البحث
مقدمة النصر المؤزر للنبـي الموقر وهو الدلائل الـمِـئـة على عِظم قدر النبـي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وبيان حقوقه السبعة عشر على الأمة
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الخلق ، وفضَّل بعضهم على بعض ، فاصطفى من الملائكة رسلا ، ومن الناس أنبياء ، وفضل النبيين بعضهم على بعض ، فاصطفى منهم أولي العزم ، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ، واصطفى من الخمسة الخليلين ، إبراهيم ومحمدا عليهما الصلاة والسلام ، واصطفى من الخليلين محمد ﷺليكون سيد البشر ، وخاتمهم ، وأكثرهم تابعا ، وأعلاهم قدرا ، ثم أوجب علينا طاعة رسوله محمد ﷺومـحبته وطاعته واتباعه وتوقيره ونصرته حيا وميتا ، وكذلك احترامه والصلاة عليه ، كل هذا من غير غلو ولا إفراط.
ولغرض إفادة نفسي وإخواني ؛ جمعت في هذا البحث خمسة مواضيع تتعلق بالإيمان بالنبي ﷺ:
- مقدمات في الإيمان بالنبيﷺ
- مقتضيات الإيمان بالنبي ﷺالخمسة عشرة
- الدلائل الـمِئة على عِظم قدر النبي ﷺ.
- حقوق النبي ﷺالسبعة عشر على الأمة
- نواقض الإيمان بالنبيﷺ
وقد زاد في رغبتي في إخراج هذا البحث حدث الاستهزاء بجناب النبي ﷺمن قبل بعض الجرائد الأوربية في الأعوام (1427 – 1428 هجري) ، وقد كان لها ردود أفعال واستنكارات في طول العالم وعرضه ، الإسلامي وغير الإسلامي ، فرأيت أن ذِكر الدلائل على عظيم قدر النبي ﷺوبيان حقوقه على أمته مناسب جدا في هذا المقام ، لعلها تكون معونة للعاقل ، وتذكرة للجاهل.
وفهم حقوق النبي ﷺأمر في غاية الأهمية ، لأنه مرتبط بتحقيق العبد لشهادة أن محمدا رسول الله ، وذلك أن تحقيقها لا يحصل بمجرد النطق باللسان ، بل بالقيام بما تضمنته تلك الشهادة وارتكزت عليه من شروط ، كما سنبينه إن شاء الله ، فإن أقواما كانوا يعلمون أن لا إلـٰه إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ولكن ذلك العلم بهذه الكلمة لم يدخلهم في الإسلام ، لأنه لم يُصاحبه رضا ولا انقياد لشريعة الإسلام ، كأبي طالب عم النبي ﷺ، فقد كان مقرا لابن أخيه بالنبوة ، ولكنه لم ينقد لشريعته ، خوفا من ملامة قومه ، فمات كافرا عياذا بالله ، ولم ينفعه ذلك العلم المجرد بأنه لا إلـٰه إلا الله ، وأن محمدا رسول الله.
وكذلك النفر الذين خرجوا مع النبي ﷺفي غزوة تبوك من المؤمنين ، فلما كانوا ببعض الطريق سخروا من شخص النبي ﷺوصحابته ، فنـزل القرآن بالحكم بكفرهم لأنهم لم يقوموا بحق التوقير للنبي ﷺ، الذي هو من لوازم تلك الشهادة ،
قال تعالى
﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم﴾.
وصنف آخر على النقيض الآخر تماما ، وهم الذين جاوزوا الحد في تعظيم النبي ﷺفعبدوه ، فلم يكتفوا بالإيمان بأنه رسول ، بل صرفوا له بعض خصائص الرب سبحانه وتعالى مما يستحقه من العبادات ، كالدعـاء والذبح والنذر وغير ذلك ، ووصفوه بصفات الله الخاصة به ، كعلم الغيب وغيره.
وكلا الفريقين لم يفهموا معنى شهادة أن محمدا رسول الله ﷺالفهم الصحيح ، ولم يحققوها ، وإن كانوا منتسبين للإسلام ، مدَّعين له ، بل دخل عليهم الشيطان من مدخل الإفـــــــراط أو التفريط ، فأخرجهم من الإسلام ، عياذا بالله.
والحق أن «شهادة أن محمدا رسول الله» كقسيمتها «شهادة أن لا إلـٰه إلا الله» تماما ، لها معنى وشروط ونواقض ومقتضيات ، وهي داخلة في الإيـمان بالرسل الذي هو الركن الرابع من أركان الإيمان ، فعلى هذا فلا يتم للعبد تحقيق ركن الإسلام الأول وركن الإيمان الرابع إلا بتحقيقها ، فَحَرِيٌّ به أن يتعلمها ليكون على بصيرة من أمره ، ليكون ممن اعتقدها بجنانه ، وقالها بلسانه ، وحققها بأركانه ، فيكون ممن قال تعالى فيهم ﴿والذين هم بشهاداتهم قائمون﴾.
وقد التزمت في بـحثي هذا الاختصار وعدم التطويل ، وأن يكون الكلام منصبا على الموضوع ، دون الخوض في التحليلات ، وفي ثنايا البحث ذكرت مراجع علمية مطولة لمن أراد الاستزادة ، نفع الله بها.
وصاحب هذه الكُــــلَيمات ليس بشيء وليس عنده شيء ، بل استفادها من بحوث عدة ، على رأسها كتاب «حقوق النبي ﷺبين الإجلال والإخلال» ، ويتضمن عدة بحوث علمية لبعض المشايخ الفضلاء ، قدم لهذا الكتاب معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ، وكذا كتاب «حقوق النبي ﷺعلى أمته» للشيخ د. محمد بن خليفة التميمي حفظه الله ، وقد استفدت منه استفادة جمة ، وكذا كتاب «عظيم قدر نبينا محمد ﷺوحقه على الإنس والجن» لفضيلة د. عبد الرحيم بن إبراهيم الــــهاشم حفظه الله ، كما استفدت كثيرا من الكتاب الماتع «الجامع في الخصائص» ، للباحث موسى بن راشد العازمي ، حفظه الله ، وزدت عليه ما يسر الله تعالى.
فجــزى الله خيرا هؤلاء المشايخ على جهودهم في بـيان الحق ، وإفـادة الخلق ، وكثّـر من أمثالهم ، وجعلنا وإياهم ممن حقق الشهادتين ، ومات عليها ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه ، وسلَّم تسليما كثيرا.