي الكريم أن يتعرف عليه، كما يتعرف الرجل على ابنه من صلبه، ولديه كل الدلائل التي تشير من قريب ومن بعيد إلى أنه هو ذلك النبي المنتظر.

ذلك النبي الذي ختم الله به النبيين، وأكمل به الدين، وأتم به النعمة.

إن هذا الخبر لا يخفى عليه أمر هذا النبي الكريم، فهو يعرف نعوته كلها، ويعرف زمان بعثته، ومكانه الذي يعيش فيه ويبعث منه إلى الناس كافة.

ومن قبله كان بحيراً الراهب، فقد رآه مع عمه أبي طالب في قافلة تجارية كانت متوجهه من مكة إلى الشام، وهو ابن اثنتى عشرة سنة، فعرف أنه نبي وتأكد من ذلك حين أبصر خاتم النبوة في كتفه اليمنى، فقال لعمه: أن لابن أخيك هذا شأناً، فاحذر عليه اليهود والنصارى، أو عد به إلى مكة؛ فإنه النبي المنتظر.

فما من حبر من أحبار اليهود ولا راهب من رهبان النصارى له ذكاء وفطنة – إلا عرف فيه سمات النبوة.

يقول الله عز وجل:

{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

(سورة البقرة: 146).

يروي أن عمر بن الخطاب سأل عبد الله بن سلام هل تجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التوراة.

قال: والله إني لأجده، وإن معرفتي بمحمد أشد من معرفتي مني يا بني.

قال: كيف ذاك؟

قال: أجده بصفته ونعته، أما ابني فلا أدري ما تصنع النساء!.

قال عبد الله: فكان أول ما سمعته يقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ..." إلى آخر الحديث.

يريد أن يقول: أن نبي ينطق بالحكمة، ويدعوا إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وهذه من نعوته عندهم في التوراة والإنجيل، فكان سماعه مؤكداً لرؤيته؛ فوجهه وجه نبي، وكلامه كلام نبي، فلم يسعه إلا اتباعه، فاتبعه على هدى من ربه ونور.


وقد تضمنت هذه الوصية أربع شعب من شُعب الإيمان.

الشعبة الأولى: إفشاء السلام، أي إلقاؤه ورده.

والإلقاء والرد يحمل في طياته نشر السلام بين المؤمنين في ربوع البلاد، فالسلام هو الأمان، فإذا ألقى الرجل السلام على أخيه، فقد أمنه على نفسه وماله، وكذلك إذا رده عليه.

وبالسلام يسود الحب بين المؤمنين، وتتقارب أفئدتهم وأرواحهم، وتلتقي أهدافهم حول نصرة الدين وتحقيق ما يصبون إليه بروح التعاون والإخاء.

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ".

ليس المعنى مقصوراً على إلقاء السلام ورده، بل المعنى أوسع من ذلك بكثير، يشمل بعمومه نشر الأمان بجميع الوسائل المتاحة، كتلاشي الجدل العقيم؛ فإنه يؤدي إلى العداوة والبغضاء، وتناسي الأحقاد والضغائن؛ فإن تناسيها يبعد عن الناس شبح المكايد التي يمليها الشيطان لضعفاء الإيمان ومرضى النفوس والعقول.

فالإفشاء معناه: النشر على نطاق واسع، وإظهار ما كان خافياً من الحب ونحوه مما قد يستره المرء حياءً أو كبراً.

ولذا أمر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل إذا أحب أخاه أن يخبره بذلك؛ لتتوثق عرى الإخاء والمودة بينهما.

فقد روى أبو داود في سننه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْلَمْتَهُ؟" قَالَ: لَا. قَالَ "أَعْلِمْهُ"، قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ.

وقد مضى الكلام على أحكام السلام في الوصية رقم (47) من الجزء الأول، فراجعه إن شئت.


الشعبة الثانية: إطعام الطعام،

أي بذله لمن هو في حاجة إليه بسخاء وطيب نفس، فهو خير ما يقدم للأهل والأقارب والضيفات، والفقراء والمساكين ومن على شاكلتهم.

والطعام يشمل بعمومه كل ما يطعم ويشرب، ويذوق المرء طعمه في فمه مما يتقوى به البدن.

وإطعام الطعام نخوة عربية جاء الإسلام فباركها ودعا إليها ورغب فيها واعتبره شعبة من شعب الإيمان وشعيرة من شعائر الإسلام في كثير من المواطن والمناسبات.

