1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. الدلائل المئة على عظم قدر النبى محمد ﷺ الجزء الثامن

الدلائل المئة على عظم قدر النبى محمد ﷺ الجزء الثامن

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسي
1393 2020/06/16 2020/06/24

79. ومن دلائل عظم قدرهﷺ  تعظيم مدينته ، وهي «المدينة» ، وتسمى «المدينة النبوية» ، والدليل على هذا التعظيم قوله عليه الصلاة والسلام: المدينة حَــرَم من «عَـيـر» إلى «ثَور»[1]. 
«عَـــــيـــــر» و «ثَــــــور» جبلان بالمدينة ، يقعان في شمالها وجنوبها. 
ومعنى كونها حَــرَم أي يَـحرُم فيها أمور ، قطع أشجارها ، وتنفير صيدها كالحمام ونحوه ، وقطع حشيشها ، والتقاط لُقطتِها وهو المال الساقط على الأرض لا يُعرف لِمن هو ، وارتكاب حَـدَثٍ أي جنايةٍ ، بل مجرد حمل السلاح لارتكاب عدوان وجناية يعتبر حراما ، كل ذلك تعظيما للمدينة أن كانت هي بلد النبي ﷺ ، ولحفظ الطمأنينة فيها.
والدليل على تحريم فعل هذه الأمور

حديث أنس رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال :

المدينة حَــرَم من كذا إلى كذا [2]، لا يُقطع شجرها ، ولا يُحدث فيها حدثٌ ، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وفي لفظ لمسلم: لا يُختلى خلاها[4]. أي لا يُقطع حشيشها. وفي لفظ لأحـمد: لا يُختلى خلاها ، ولا يُنفَّرُ صيدها ، ولا تُلتقط لقطتها إلا لِمن أشار بـــها ، ولا تُقطع منها شجرة إلا أن يَعلِف رجل بعيره ، ولا يُحمل فيها السلاح لقتال[5]

[3]

· ويدخل في تعظيم المدينة تعظيم أماكن خاصة فيها ، أولها المسجد النبوي الذي بناه النبي ﷺ ، وقد جاء في فضله أن الصلاة فيه مضاعفة الثواب ،

فعن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ :

صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المســجد الحرام.

[6]


· ويدخل في تعظيم المسجد النبوي تعظيم الروضة الشريفة التي بين بيته ومنبره الذي يخطب منه ،

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:

ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي.

[7]

وقد جاء التغليظ فيمن حلف عند منبره ﷺ كاذبا في قوله عليه الصلاة والسلام:

لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ، ولو على سواك أخضر ، إلا تبوَّأ مقعده من النار ، أو: وجبت له النار.

[8]


وعلة التغليظ هي أن منبر النبي ﷺ هو منبر حقٍّ ، انتشر منه الحق والهدى إلى الأمة كلها ، فإذا استخدمه إنسان في غرض فاسد استحق هذه العقوبة الغليظة.
وهذا التغليظ داخل في التغليظ العام لمن ارتكب حدثا في حرم المدينة والذي ورد في

قوله ﷺ :

المدينة حَــرَم من كذا إلى كذا ، لا يُقطع شجرها ، ولا يُحدَث فيها حدثٌ ، من أحدَث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

[9]


ومنبر النبي ﷺ على تُرعة من تُرع [10]الجنة ،

فعن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله ﷺ يقول:

منبري على تُـرعة من تُـرع الجنة. قلت له: ما الترعة يا أبا العباس؟ قال: الباب

[11].

· ويدخل في تعظيم المدينة تعظيم مسجد قباء ، والدليل على ذلك أن النبي ﷺ كان يأتي مسجد قُباء كل سبت راكبا أو ماشيا ويصلي فيه ركعتين[12]. وعن أُسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: الصلاة في مسجد قباء كعمرة[13]. · وقد اختص الله المدينة النبوية بخصائص كثيرة منها أنه لا يدخلها الدجال في آخر الزمان ، ولا يدخلها الطاعون ، ومنها أنها الإيمان يأرِز إليها – أي يأوي إليها ويرجع - كما تأرِز الحية إلى جحرها ، واستحباب العيش فيها إلى الممات ، وبركة أرزاقها ، وجعْل تمرها شفاء ووقاية من السحر ، ومنع دخول الكفار إليها ، وغير ذلك من الخصائص العظيمة[14].  

