1. المقالات
  2. مفاتح تدبر السنة والقوة في الحياة - د. خالد بن عبد الكريم اللاحم
  3. المفتاح الخامس: التكرار الأسبوعي.

المفتاح الخامس: التكرار الأسبوعي.

الكاتب : د . خالد بن عبد الكريم اللاحم

 وهو الطريقة التي يمكن بها حفظ السنة لفظا ومعنى بسهولة وانسيابية دون تسويف أو استعجال بل أدومه وإن قل، بمعنى أن يكون لك حزب يومي تحافظ عليه بحيث تختم ما تحفظه كل أسبوع، بمعنى أن تقسم ما يتم حفظه من السنة إلى سبعة أقسام في كل ليلة قسم فتختمه كل أسبوع، وكلما زاد الحفظ أعدت التقسيم ليتناسب مع المقدار الجديد.

 كما يمكن أن يكون التحزيب على أسبوعين أو شهر، لكن اعلم أنه كلما طالت مدة الدورة كلما ضعف أثره التربوي واختل الحفظ وأنت الحكم.

والبداية تكون بسبعة أحاديث بحيث يكون لكل يوم حديث ابتداء من يوم الجمعة، ثم تكون الزيادة بالطريقة نفسها التي وصفتها في الحفظ التربوي للقرآن.

 هذا المفتاح وظيفته تثبيت حفظ الألفاظ والمعاني، وهو يقوم على أسس منها:

 1- الأناة وعدم الاستعجال ويتمثل ذلك بتقليل المقدار.

 2- مراعاة الفروق الفردية فكل شخص له طاقته وقدرته.

 3- المحافظة على الجهد والوقت.

 4- الحزم والمبادرة.

 5- ضبط المحفوظ مقدم على حفظ الجديد عند التعارض.

 6- الاستمرار وعدم التوقف.

 7- التركيزعلى القليل حتى الإتقان.

 وهذه المعاني أكد عليها علماء الحديث قديما وطبقوها على أنفسهم وطلابهم وأقوالهم في هذا مشهورة من ذلك:

 1- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: تزاوروا وتدارسوا الحديث ولا تتركوه يدرس.(1)

 2- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نكون عند النبي صلى الله عليه فنسمع منه الحديث فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه.(2)

 3- وعن عطاء قال: كنا نكون عند جابر بن عبد الله فيحدثنا فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه.(3)

 4- وعن ابن عباس قال: إذا سمعتم مني حديثا فتذاكروه بينكم.(4)

 5- وعن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنه كان يقول له: يا سعيد اخرج بنا إلى النخل ويقول: ياسعيد حدِّث، قلت: أحدث وأنت شاهد؟ قال إن أخطأتَ فتحتُ عليك.(5)

 6- عن علقمة قال: أطيلوا ذكر الحديث لا يدرس.(6)

 7- عن سفيان الثوري قال: اجعلوا الحديث حديث أنفسكم وفكر قلوبكم تحفظوه.(7)

 8- وعن ابن خلاد قال: قيل: الاحتفاظ بما في صدر الرجل أولى من درس دفتره، وحرف تحفظه بقلبك انفع لك من ألف حديث في دفاترك. (8)

 9- وقيل للأصمعي: كيف حفظت ونسي أصحابك؟ قال: درست وتركوا.(9)

 10 - وعن أبي حازم قال: كان الناس فيما مضى من الزمان الأول إذا لقي الرجل من هو أعلم منه قال: اليوم يوم غنمي فيتعلم منه، وإذا لقي من هو مثله قال: اليوم يوم مذاكرتي فيذاكره، وإذا لقي من هو دونه علَّمه ولم يَزْه عليه، قال: حتى صار هذا الزمان فصار الرجل يعيب من فوقه ابتغاء أن ينقطع منه حتى لا يرى الناس أن له إليه حاجة، وإذا لقي من هو مثله لم يذاكره فهلك الناس عند ذلك.(10)

