البحث
الحق السادس عشر: توقير زوجاته ﷺ
ومن حقوق النبي ﷺ ودلائل توقيره ؛ توقير زوجاته [1]، كيف لا ، وقد رفع الله مقام أزواج النبي ﷺ وبوّأهن منـزلة عالية ، بل رفعهن إلى منزلة الأمومة لجميع المؤمنين ، كما في
قوله تعالى
[النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم]
، وفي ذلك من الـحُرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام ما يوجب على كل مسلم أن يحفظ لهن هذا الحق ، ويؤديه على الوجه المطلوب منه شرعاً.
ومما يوجب توقير زوجات النبي ﷺ أنهن حفظن هديه في بيته ونقلنه للأمة ، لاسيما عائشة رضي الله عنها ، فإنها من المكثرين من الرواية عن النبي ﷺ ، وهكذا غيرهن من زوجات النبي ﷺ ، إلا أن عائشة حازت القدح الـمُعَلَّى.
وأما خديجة رضي الله عنها فكانت تثبت النبي ﷺ ، وتطمئنه إلى أن ما هو عليه هو الحق ، وأن الله تعالى لن يخزيه أبدا ، كما هو معلوم من قصته ﷺ لما جاءها يرجف فؤاده لما جاءه جبريل أول مرة في غار حراء ، فطمئنته ثم أتت به لابن عمها ورقة بن نوفل ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، فزاده طمأنينة ، وبين له أن الذي نزل عليه هو الوحي من الله تعالى[2].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يتولون أزواج رسول الله ﷺ أمهات المؤمنين ، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة ، خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده ، وأول من آمـن به وعاضده على أمره ، وكان له منها المنـزلة العالية.
والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها ،
التي قال فيها النبي ﷺ :
فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام
[3].
ومما يدل على عظم حق أمهات المؤمنين تخصيصهن بالصلاة عليهن ، فعن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟
قال: قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد[4].
ولفظ مسلم: وعلى أزواجه ... الحديث.
ومن حقـوق أمهات المؤمنين الاستغفار لهن ، وذكر مدائحهن وفضائلهن وحسن الثناء عليهن ، وما على الأولاد في أمهاتهم اللاتي ولدنهم وأكثر ، وذلك لمكانتـهن من رسول الله ﷺ ، وزيادة فضلهن على غيرهن من نساء هذه الأمة.
وقد تقدم الكلام على أن الرافضة قبحهم الله تَـبِعوا المنافقين في اتهام أم المؤمنين بالزنا ، فهم يدينون الله بهذا الاعتقاد الفاسد ، وهذا كفر عياذا بالله ، لأن الذي يتهم عائشة بالزنا لم يصدق بخبر برائتها الوارد في القرآن في صدر سورة النور ، قال الله تعالى ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم * لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا وقالوا هذا إفك مبين﴾ إلى أن قال تعالى ﴿ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين﴾[5].
قال ابن كثير رحمه الله: وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية ؛ فإنه كافر لأنه معاند للقرآن[6].
وقد نص القرآن على طهارة زوجات النبي ﷺ من الرجس ،
كما في قوله
[إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا]
، قال ابن جرير رحمه الله: إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد ، ويطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيرا. انتهى.
قلت: وأعظم الرجس الوقوع في الزنا عياذا بالله ، وفراش النبوة مطهر من ذلك ، والرافضة لا يتحاشون اتهام عائشة بذلك ، مع تطهير الله لها من فوق سبع سماوات.
وطهارة فراش النبوة مطرد في الأنبياء كلهم ، والطعن في فراش النبوة طعن فيهم ، عياذا بالله من تنقص الأنبياء.
وعلى هذا فالوقيعة في زوجات النبي ﷺ واتهامهن بالباطل من أعظم الإيذاء للنبي ﷺ ، وقد حرم الله إيذاء النبي ﷺ
في قوله
[إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا عظيما].
وأزواج النبي ﷺ هنَّ من دخل بهنَّ من النساء ، وهن إحدى عشرة:
1- خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
2- عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.
3- سودة بن زمعة رضي الله عنها.
4- حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها.
5- أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما.
6- أم سلمة رضي الله عنها.
7- زينب بنت جحش رضي الله عنها.
8- زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها.
9- جويرية بنت الحارث رضي الله عنها.
10- صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها.
11- ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها.
المراجع
- زوجات النبي ﷺ داخلات في آل بيته ، وسيأتي الكلام على آل بيته في الحق السابع عشر ، وإنما أُفرد هنا حق تعظيم زوجات النبي ﷺ لعظم أمره ، رضي الله عنهن أجمعين.
- انظر القصة في صحيح البخاري (3) وصحيح مسلم (160).
- انظر «مجموع الفتاوى» (3/154) وهي جزء من «العقيدة الواسطية» ، والحديث رواه البخاري (3769) ومسلم (2446) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
- تقدم تخريجه.
- النور: 11 – 17 .
- «تفسير ابن كثير» ، سورة النور ، الآيات: 23 .