80. ومن دلائل عِظمِ قدره ﷺ أن ما بين بيته ومِنبره روضة من رياض الجنة ،

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:

ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي[15].

قال ابن حجر رحمه الله: قَوْله: (رَوْضَة مِنْ رِيَاض الْجَنَّة) أَيْ كَرَوْضَةٍ مِنْ رِيَاض الْجَنَّة فِي نُزُول الرَّحْمَة وَحُصُول السَّعَادَة بِـمَا يَحْصُل مِنْ مُلَازَمَة حِلَق الذِّكْر لَا سِيَّمَا فِي عَهْده ﷺ ، فَيَكُون تَشْبِيهًا بِغَيْرِ أَدَاة ، أَوْ الْمَعْنَى أَنَّ الْعِبَادَة فِيهَا تُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّة فَيَكُون مَجَازًا ، أَوْ هُوَ عَلَى ظَاهِره وَأَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ رَوْضَة حَقِيقَة بِأَنْ يَنْتَقِل ذَلِكَ الْمَوْضِع بِعَيْنِهِ فِي الْآخِرَة إِلَى الْجَنَّة ، هَذَا مُحَصَّل مَا أَوَّله الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْحَدِيث ، وَهِيَ عَلَى تَرْتِيبهَا هَذَا فِي الْقُوَّة.

وَأَمَّا قَوْله (وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي) أَيْ يُنْقَل يَوْم الْقِيَامَة فَيُنْصَب عَلَى الْحَوْض ، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث أَبِي سَعِيد ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْكَبِير» مِنْ حَدِيث أَبِي وَاقِد اللَّيْثِيّ رَفَعَهُ: (إِنَّ قَوَائِم مِنْبَرِي رَوَاتِـــب[16] فِي الْجَنَّة)[17]. 

وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ قَصْد مِنْبَره وَالْحُضُور عِنْده لِمُلَازَمَةِ الْأَعْمَال الصَّالِحَة يُورِد صَاحِبه إِلَى الْحَوْض وَيَقْتَضِي شُرْبه مِنْهُ ، وَاللَّه أَعْلَم. انتهى باختصار.   

81. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الشيطان لا يتمثل به في المنام ، فمن رأى النبي ﷺ في المنام وكان الذي رآه كما جاء في صفته المذكورة في السنة ؛ فقد رأى شخصه ، فليس بأضغاث أحلام ، ولا تشبيهات الشيطان ،

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:

من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي.

[18]

قال القَاضِي عياض[19] رحمه الله في شرح الحديث: قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: خَصَّ اللَّه تَعَالَى النَّبِيّ ﷺ بِأَنَّ رُؤْيَة النَّاس إِيَّاهُ صَحِيحَة ، وَكُلّهَا صِدْق ، وَمَنَعَ الشَّيْطَان أَنْ يَتَصَوَّرَ

فِي خِلْقَته لِئَلَّا يَكْذِبَ عَلَى لِسَانه فِي النَّوْم ، وَلَوْ وَقَعَ لَاشْتَبَهَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ ، وَلَمْ يُوثَقْ بِمَا جَاءَ

بِهِ مَخَافَةً من هذا التصور ، فَحَمَاها[20] اللَّه تَعَالَى مِنْ الشَّيْطَان وَنَزْغِه وَوَسْوَسَته وَإِلْقَائِهِ وَكَيْده. انتهى باختصار[21].
82. ومن دلائل عِظم قدره ﷺ ؛ عصمته من الوقوع في الشرك ، وعصمته من الخطأ في مجال التبليغ ، وعصمة نسبه من السفاح ، وعصمته من الوقوع في كبائر الذنوب ، وعصمته من رذائل الأخلاق.
83. ومن دلائل عِـظم قدره ﷺ أن من سبه فإنه يكفر وعقوبته القتل ، بخلاف من دونهم من الناس ،

وقد ورد في ذلك عدة أدلة منها قصة الأعمى الذي كانت له أمُّ ولدٍ[22]،

وكانت تشتــــــم النبي ﷺ ، فلما كان ذات ليلة جعلت تشتم النبي ﷺ وتقع فيه ، فأخذ مِغولا [23]فوضعه في بطنها فاتكأ عليه حتى ماتت ، فلما ذكر ذلك لرسول الله ﷺ دعا الأعمى فأخبره بأمرها ، فقال النبي ﷺ : ألا اشهدوا أن دمها هدر.

