1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. مقتضيات الإيمان بالنبي ﷺ الجزء الثانى

مقتضيات الإيمان بالنبي ﷺ الجزء الثانى

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسي
931 2020/04/30 2020/06/24

 [1]الجانب الثالث: عصمة نسبه الذي تناسل منه من السِّفاح
لقد حـمـى الله تبارك وتعالى أصول نبينا من سفاح الجاهلية ، فلم يخالط نسَبَه شيء من ذلك ، لا من جهة آبائه ولا من جهة أمهاته ، ولم يولد إلا من نكاح كنكاح الإسلام[2].
والدليل على هذا قول النبي ﷺ في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم يلتقِ أبواي على سفاح ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفّى مهذبا ، لا تتشعب شعبتان إلا كنتُ في خيرهما[3].

وعن أبي جعفر الباقر في تفسير قوله تعالى

)لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم( ، قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية. قال: وقال النبي ﷺ : إني خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح

[4]

الجانب الرابع: عصمته من كبائر الذنوب
أما عصمته ﷺ من الكبائر فسيرة النبي ﷺ شاهدة على هذا ، سواء قبل البعثة أم بعدها ، فإنه لم يشـرب الخمر قط ، ولم تمس يده يدَ امرأة قط فضلا عما سوى ذلك ، ولم يكذب قط ، 

كما قال ﷺ :

(لا أقول إلا صدقا) ، وكيف تقع منه الكبيرة وقد قال ﷺ لصحابته: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له

[5].

فائدة: قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في تفسير

قوله تعالى في سورة طـٰه :

)وعصى آدم ربه فهدى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى(

[6]


واعلم أن جميع العلماء أجمعوا على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في كل ما يتعلق بالتبليغ ، واختلفوا في عصمتهم من الصغائر التي لا تَعَلُّق لها بالتبليغ اختلافا مشهورا معروفا في الأصول ، ولا شك أنهم صلوات الله عليهم وسلامه إن وقع منهم بعض الشيء فإنهم يتداركونه بصدق الإنابة إلى الله حتى يَـبْلُغوا بذلك درجة أعلا من درجة من لم يقع منه ذلك ، كما قال هنا )وعصى آدم ربه فهدى( ثم أتبع ذلك بقوله )ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى(.
وقال السمعاني رحمه الله في تفسير قوله تعالى )والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين(: واعلم أن الأنبياء معصومون من الكبائر ، فأما الخطايا والصغائر تجوز عليهم.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى من سورة البقرة )أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي(: والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا.
وقال الإمام ابن عبد البــــر رحمه الله: ومعلوم أن رسول الله ﷺ لم يُكَفر عنه إلا الصغائر من الذنـــــوب ، لأنه لم يأت قط كبيرة ، لا هو ولا أحد من أنبياء الله ، لأنهم معصومون من الكبائر صلوات الله عليهم[7].
وقال ابن تيمية رحمه الله: فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف ، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن 

هذا قول أكثر الأشعرية ، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول[9].
وقال أيضا: والأنبياء – صلوات الله عليهم وسلامه – كانوا لا يؤخرون التوبة ، بل يسارعون إليها ويسابقون إليها ، لا يؤخرون ولا يُصِرُّون على الذنب ، بل هم معصومون من ذلك ، ومن أخَّر ذلك زمنا قليلا كفَّر الله ذلك بما يبتليه به كما فعل بذي النون ﷺ [10].
الجانب الخامس: عصمته من رذائل الأخلاق
(من المعروف عن سيرته ﷺ قبل البعثة وبعدها أنه متصف بكل خلق فاضل من صدق وأمانة وبر وصلة رحم وإحسان وجود ، إلى غير ذلك من محاسن الأخلاق التي جبله الله عليها منذ نشأته ، ولذا فقد فطره الله على كل خلق فاضل كريم ، وجمع له خصال الخير كلها ، فلم يكن يُدعى إلا بالأمين[11]) ،

ومن أدلة ذلك قول زوجته الأولى خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حينما أتاها النبي ﷺ خائفا بعد أن لقيه جبريل في غار حراء قبل البعثة فقال لها:

لقد خشيت على نفسي ؛ فقالت له: كلاّ أبشر ، فوالله لا يُخزيك الله أبدا ، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدُق الحديث ، وتحمل الكَل [12]، وتَـكسِب المعدوم [13]، وتَقري الضيف [14]، وتُعين على نوائب الحق

[15].