فهناك الأضحية، والعقيقة، والوليمة، والهدى، والفدو، وغيرها مما سنه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته.

ولقد كانت قريش من أكرم العرب وأكثرهم قرى للضيف على الإطلاق، ولا سيما بنو عبد مناف، أجداد النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وكان محمد عليه الصلاة والسلام في الجود لا يداني.

وكان علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يحاول أن يحاكي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك.

قال الشاعر:

يا أيها الرجل المحول رحله                هــلا نـزلت بآل عبـد مناف

هبلتك أمـك لو نزلت بحبهـم               منعوك من فقر ومن إقراف

الخـالطيـن غنيهــم بفقـرهــم               حتى يعــود فقيـرهم كالكافي

المالئيـن جفانــهم وصلودهم                حتى يعـود الشمس بالرجاف

منهــم عــلي والنبـي محمــد               القـــائــلان هلــم للأضيـــاف

والإسلام حين يرغب معتنقيه في إطعام الطعام إنما يوثق بينهم تلك الصفة الإنسانية، التي تقوم على التعارف والتعاون البناء في جميع المجالات، باعتبار أن الإنسان مدني بالطبع، هو في حاجة دائمة إلى معونة أخيه الإنسان.

ويعمق على وجه الخصوص تلك الأخوة الإيمانية، التي تقوم على المحبة والمودة والعدل، والفضل، والمعروف.

والطعام – كما نعلم – من حوائج الإنسان الرئيسية، لا يستغنى عنه بحال؛ فكانت الدعوة إليه والمشاركة فيه من أعظم أنواع البر.

والاجتماع على الطعام فيه بركة، فمن دعا أخاه إلى مائدته ليأكل معه وكان طعامه قليلاً؛ فإن الله عز وجل يفيض عليه من بركاته ما يجعله كافياً.

وقد جربنا ذلك فرأيناه كذلك.

روى أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، عَنْ وَحْشِيُّ بْنُ حَرْبِ بْنِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ، قَالَ: "تَجْتَمِعون عَلَى طَعَامِكم أَو تتفرقون؟" قَالُوا: نَتَفَرَّقُ، قَالَ: "فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ".

وروى مسلم والترمذي وابن ماجة عن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ".

وقد تقدم الكلام على إكرام الضيف في الجزء الأول من الوصية الخامسة، فراجعه إن شئت.


الشعبة الثالثة: صلة الأرحام،
وهي مطلب من أسمى المطالب التي يُعنى الإسلام بها ويرغب فيها.

وهي قربة من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد لخالقه ومولاه.

وقد تقدم الكلام عليها في الوصية رقم (117) من الجزء الثاني.

ونضيف هنا على ما قلناه هناك أن صلة الأرحام تقوم على أربعة مبادئ أساسية:

المبدأ الأول: الحب المتبادل بين أولى الأرحام والعصبات، فإن لم يكن هناك حب باعتبار أن القلوب بيد الله عز وجل – قام المعروف مقامه.

والمعروف: هو العادات والسلوكيات التي لا تصطدم مع الشرع، ولا تعارض نصاً من نصوصه.

المبدأ الثاني: هو العدل، بأن يُعطي المرء من الحقوق مثل ما عليه من الواجبات.

وذلك بأن يقابل المرء الإحسان بإحسان مثله أو بأحسن منه؛ وفق

قوله تعالى

{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا }

(سورة النساء: 86).

والمبدأ الثالث: هو الفضل؛

لقوله تعالى:

{ وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ }

(سورة البقرة: 237).

والفضل معناه: أن يتذكر المسلم محاسن أخيه المسلم وينسى مساويه، ولا سيما إذا كان أخوه هذا من ذوي رحمه؛ لأن ذكر المحاسن يعين المسلم على بر إخوانه وأرحامه بسخاء وإخلاص، بخلاف ذكر المساويء فإنه يقسي القلوب ويباعد بينها، ويحجب عن الإنسان رؤية محاسن أخيه، حتى لا يكاد يرى له حسنة يعدها.

وعين الرضا عن كل عيب كليلة              ولكن عين السخط تبدي المساويا

المبدأ الرابع: هو العفو والصفح والغفران.