[24]

وعن علي أن يهودية كانت تشتمُ النبيَّﷺ

  وتقع فيه ، فخنقها رجل حتى ماتت ، فأبطل رسول اللهﷺ  دمها

[25].


وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق ، فقلت: أقتله؟
فانتهرني وقال: ليس هذا لأحد بعد رسول الله ﷺ [26].
وقد نقل ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم «الصارم المسلول على شاتم الرسول» إجماع أهل العلم على قتل من وقع في سب النبي ﷺ ، سواء كان مسلما أو كافرا.

1. ومن دلائل عِـظم قدر نبينا ﷺ ، وهو في هذا مشترك مع إخوانه الأنبياء ؛ أن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبي ،

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:

أشد الناس عذابا يوم القيامة رجــــــــل قتله نبي أو قتل نبيا ، وإمام ضلالة ، وممثل من الممثلين

[27].[28]


2. ومن دلائل عِظم قدره ﷺ أن الكذب عليه موجب للدخول في النار ،

كما جاء ذلك في الحديث المتواتر الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:

من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار

[29].


3. ومن دلائل عظم قدره ﷺ

أن الميت يُسأل عنه في قبره ، فإن الميت المؤمن إذا دُفِن في قبره وتولى عنه أصحابه جاءه ملكان فيسألانه:

من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله ﷺ . فيقولان له: وما عِلمُك؟ فيقول: قرأت كتاب الله ، فآمنت به وصدّقت. فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي ، فأفرِشوه من الجنة ، وألبِسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة[30]. قال: فيأتيه من رَوْحِها[31] وطيبها ، ويُفسح له في قبره مدَّ بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول: أبشر بالذي يسُرُّك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير. فيقول: أنا عملك الصالح. فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجِع إلى أهلي ومالي. ثم قال في الكافر: ويأتيه ملكان فيُجلِسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه ، هاه ، لا أدري. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه ، هاه ، لا أدري. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هاه ، هاه ، لا أدري. فينادي منادٍ من السماء أن كذَبَ ، فأفرشوا له من النار ، وافتحوا له باب إلى النار ، فيأتيه من حرِّها وسَـمومها ، ويُضيَّق عليه قبرُه حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، مُــنتِــنُ الريح ، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: من أنت ، فوجهُك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: ربِّ لا تُــــقِم الساعة

[32].


87. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله عصمه من أذى الناس ، فلم يستطيعوا أن يحولوا بينه وبين تبليغ رسالة ربه بالرغم من كثرة ما أصابه من أنواع البلاء منهم ، وبالرغم من المحاولات المتكررة لقتله أو إتلافه في الحروب وغيرها ، فقد عصمه الله منهم فلم يستطيعوا قتله ولا منعه من تبليغ الرسالة ، فأدى 

 الرسالة وأدى الأمانة كما أراد الله وقدَّره له ،

وصدق الله

)يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس(

[33]

.[34]
نذكر هنا على سبيل المثال

ما رواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

لما نزلت )تبت يدا أبي لهب( جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله ﷺ جالس ومعه أبو بكر ، فقال له أبو بكر: لو تنحَّيت لا تؤذيك يا رسول الله ، فقال رسول الله ﷺ : إنه سيُحال بيني وبينها ، فأقبلَت حتى وقفَت على أبي بكر فقالت : يا أبا بكر ، هجانا صاحبك.  فقال أبو بكر: لا ورب هذه الــــبِنية[35] ، ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به.  فقالت[36]: إنك لَـمُصدَّق ، فلما ولَّت قال أبو بكر رحمة الله عليه: ما رأتك؟  قال: لا ، ما زال مَلَكٌ يسترني حتى ولَّت[37].


