البحث
الفصل الخامس : نواقض الإيمان بالنبي ﷺ الجزء الأول
شهادة أن محمدا رسول الله تنتقض بالوقوع في أحد خمسة أمور ، نذكرها إجمالا ثم نفصل الكلام فيها بما يسر الله:
الناقض الأول: مناقضة شرط من شروط تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله.
الناقض الثاني: إنكارُ أمر معلوم من الدين بالضرورة.
الناقض الثالث: إيذائه ﷺ ، سواء في حياته أو بعد مماته
الناقض الرابع: الوقوع في شيء من نواقض الإسلام
الناقض الخامس: الغلو فيه ﷺ
تفصيل
الناقض الأول: مناقضة شرط من شروط تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله الثمانية ، وقد تقدم ذكرها في جزء «شروط شهادة أن محمدا رسول الله» فلا داعي لإعادتها هنا.
الناقض الثاني: إنكارُ أمر معلوم من الدين بالضرورة ، كإنكار نبوته ، أو بشريته ، أو إنكار أن له حقوقا على أمته ، أو أنه خاتم النبيين ، أو أن رسالته ناسخة لـما قبلها من الشرائع ، أو إنكار أنه بعد بعثة النبي ﷺ لا دين مقبــول عند الله إلا دين الإسلام ، أو إنكار أن النبي ﷺ قد بلَّغ الدين كله ، أو إنكار عموم رسالته للإنس والجن.
الناقض الثالث: إيذائه ﷺ ، سواء في حــياته أو بعد مـماته ، كالاســـتهزاء به ، أو الطعن في شخصه ، كالطعن في صدقه ، أو عقله ، أو عفته ، فهذا كله كفر لأنه يتنافى مع الايمان بما تقرر في القرآن العزيز من اصطفاء الله تعالى له ، والدليل على كفر المستهزئ بالنبي ﷺ
قوله تعالى
﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا﴾
، واللعن هو الإبعاد عن الرحمة ، ومن طرده الله عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافرا.
وفي هذه الآية نرى أن الله تعالى قرن بين أذى النبي ﷺ وأذاه ، كما قرن في آيات أخر بين طاعته وطاعة نبيه ، وهذا وغيره بيان لتلازم الحقين ، وأن جهة حرمة الله تعالى ورسوله جهة واحدة ، فمن آذى الرسول فقد أذى الله ، ومن أطاعه فقد أطاع الله ، لأن الأمة لا تصل ما بينها وبين ربها إلا بواسطة النبي ﷺ ، وليس لأحد منها طريق غيره ولا سبب سواه[1].
قال القاضي عياض رحمه الله في «الشفا»: اعلم - وفقنا الله وإياك - أن جميع من سب النبي ﷺ أو عابه ، أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله ، أو عرَّض به ، أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغضُّ منه والعيب له ؛ فهو سابٌّ له ، والحكم فيه حكم الساب ، يُقتل كما نبينه.
ثم قال: وكذلك من لعنه ، أو دعا عليه ، أو تمنى مضرة له ، أو نسب إليه مالا يليق بمنصِبه على طريق الذم ، أو عيّـره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه ، أو غَمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه.
وهكذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جَـرَّا[2].
والاستهزاء بالنبي ﷺ كفر ، والدليل على ذلك قصة النفر الذين خرجوا معه ﷺ في غزوة ، فلما كانوا ببعض الطريق قال أحدهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ؛ أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء.
فبلغ ذلك رسول الله ﷺ ، فنزل القرآن بتكفيره في
قوله تعالى
﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم﴾.
في سورة التوبة
قال عبد الله بن عمرو:
أنا رأيته متعلقا بحقِبِ [3] ناقة رسول الله ﷺ تنكِــبُهُ[4] الحجارة وهو يقول يا رسول الله: إنما كنا نخوض ونلعب ، ورسول الله ﷺ يقول )أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون( الآية.
وفي هذه الآية أعظم تنبيه على أهمية حق التوقير والتعظيم والإجلال للنبي ﷺ ، قال ابن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: فإن الاستهزاء بالله ورسوله كفر مخرج عن الدين ، لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة. انتهى.
وفي الآية أيضا تنبيه على الحكم بكفر المستهزئ يستوي فيه الجاد والهازل ، لأن الرجل جاء معتذرا بأنه إنما كان يخوض ويلعب ، ولم يكن جادا في استهزائه ، فجاء الحكم العام بكفره ، ليبين دخوله الجاد والهازل في الحكم سواء[5].
فصل
وموضوع الاستهزاء بالنبي ﷺ فيه عشرة مسائل:
المسألة الأولى: أن الاستهزاء بالنبي ﷺ لون من ألوان إيذائه ، وقد تقدم بيان ذلك.
المسألة الثانية: حكم الاستهزاء بالنبي ﷺ ، وقد تقدم الكلام في ذلك ، وبيان أنه كفر.
المسألة الثالثة: عقوبة المستهزئ بالنبي ﷺ .