والكلام في باب خلق النبي ﷺ يطول جدا ، ولكن يكفي القول بأنه ليس ثمة صفة حميدة إلا وقد تحلى بها النبي ﷺ ، وما من خلق سيء إلا وقد نُــزِّه منه النبي ﷺ ، ويكفي في هذا الباب

قوله تعالى

﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾

[16.]


وقد أتى التنويه بخلقه الجميل في التـوراة والإنجيل ، فعن عـطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله ﷺ في التوراة.

قال: أجل والله ، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ،

)يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا(

[17]

، وحِرزا[18] للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخَّابٍ [19]في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ، ولكن يعفـو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا لا إلـٰه إلا الله ، ويفتح بها أعينا عميا وآذانا [20]صما وقلوبا غُلفا.
فالحاصل أن الله عصم الله نبيه ﷺ مما ينقصه في دينه أو خلقه أو نسبه ، حتى لا يبقى لمنتقص حجة يتعلق بها لتنفير الناس من رسول الله ﷺ .
تنبيه على إشكال
أما قوله تعالى ﴿ووجدك ضالا فهدى﴾ فلا يشكل على ما تقدم من عصمة النبي ﷺ من الشرك ومن الكبائر ، فإن معنى الضلال هنا هو الغفلة كما في قوله تعالى ﴿لا يضل ربي ولا ينسى﴾ ، أي وجدك غافلا عما يراد بك من أمر النبوة ، قاله الشوكاني والقرطبي في تفسير الآية.
وقيل أن معنى (ضالا) أي لم تكن تدري ما القرآن ولا الشرائع ، فهداك الله إليها ، وهو بمعنى قوله ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾ ، قاله ابن كثير وغيره.
وقد أورد علماء التفسير غير ذلك من المعان في تفسير الآية.
 [21]فصل في بيان مسألة وقوع الخطأ منه ﷺ 
ينبغي لفهم مسألة وقوع الخطأ من النبي ﷺ معرفة عشرة ضوابط:
1. أن الخطأ الذي يجوز في حقه ﷺ ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: خطأ في الجانب الديني أو السلوكي.
ثانيا: خطأ في الجانب الدنيوي البحت.

ثالثا: خطأ في المسائل القضائية التي لا علم له بحقيقة أمر المتخاصمين فيها إلا ما ظهر له منها.
2. أن الأخطاء التي وقعت من النبي ﷺ في الجانب الديني أو السلوكي نادرة جدا ، ولو ذهبنا نستقرىء كتب السيرة والسنة لوجدناها معدودة على الأصابع ، وهذا من حكمة الله تعالى لإثبات
أن النبي ﷺ بشر كغيره ، يخطئ كما يخطئون ، وينسى كما ينسون[22].
وهناك حكمة أخرى ، وهي أن النسيان والسهو في الصلاة لحكمة استنان المسلمين به ، والله أعلم[23]. 
ولهذا كان القـــول الذي عليه أكثر علماء الإسلام والذي دلــت عليه نصــوص الكتــاب والســنة ؛ أن الخطأ يمكن وقوعه من النبي ﷺ ، ولكن في غير شرك ولا كبيرة ولا في مسألة تبليغ الوحي[24]. 
3. أن الله لا يقره على هذا الخطأ ، وإنما يوجهه وربما يعاتبه ، كما سيأتي بيانه.
4. أن التوبة حاصلة من النبي ﷺ من الذنب بخصوصه ، ومن جميع الذنوب والخطايا عموما ، فقد كان النبي ﷺ يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة[25].
5. أن الله وعده بالمغفرة ، كما في قوله ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾[26].

6. أن الخطأ يقع منه ﷺ على سبيل الاجتهاد وليس على سبيل الرغبة في المعصية أو الحط من أقدار الآخرين ، ولو تأملنا في الأخطاء التي وقعت منه ﷺ لرأينا صدق ذلك.
7. أن تلك الأخطاء لا تحط من قدره كــــنبي ، ولا تُنقِص من منزلته وقدره.
8. أن الأخطاء الدنيوية البحتة التي لا تمس الدين والسلوك لا تمس في قدره ولا عصمته كنبي ، فمن ذلك أنه لما قدم المدينة وجدهم يُلقِّحون النخل ، فقال: (لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا) ، فتركوا تلقيح النخل ، فنقص الثمر ، فذكروا ذلك له ، فقال: إنما أنا بشر ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر[27].
9. أما الخطأ في المسائل القضائية لمعرفة الظالم من المظلوم فممكن في حقه ﷺ ، لأن النبي ﷺ بشر ، لا يعلم الغيب ، وإنما يقضي بناء على ما سمعه من حجج المتخاصمين ، وشهادة الشهود ، ويمين الحالف ، وغير ذلك من الأمور القضائية ، وقد بين ذلك النبي ﷺ – أي في إمكانية وقوع الخطأ منه في القضاء - في قوله: إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحنَ[28] بحجته من بعض ، فأقضي على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار[29].
10. أن هذا القول الذي ذكرناه في مسألة الخطأ منه عليه الصلاة والسلام هو قول أهل السنة ، وهو وسط بين قول أهل الإفراط وأهل التفريط ، أهل الإفراط – كالرافضة - الذين يقولون بعصمة النبي ﷺ عصـمة مطلقة ، وهذا فيه نوع غلو به عليه الصلاة والسلام ، وأهل التفريط – كبعض فرق الخوارج - الذين يقولون بجواز إقدامه على الصغائر والكبائر ، عافانا الله من كلا القولين[30].