ولما خرج رسول الله ﷺ ليلة الهجرة أرسل المشركون رجالا يراقبون بيته حتى إذا خرج قتلوه ، فأمر عليا فنام على فراشه ، ثم خرج ولم يروه وسلك طريقه المؤدي إلى المدينة حتى وصل إليها سالما[38].

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن يهودية من أهل خيبر سمَّـت شاة مصلِـــيَّـــــةً [39]ثم أهدتها لرسول الله ﷺ ،

فأخذ رسول الله ﷺ الذراع فأكل منها ، وأكل رهطٌ من أصحابه معه ، ثم قال لهم رسول الله ﷺ : (ارفعوا أيديكم) ، وأرسل رسول الله ﷺ إلى اليهودية فدعاها فقال لها: أسَـمَمْتِ هذه الشاة؟ قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: أخبرتني هذه في يدي - للذراع. قالت: نعم. قال: فما أردتِ إلى ذلك؟ قالت: قلت إن كان نبيا فلن يضره ، وإن لم يكن استرحنا منه. فعفا عنها رسول الله ﷺ ولم يعاقبها ، وتُوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة

[40].


والشاهد أن النبي ﷺ لم يمُت مباشرة من السُّم الذي حشته اليهودية في ذلك الذراع كما حصل لبعض أصحابه الذين أكلوا معه ، بل مدَّ الله في عمُره حتى بلَّغ رسالة ربه ، مع أن اليهودية أودعت في ذراع الشاة سُـمًّا كثيرا ، لأنهم كانوا يعلمون أنه يحب الذراع ، فاحتجم على كاهِله [41]من أجل السم الذي أكله ولم يضرَّه كما أضر غيره من الصحابة ممن أكل معه ، وكان يجد ألم السم في ظهره في عرق الأَبهر ، فكان كلما وجد ألما احتجم[42] ، فلما مرت ثلاث سنوات وتم للنبي ﷺ تبليغ رسالة ربه وأنزل الله عليه في حجته في يوم عرفة )اليوم أكملت لكم دينكم( ، ثم أنزل الله عليه في أيام التشريق

قوله تبارك وتعالى

)إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا(

؛ فعند ذلك علِم النبي ﷺ بدنو أجله ، فلما كان وجعه الذي توفي منه قال لعائشة رضي الله عنها: يا عائشة ، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجَدْتُ انقطاع أَبهري من ذلك السم[43].
والأبهر: عرق مستبطن في الصُّلب ، والقلب متصل به ، فإذا انقطع لم تكن معه حياة. قاله ابن منظور في «لسان العرب».

قال ابن القيم رحمه الله:
ولما احتجم النبي ﷺ في الكاهل ، وهو أقربُ المواضع التي يمكن فيها الحجامة إلى القلب ، فخرجت المادةُ السُّمِيَّة مع الدم لا خُروجا كُليّا ، بل بَقِىَ أثرُها مع ضعفه ، لِما يُريد الله سبحانه من تكميلِ مراتبِ الفضل كُلِّها له ، فلما أراد الله إكرامَه بالشهادة ، ظهر تأثيرُ ذلك الأثر الكامِن من السُّم ليَقضىَ اللهُ أمرا كان مفعولا ،

وظهر سِرُّ قوله تعالى لأعدائه من اليهود

)أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقا تَقْتُلُون(

، فجاء بلفظ «كَذَّبتم» بالماضي الذي قد وقع منه وتحقق ، وجاء بلفظ: )تَقتلُون( بالمستقبل الذي يتوقَّعونه ويَنتظرونه. والله أعلم[44].
قلت: ومحاولات قتل النبي ﷺ كثيرة في الحروب وغيرها ، وكلها بائت بالفشل بحمد الله ، لأن الله تكفل بحفظ دينه وإتمامه ، فلم يمت رسول الله ﷺ حتى بلَّغ رسالة ربه ، فلما بلغها اختاره الله لجواره ، وقد ألف الباحث عبد المنعم الهاشمي كتابا كاملا جمع فيه محاولات اغتيال النبي ﷺ ، فليرجع إليه من أراد الاستزادة[45].
ومن اللطيف ذكره أن إخبار الله نبيه بعصمته له في الآية المذكورة آنفا جاءت مقرونة بالأمر بتبليغ الرسالة ، فدل على أن العصمة مرتبطة بالتبليغ ، فإذا تم التبليغ ارتفعت العصمة ، وهذا هو الواقع ، والله له العزة والغلبة ،