أجمع المسـلمون على وجوب قتل من سب النبي ﷺ [6]، حكى ذلك القاضي عياض في كتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى ﷺ » [7]، وكذا إسحاق بن راهويه ومحمد بن سحنون ، كما حكى ذلك عنهما ونقل كلامهما ابن تيمية في كتابه «الصارم المسلول على شاتم الرسول ﷺ » ، ومما قاله رحمه الله في هذا الباب: وتحرير القول فيها[8] أن الساب إن كان مسلما فإنه يكفر ويُقتل بغير خلاف ، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم[9].
كما أجمع المسلمون على قتل من سب رسول الله ﷺ ، وقد حكى الإجماع على ذلك جمع من العلماء ، منهم القاضي عياض في كتاب «الشفا» [10]، وأبو بكر بن المنذر ، حيث قال: أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي ﷺ القتل ، وممن قال ذلك: مالك والليث بن سعد وأحمد وإسحاق ، وهو مذهب الشافعي.
ومما يُـحتج به في هذا الباب قصة كعب بن الأشرف ،
وأن النبي ﷺ قال:
من لكعب بن الأشرف ، فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فانتدب له جماعة بإذن النبي ﷺ فقتلوه[11]. وتغيظ أبو بكر الصديق رضي الله عنه على رجل ، فقال من أصحابه أبو برزة: أضرب عنقه؟ فقال: ما كانت لأحد بعد رسول الله ﷺ [12]. قال أبو بكر: فأما من بعدَ رسول الله ﷺ فلا أعلم أحدا يوجـــــــــــــــب قتل من سُـبَّ بعد رسول الله ﷺ [13].
وكذا قال الخطابي ومحمد بن سحنون وأبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعي ، حكى ذلك عنهم ابن تيمية رحمه الله في كتابه «الصارم المسلول» ، ص 14-15.
المسألة الرابعة: أن الاستهزاء بالنبي ﷺ معاداة له ، ومن المعلوم أن من عادا رسول الله ﷺ فقد عادا الله في الحقيقة ، لأن النبي ﷺ من أولياء الله ، ومن عادا وليا من أولياء الله فإنه معادٍ لله في الحقيقة ، فكيف بمن عادى خير أولياء الله تعالى وهو محمد ﷺ ؟!
قال النبي ﷺ :
إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب
[14].
المسألة الخامسة: أن المستهزئ بالنبي ﷺ حقيقٌ بعقوبة الله له في الدنيا قبل الآخرة ، وفي التاريخ شواهد على ذلك ،
فقد روى الطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما
في قوله تعالى )إنا كفيناك المستهزئين( ، قال: المستهزئين: الوليد بن المغيرة ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، وأبو زمعة من بني أسد بن عبد العزى ، والحارث بن غيطل السهمي ، والعاص بن وائل السهمي ، فأتاه جبريل عليه السلام ، فشكاهم إليه رسول الله ﷺ ، فأراه أبا عمرو الوليد بن المغيرة ، فأومأ جبريل إلى أبجله[15] فقال: [16]ما صنعت شيئا[17]. قال: كفيتُكَه. ثم أراه الحارث بن غيطل السهمي فأومأ إلى بطنه ، فقال: ما صنعت شيئا. فقال: كفيتُكَه. ثم أراه العاص بن وائل السهمي ، فأومأ إلى أخْـمُصِهِ[18] ، فقال: ما صنعت شيئا. فقال: كفيتُكَه. فأما الوليد بن المغيرة فمر برجل من خزاعة وهو يَرِيشُ [19]نبلاً له ، فأصاب أبجله [20]فقطعها. وأما الأسود بن عبد المطلب فعَمِي ، فمنهم من يقول عمي هكذا ، ومنهم من يقول: نزل تحت شجرة فجعل يقول: يا بني ، ألا تدفعون عني ، قد هلكت ، أُطعن بشوكٍ في عيني ، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئا ، فلم يزل كذلك حتى عَمِيت عيناه. وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها. وأما الحـارث بن غيطل فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فِــــيهِ ، فمات منها. وأما العاص بن وائل فبينما هو كذلك يوما حتى دخل في رجله شِبرِقة [21]حتى امتلأت منها فمات وفي رواية للبيهقي: فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شبرقة ، فدخلت في أخمص قدمه شوكة ، فقتلته[22].
وعن أنس رض الله عنه قال:
كان رجلا نصرانيا ، فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران ، فكان يكتب للنبي ﷺ ، فعاد نصرانيا ، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له ، فأماته الله ، فدفنوه ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، فقالوا: هذا فِعلُ محمد وأصحابه ، نبشوا عن صاحبنا فألقَوه. فحفروا له فأعمقوا ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه ، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم ، فألقوه خارج القبر ، فحفروا له ، فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، فعلموا أنه ليس من الناس ، فألقَوه[23].