 11- وقال جعفر الصادق: القلوب ترب والعلم غراسها والمذاكرة ماؤها فإذا انقطع عن الترب ماؤها جف غرسها.(11)

 12- وقال عبد الرحمن بن مهدي: إنما مثل صاحب الحديث بمنزلة السمسار إذا غاب عن السوق خمسة أيام تغير بصره.(12)

 13- وقال أبو هلال العسكري: وإذا كان ما جمعته من العلم قليلا وكان حفظا كثرت المنفعة به، وإذا كان كثيرا غير محفوظ قلت منفعته.(13)

 14- وقال الخليل بن أحمد: تعهد مافي صدرك أولى بك من تحفظ ما في كتبك.(14)

 15- وقال الخطيب البغدادي: ولا يأخذ الطالب نفسه بما لا يطيقه بل يقتصر على اليسير الذي يضبطه ويحكم حفظه ويتقنه. (15)

 16- وقال ابن علية: وكنت أسمع من أيوب خمسة، ولو حدثني بأكثر من ذلك ما أردت.

 17- وقال عبد الرحمن بن مهدي: قال سفيان: كنت آتي الأعمش ومنصورا فأسمع أربعة أحاديث، خمسة ثم أنصرف كراهة أن تكثر وتفلت.

 18- وقال شعبة: كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين فيحدثني ثم يقول أزيدك؟ فأقول لا حتى أحفظهما وأتقنهما.

 19- وقال الزهري: من طلب العلم جملة فاته جملة، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان.

 20- وقال معمر: من طلب الحديث جملة ذهب عنه جملة وإنما كنا نطلب حديثا وحديثين.

 21- وقال الزهري: إن هذا العلم إن أخذته بالمكابرة له غلبك ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا تظفر به.

22- وقال الخطيب البغدادي: ينبغي له أن يتثبت في الأخذ ولا يكثر بل يأخذ قليلا حسب ما يحتمله حفظه ويقرب من فهمه

فإن الله تعالى يقول

: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾

[(32) سورة الفرقان ]

فقد روي أن حماد بن أبي سليمان قال لتلميذ له: تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئا، واعلم أن القلب جارحة من الجوارح تحتمل أشياء وتعجز عن أشياء كالجسم الذي يحتمل بعض الناس أن يحمل مائتي رطل، ومنهم من يعجز عن عشرين رطلا، وكذلك منهم من يمشي فرسخا في يوم لا يعجزه، ومنهم من يمشي بعض ميل فيضر ذلك به فكذلك القلب؛ من الناس من يحفظ عشر ورقات في ساعة، ومنهم من لا يحفظ نصف صفحة في أيام فإذا ذهب الذي مقدار حفظه نصف صفحة يروم أن يحفظ عشر ورقات تشبها بغيره لحقه الملل وأدركه الضجر ونسي ما حفظ ولم ينتفع بماسمع، فليقتصر كل امرئ من نفسه على مقدار يَبْقى فيه ما لا يستفرغ كل نشاطه فإن ذلك أعون له على التعليم من الذهن الجيد والمعلم الحاذق، ولا ينبغي له أن يزج نفسه فيما يستفرغ مجهوده، وليعلم أنه إن فعل ذلك في يوم ضِعْف ما يحتمل أضر به في العاقبة لأنه إذا تعلم الكثير فإنه إذا عاد من غد وتعلم نسي ما كان تعلمه أولاً وثقلت عليه إعادته، وكان بمنزلة رجل حمل في يومه ما لا يطيقه فأثر ذلك في جسمه وكذلك إذا فعل في اليوم الثالث ويصيبه المرض وهو لا يشعر، ويدل على ماذكرته أن الرجل يأكل الطعام ما يرى أنه يحتمله في يومه مما يزيد فيه على قدر عادته فيعقبه ذلك ضَعْفاً في معدته فإذا أكل في اليوم الثاني قدر ما كان يأكله أعقبه لباقي الطعام المتقدم في معدته تخمة، فينبغي للمتعلم أن يشفق على نفسه من تحميلها فوق طاقتها ويقتصر من التعليم على ما يبقى عليه حفظه ويثبت في قلبه.

 وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ألم أخبر أنك تقوم من الليل وتصوم النهار؟ إنك إن فعلت ذلك هجمت عينك ونقهت نفسك: لعينك عليك حق ولنفسك عليك حق فصم وأفطر وصل ونم.

 وينبغي أن يجعل لنفسه مقدارا كلما بلغه وقف وقفته أياما لا يزيد تعلما فإن ذلك بمنزلة البنيان؛ ألا ترى أن من أراد أن يستجيد البناء بنى أذرعا يسيرة ثم ترك حتى يستقر ثم يبني فوقه ولو بنى البناء كله في يوم واحد لم يكن بالذي يستجاد وربما انهدم بسرعة وإن بقي كان غير محكم(16) فكذلك المتعلم يبنغي أن يجعل لنفسه حدا كلما انتهى إليه وقف عنده حتى يستقر ما في قلبه ويريح بتلك الوقفة نفسه"اهـ(17)

 إن التكرار الأسبوعي المنظم من أنفع المفاتيح في البناء العلمي وتثبيت حفظ السنة لفظا ومعنى، فالأحاديث التي تطبق عليها هذا المفتاح تجد أنها دخلت في أعماق حياتك وملأت عليك تفكيرك بأمور إيجابية بعد أن كان مرتعا للأفكار السيئة ولوساوس شياطين الإنس والجن.

 إن هذا أيسر علاج لمعظم الأمراض النفسية لمن قدر عليه وأحس بأهميته، بل هو وقاية منها قبل وقوعها فحينما يحرص عليها الإنسان في حال الرخاء أوالصحة والنشاط ينتفع بها حال الشدة أوالمرض والفتور، وحينما نربي عليها أطفالنا منذ الصغر فإن ألفاظ السنة ومعانيها ترسخ في قلوبهم تنمو مع نمو أجسامهم وتقوى مع قوة عظامهم.

 فما كثرت في مجتمعنا الأمراض النفسية، وكثرت الانحرافات الخلقية إلا حينما أهملنا هذا الغذاء النافع المفيد وشغلنا حياتنا باللهو سواء المباح منه أو المحرم.

 إن تطور تقنيات الإعلام والمعلومات في عصرنا الحاضر بدل أن يكون نعمة نستغلها في الخير صارت وبالا على الكثير من أفراد الأمة الإسلامية حيث اتخمت بكم هائل من المعلومات تنزل بساحتها صباح مساء فانشغلت به عن العلم الذي فيه بناؤها وقوتها وتماسكها مما أدى إلى ترهلها وإصابتها بأمراض معنوية كثيرة تماما كما حصل لها في أسلوب تغذيتها حيث صارت المصانع تزج بآلاف الأطعمة التي طليت بكثير من المحسنات والمشهيات فنتج عنه إصابتها بأمراض في بدنها لم تكن معروفة من قبل. 

---------------------------------

1- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-236

2-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-236

3-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-237

4- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-237

5- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-269

6-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-238

7- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-266

8-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-267

9-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-267

10-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-276

11-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-278

12-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-278

13-الحث على طلب العلم 74

14-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2-14، الحث على حفظ العلم للعسكري 7

15- من رقم 15 إلى رقم21 في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1-231

16-هذه القاعدة من أنفع القواعد في حفظ العلم حفظا متقنا نافعا، ومن التجارب المعاصرة في تطبيق هذه القاعدة ما حدثني به الزميل الدكتور إبراهيم الدوسري حيث ذكر أنه لما حفظ ثلثي القرآن توقف سنة كاملة عن الحفظ ليراجع ما حفظ ويثبته فلما استقام له ذلك واصل المشوار إلى أن أتم حفظ القرآن كاملا فانتفع به ونفع، فالاستعجال وعدم مراعاة الفروق الفردية من أكبر الأسباب في تساقط طلاب العلم واليأس من الحفظ ومن ثم الرضى بالجهل بقية الحياة

17-الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي : 2/215 

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day