قال الله تعالى

)يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس(.



المراجع

  1. رواه البخاري (6705) ومسلم (1370) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
  2. أي من جبل عِـير إلى جبل ثور.
  3. رواه البخاري (1867) ومسلم (1366) ، واللفظ للبخاري.
  4. رقم (1367).
  5. (1/119) ، وقال محققو «المسند»: صحيح لغيره.
  6. رواه ابن ماجه (1406) واللفظ له ، وأحمد (3/343) وصححه الألباني ومحققو «المسند».
  7. رواه البخاري (1888) ومسلم (1391).
  8. رواه أبو داود (3246) عن جابر رضي الله عنه ، ورواه ابن ماجه (2326) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وصححه الألباني رحمه الله.
  9. استفدت هذه الفائدة في علة التغليظ فيمن حلف عند المنبر النبوي كاذبا من الشيخ محمد علي آدم الأثيوبي حفظه الله ونفع بعلومه.
  10. الترعة هي الروضة على المكان المرتفع. انظر «النهاية».
  11. رواه أحمد (5/335) ، والطبراني في «الكبير» (6/142) ، والبيهقي (5/247) ، وقال محققو «المسند»: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  12. رواه البخاري (1193) ومسلم (1399) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
  13. رواه الترمذي (324) وابن ماجه (1411) وصححه الألباني.
  14. انظر للتوسع كتاب: فضل المدينة وآداب سكناها وزيارتها ، للشيخ عبد المحسن العباد ، الناشر: دار التوحيد – الرياض.
    وكتاب: الأحاديث الواردة في فضائل المدينة ، جمعاً ودراسة ، تأليف: صالح بن حامد الرفاعي ، الناشر: دار الخضيري – المدينة.

  15. تقدم تخريجه قريبا.
  16. قال السندي في «شرح سنن النسائي» (2/36): الرواتب جمع راتبة مِن «رَتب» إذا انتصب قائما ، أي أن الأرض التي هو فيها من الجنة ، فصارت القوائم مقرها الجنة ، أو أنه (يعني المنبر) سينقل إلى الجنة. والله تعالى أعلم.
    ورواه أحمد عن أم سلمة (6/289) ، والطبراني في الكبير (23/254) ، وقال محققو المسند: إسناده صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين ، غير عمار الدهني فمن رجال مسلم.
  17. رواه الحاكم في «المستدرك» (3/532) ، والنسائي (695) ، والطبراني (3/245) ، وصححه الألباني.
    ورواه أحمد عن أم سلمة (6/289) ، والطبراني في الكبير (23/254) ، وقال محققو المسند: إسناده صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين ، غير عمار الدهني فمن رجال مسلم.

