البحث
الحق الثالث عشر: الأدب معه ﷺ حيا وميتا
من الآداب مع النبي ﷺ إذ كان حيا نداءه بلفظ الرسالة أو النبوة ، وضده النداء والإشارة إليه باسمه مجردا ، وقد نهى الله قوماً كانوا ينادونه باسمه: (يا محمد) كما ذكره كثير من المفسرين ، يجئ التوجيه إلى هذا الأدب في
قوله تعالى
﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً﴾
[1]
.
ومن الآداب أيضا تحريم التنازع عنده ، توقيرا له ، فإنه لما اختلف عنده بعض الصحابة وكثر اللغط ؛ قال: قوموا عني ، ولا ينبغي عندي التنازع[2].
ومن الآداب الواردة في حق النبي ﷺ تحريم رفع الصوت فوق صوته ، وقد جاء في القرآن أن ارتكاب ذلك موجب لحبوط العمل ،
كما قال تعالى
[يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون].
قال الشنقيطي رحمه الله في «أضواء البيان» في تفسير سورة الحجرات عند
قوله تعالى
[يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون]
، قال رحمه الله:
ومعلوم أن حرمة النبي ﷺ بعد وفاته كحرمته في أيام حياته ، وبه نعلم أن ما جرت به العادة اليوم من اجتماع الناس قرب قبره ﷺ وهم في صخب ولغط ، وأصواتهم مرتفعة ارتفاعاً مزعجاً ؛ كله لا يجوز ولا يليق ، وإقرارهم عليه من المنكر. انتهى.
قال مقيده عفا الله عنه: والدليل على قبح رفع الصوت عند النبي ﷺ في حياته هو ما رتبه الله تعالى على ذلك في آية الحجرات المتقدمة )أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون(.
وقد بلغ الصحابة الغاية في احترام النبي ﷺ والتأدب معه ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبواب النبي ﷺ كانت تُقرع بالأظافير[3].
وضد الأدب مع النبي ﷺ إيذاءه ، وإيذائه كفر – عياذا بالله - ، ومن أسباب لعنة الله ، وقد قرن الله تعالى إيذاء النبي ﷺ بإيذائه تعالى
، قال تعالى في سورة الأحزاب
﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا﴾
[4].
ومن مظاهر إيذاء النبي ﷺ سبه أو سب صحابته أو زوجاته أو سب دينه أو الاستهزاء بشيء منها أو التقليل من شأنها ، وسيأتي في هذا البحث المبارك – إن شاء الله - ذكرٌ لألوان من مظاهر إيذاء النبي ﷺ عند الكلام عن حقوق صحابة النبي ﷺ وزوجاته.
قال الشــنقيطي رحمه الله في «أضواء البيان»[5]: اعلم أن عدم احترام النبي ﷺ الـمُشعِر بالغض منه أو تنقيصه ﷺ والاستخفاف به أو الاستهزاء به ؛ ردة عن الإسلام وكفر بالله ، وقد قال تعالى في الذين استهزءوا بالنبي ﷺ وسخروا منه في غزوة تبوك لما ضلت راحلته
[ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل إبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم].
انتهى.
المراجع
- النور: 63 .
- رواه البخاري (114).
- رواه البخاري في «الأدب المفرد» (1080) ، والبيهقي في «الشعب» (2/201) ، وهو مخرج في «الصحيحة» (2092).
- الأحزاب: 57 .
- تفسير سورة الحجرات ، الآية 3 .