وذلك لأن هذه الأمور الثلاثة المتلازمة تتيح لصاحبها أن ينطلق إلى فعل الخير لا يلوي على شيء، ولا يعوقه في سبيل الخير عائق ما دام قد تسلح بهذه الصفات التي إن دلت على شيء فإنما تدل على عزم صادق وهمه عالية وحلم رشيد.

ويقول الله عز وجل

{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }

(سورة الشورى: 40).

ويقول:

{ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }

(سورة الشورى: 43).

ويقول عز وشأنه:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

(سورة التغابن: 14).

والعفو: ترك العقاب، والصفح: ترك العتاب، والغفر: نسيان ما كان


الشعبة الرابعة: هي الصلاة بالليل والناس نيام.

وهي من أفضل الصلوات بعد المكتوبة، كما جاء في صحيح مسلم يواظب عليها من يخشى الله ويتقيه.

وقد أثنى الله تبارك وتعالى على قوام الليل ثناء حسناً،

فقال جل شأنه:

{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ }

(سورة الزمر: 9).

والمعنى: هل يستوي أولئك القائمون الساجدون آناء الليل، والغافلون المعرضون عن ذكر الله تعالى؟

إنهم لا يستوون، لا في العقل، ولا في الفضل.

فالساجدون القائمون، قوم عقلاء، يخشون العاقبة، ويعدون للأمر عدته، ويعملون أنهم لم يخلقوا إلا للعبادة، فهم يحرصون على ما ينفعهم في آخرتهم، ويرجون ما هو خير لهم في دينهم ودنياهم، وهو رحمة الله عز وجل.

قال تعالى:

{ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

(سورة الزخرف: 32).

والمعرضون على النقيض من ذلك. فتأمل.

وقال تعالى في سورة الذاريات مشيداً بفضل قيام الليل، ومثنياً على القائمين، ومبشراً إياهم بالجنة والنعيم المقيم: 

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }

(الآية: 15-18).

وقال جل شأنه:

{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُون َتَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

(سورة السجدة: 15-17).

روى سعيد بن منصور في سننه عن سلمان الفارسي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ: رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَمَقُرْبَةٌ لَكُم إِلَى رَبِكُم، وَمُكْفِيرة لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ".

وقال سهل بن سعد: "جاء جبريل إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد أحببت من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وعش ما شئت فإنك ميت، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس".

وقال سهل بن سعد: "جاء جبريل إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد أحببت من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وعش ما شئت فإنك ميت، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس".

وروى الطبراني بإسناد حسن عن أبي الدرداء عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم، ويستبشر بهم: الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل، فإما أن يقتل، وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه، فيقول الله: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه. والذي له امرأة حسنة، وفرش لين حسن، فيقوم من الليل، فيقول: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد. والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهر ثم هجعوا، فقام من السحر في ضراء وسراء".

وروى ابن حبان في صحيحه والأصبهاني عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله يبغض كل جعظري جواظ صخاب في الأسواق جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة".

قال أهل اللغة: الجعظري: الشديد الغليظ، والجواظ: الأكول، والصخاب: الصياح، والجيفة بالليل: هو الذي يغط في نوم عميق، فلا يستيقظ للصلاة، فهو كالجيفة الملقاة لا حس فيها ولا حركة، وذلك من كثرة ما يعانيه بالنهار من تعب وصخب، فهو كما قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حمار بالنهار" لا هم له سوى ملء بطنه، يعلم من أمر الدنيا، ولا يعلم من أمر الدين، فربما يعيش من العمر سبعين سنة ولا يعرف آداب الاستنجاء.

فهذا الرجل وأمثاله، يبغضهم الله ويطردهم من رحمته، فيخسرون الدنيا والآخرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأحرى بالعبد أن يقسم وقته، فيجعل منه لربه، ويجعل منه لبدنه، ويجعل منه لزوجه وأولاده، عملاً بالحديث الصحيح: "إن لربك عليك حقاً، وإن لبدنك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه".

هذه هي الشعب الأربعة التي جاءت في هذه الوصية، وهي بمجموعها تشتمل على خصال الخير كلها، وتحفظ للمؤمنين حسن صلتهم بربهم وحسن صلة بعضهم ببعض.

ويكفي أنها تكون سبباً في دخول الجنة بسلام، من غير عوائق ولا فزع ولا جزع ولا يأس من رحمة الله.

بها يزحزحون عن النار، وبها ترفع مقاماتهم مع الأبرار.

نسأل الله أن يجعلنا منهم. آمين.



المقال السابق

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day