  18. رواه البخاري (110) ومسلم (2266).
  19. هو الإمام العلامة الحافظ الأوحد ، شيخ الإسلام ، القاضي عياض بن موسى اليحصبي الأندلسي المالكي ، ولد سنة 476 ، درس على ما يقارب من مائة شيخ ، واستبحر من العلوم ، وولي القضاء ، كان إماما في الحديث ، له كتاب «الإكمال في شرح صحيح مسلم» ، كمل به كتاب «الـمُـعـلَم» للمازَري ، وله كتاب «الإلماع في أصول الرواية والسماع» ، وله كتاب «جامع التاريخ» فيه أخبار ملوك الأندلس والمغرب ، وله كتاب «الشفا في شرف المصطفى» ، وله غيرها. توفي رحمه الله عام 544 . انظر ترجمته في «السير» (20/212).
  20. أي رؤية النبي ﷺفي المنام.
  21. نقله النووي عنه في شرحه للحديث المتقدم.
  22. أمُّ ولدٍ أي أمة ، وطأها سيدها فولدت له ولدا.
  23. المِـغول ، قال في «عون المعبود»: مِثْل سَيْف قَصِير يَشْتَمِل به الرَّجُل تَحْت ثِيَابه فَيُغَطِّيه ، وَقِيلَ حَدِيدَة دَقِيقَة لَهَا حَدّ مَاضٍ ، وَقِيلَ هُوَ سَوْط فِي جَوْفه سَيْف دَقِيق يَشُدّهُ الْفَاتِك عَلَى وَسَطه لِيَغْتَالَ به النَّاس.
  24. رواه أبو داود (4361) والنسائي (4081) عن ابن عباس رضي الله عنه ، وصححه الألباني رحمه الله.
  25. رواه أبو داود (4362) ، وقال في «الإرواء» (5/91): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  26. رواه النسائي (4082) ، وصححه الألباني رحمه الله.
  27. أي الذي يصنع التماثيل ، والعلة معروفة ، وهي أن صنع التماثيل يؤدي إلى عبادتها ، ولهذا تجد الذين يعبدون غير الله من النصارى والبوذيين والهنادكة ونحوهم ينصبون تماثيل أمامهم ويتقربون لها بأنواع العبادات من سجود ودعاء ونحو ذلك ، عياذا بالله.
  28. رواه أحمد (1/407) ، وقال محققو «المسند»: إسناده حسن.
  29. رواه البخاري (110) ومسلم (3).
  30. ‏أي اجعلوا له فراشا من الجنة.
  31. قال الملا علي القاري في «مرقاة المفاتيح»: (مِن رَوحها) ؛ أي بعض رَوحها ، والروح بفتح الراء ؛ الراحة ونسيم الريح.
  32. ‏أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (4/287) في حديث طويل‏ ، وأبو داود (4753) ، وصحح إسناده محققو «المسند» وقالوا: رجاله رجال الصحيح ، وكذا صححه الألباني كما في «صحيح الجامع» (1676) و «مشكاة المصابيح» (1630).
  33. سورة المائدة ، الآية 67 .
  34. يراجع للفائدة ما قاله ابن كثير في تفسير هذه الآية ، وكذلك ما ذكره ابن الجوزي في تفسيره الموسوم «زاد المسير في التفسير» ، وكذلك ما قاله الشيخ ابن باز رحمه الله فيها في «مجموع فتاواه» (8/150).
  35. لعله يقصد بالبنية بناء الكعبة.
  36. في المطبوع (قال) ، وأظنه تصحيف ، لأن القائل امرأة.
  37. رواه أبو بكر البزار في مسنده (15) ، وغيره ، وفي سنده عطاء بن السائب ، وهو ثقة اختلط.
  38. انظر قصة الهجرة في كتب السيرة.
  39. مصلية أي مشوية.
  40. رواه أبو داود (4509) ، وصححه الألباني ، ورواه أحمد (1/305) عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وصححه محققو «المسند» ، وأصل القصة في البخاري (5777) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفي هذا الحديث دليل على أن النبي ﷺ لا يعلم الغيب ، إذ لو كان يعلم الغيب لما أكل من الشاة وفيها سم ، فليت غلاة الصوفية يعقلون!
  41. الكاهل هو مقدم أعلى الظهر ، قاله ابن الأثير في «النهاية» ، وسيأتي في كلام ابن القيم أنه أقربُ المواضع التي يمكن فيها الحجامة إلى القلب.
  42. انظر «المسند» حديث رقم (2784).
  43. رواه البخاري (4428) عن عائشة رضي الله عنها ، وأبو داود (4512) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر للفائدة كلام ابن القيم في «زاد المعاد» ، فصل في هديه ﷺفي علاج السم الذي أصابه بخيبر من اليهود ، (4(121).
  44. «زاد المعاد» (4/123).
  45. الناشر: شركة مكتبة البخاري – الكويت.

.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day