المراجع

  1. أي الزنا.
  2. بتصرف يسير من «معارج القبول» للحكمي ، باب مولده ﷺ ، ص (1051) ، الناشر: دار ابن القيم – الدمام.
  3. أخرجه أبو نعيم في «دلائل النبوة» ، ص 24 من عدة طرق ، وذكر السيوطي له شواهد عدة في «الخصائص الكبرى» (1/63 ، 66). (نقلا من «حقوق النبي ﷺ » ، ص 138).
  4. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسير الآية ، وكذا البيهقي في «السنن الكبرى» (7/190).
  5. رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» ، كتاب الفضائل (31632) ، والطبراني في الأوسط (4728) ، وقال الألباني في «الإرواء» (6/331): وهذا مرسل صحيح الإسناد.
  6. رواه البخاري (5063).
  7. «أضواء البيان».
  8. «التمهيد» (2/165) ، باب الراء ، في أحاديث ربيعة بن عبد الرحمـٰن ، الناشر: دار الكتب العلمية.وفي لفظ: إنما خرجت من نكاح ، لم أخرج من سفاح من لدُن آدم ، لم يصبني سفاح الجاهلية.
  9. «مجموع الفتاوى» (4/319).
  10. « مجموع الفتاوى» (10/309).
  11. باختصار وتصرف يسير من «حقوق النبي ﷺ » ، ص 147 .
  12. تحمِل الكَــلَّ أي تحمل عن الناس ما يثقلهم من أعباء الدنيا. انظر «النهاية».
  13. تكسب المعدوم أي تعطي المعدوم وهو الذي لا مال عنده. انظر «النهاية».
  14. تَقري الضيف أي تكرمه.
  15. رواه البخاري (4953) ، ومسلم (160).
  16. القلم: 4 .
  17. الأحزاب: 45 .
  18. تقدم بيان معناه.
  19. الـسّخَب هو الصياح ، انظر «النهاية».
  20. تقدم تخريجه.
  21. انظر كتاب «حقوق النبي ﷺ على أمته» ، ص 155 – 160 .
  22. ومن ذلك ما جاء في قصة عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه لما أتى النبي ﷺ ليسأله فألح عليه ، وكان النبي ﷺ يخاطب بعض رؤوس قريش ممن يطمع في إسلامهم ، فعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الآخر ، فأنزل الله عتابه عليه في قوله ﴿عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى * أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى﴾.
    وكذلك لما أذن لطائفة من المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك ، ولم يكن له أن يأذن لهم إلا بوحي من الله ، فعاتبه الله في ذلك بقوله ﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين﴾. «التوبة:43». وكذلك لما أخذ من أسارى بدر الفدية ، وقد كان الأولى ألا يفعل ذلك حتى يؤمر به ، فأنزل الله تعالى ﴿ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم﴾. «الأنفال: 67 – 68»

  23. انظر «منهاج السنة النبوية» (1/472).
  24. وانظر «مجموع الفتاوى» (4/319).
  25. انظر صحيح البخاري (6307).
  26. سورة الفتح: 2 .
  27. خرجه مسلم (2362) والطبراني في «الكبير» (4/280) عن رافع بن خديج ، ولفظ الطبراني: وإذا أمرتكم بشيء من دنياكم ... الحديث.
  28. اللحن هو الميل عن جهة الاستقامة ، والمقصود أن بعض الناس يلحن بكلامه فلا يفطن له القاضي فيقضِي له ، وهو كاذب في نفس الأمر. انظر «النهاية».
  29. خرجه البخاري (7169) ، ومسلم (1713) عن أم سلمة رضي الله عنها.
  30. بتصرف من «حقوق النبي ﷺ على أمته» ، ص 159 – 160 .

.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day