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في «الصارمِ المسلولِ» معلقاً على القصة:
فهذا الملعونُ الذي افترى على النبي ﷺ أنه ما كان يدري إلا ما كَـتب له ؛ قصمهُ اللهُ وفضحهُ بأن أخرجهُ من القبرِ بعد أن دُفن مراراً ، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادةِ ، يدلُ كلّ أحدٍ على أن هذا عقوبة لما قالهُ ، وأنه كان كاذباً ، إذ كان عامةُ الموتى لا يصيبهم مثل هذا ، وأن هذا الجُرمَ أعظمُ من مجرد الارتداد ، إذ كان عامةُ المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا ، وأن اللهَ منتقمٌ لرسولهِ ﷺ ممن طعن عليه وسبهُ ، ومُظهرٌ لدينه ، ولكذبِ الكاذبِ إذا لم يُمكن للناسِ أن يقيموا عليه الحد[24].
وذكر القاضي عياض في «الشفا» أن فقهاء القيروان وأصحاب سحنون أفتوا بقتل إبراهيم الفزاري ، وكان شاعرا متفننا في كثير من العلوم ، وكان يستهزئ بالله تعالى وأنبيائه ونبينا محمد ﷺ ، فأمر القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء بقتله وصلبه ، فطعن بالسكين وصلب منكسا ، ثم أنزل وأحرق بالنار.
وحكى بعض المؤرخـيـن أنه لما رُفِعت خشّـبته وزالت عنها الأيــدي استــدارت وحــوّلته عن القبلة ، فكان آية للجميع وكبر الناس ، وجاء كلب فولغ في دمه[25].
وحكى الشيخ العلامة أحمد شاكر أن خطيبا فصيحا مفوها أراد أن يثني على أحد كبار المسئولين لأنه احتفى بطه حسين ، فلم يجد إلا التعريض بالنبي ﷺ ، فقال في خطبته: جاءه الأعمى (أي طه حسين) ، فما عبس وما تولى.
قال الشيخ أحمد: ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجازيه جزاءه في الأخرى ، فأُقسم بالله لقد رأيته بعيني رأسي بعد بضع سنين ، وبعد أن كان عاليا منتفخا مستعزا بمن لاذ بهم من العظماء والكبراء ؛ رأيته مهينا ذليلا خادما على باب مسجد من مساجد القاهرة ، يتلقى نعال المصلين ، يحفظها في ذلة وصغار.
وذكروا أن رجلا ذهب لنيل الشهادة العليا من جامعة غربية ، وكانت رسالته متعلقة بالنبي ﷺ ، وكان مُشرفــه شانئا حانقا ، فأبى أن يمنحه الدرجـــة حتى يُضَمِّن رسالته انتقاصا للنبي ﷺ ، فضعفت نفسه وآثر الأولى على الآخرة ، فلما حاز شهادته ورجع إلى دياره فوجئ بهلاك جميع أولاده وأهله في حادث مفاجئ.
وصدق الله
[إن شانئك هو الأبتر]
، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذِكْره.
المسـألة السادسة: أن النبي ﷺ لم يسلم من السخرية والأذى والاعتداء منذ بعث إلى يومنا هذا ، شأنه شأن إخوانه من الأنبياء والمرسلين ، ومن تبعهم على الحق ،
وصدق الله
[يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون]
، فوصفوه بالجنون والكذب والسحر والشعر ، وغمزوه في عرضه الشريف ، ولكن الله عصمه من أذاهم ،
قال تعالى
[والله يعصمك من الناس]
، وقال
[إنا كفيناك المستهزئين]
، وقال
[إن شانئك هو الأبتر]
.
ومن استهزائهم بالنبي ﷺ أنهم كانوا يسمـونه مُذمّم بعد أن كانوا يسمونه بالأمين وبمحمد ،
وفي هذا قال النبي ﷺ :
ألم تروا كيف يصرف الله عني لعن قريش وشَتمهم؟ يشتمون مذمما ، وأنا محمد
[26].
وإيذاء النبي ﷺ والاستهزاء به ليس أمرا حديثا ، فقد استهزىء بالأنبياء قبله وأوذوا ،
قال تعالى
[ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون]
[27].
وقال تعالى لنبيه
[يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً]
[28].
ولهذا سلى الله نبيه
فقال
[ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً]
[29].
المسـألة السابعة: أن الاستهزاء لا يضر الدين شيئا ، فدين الله سيبلغ ما بلغ الليل والنهار لا محالة ،
كما روى الإمام أحمد عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر[30] ولا وبَـرَ[31] إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر
[32].
المسألة الثامنة: أن من سب الرسول ﷺ مكرها فإنه لا يؤاخذ ، والدليل على ذلك أن عمار بن ياسر رضي الله عنه عذبه المشركون بمكة ليكفر بمحمد ﷺ ، فوافقهم في ظاهر القول مكرها ، ثم جاء معتذرا إلى رسول الله ﷺ ،
فأنزل الله هذه الآية
﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم﴾
[33].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته ، ويجوز له أن يأبى ، كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك ، وهم يفعلون به الأفاعيل. انتهى.
يفعلون به الأفاعيل. انتهى.
المسألة التاسعة: ما ذكره ابن تيمية عن بعض أهل التجارب ؛ أن الكفار المحاربين إذا وقعوا في عرض النبي ﷺ جاء النصر ، قال رحمه الله في «الصارمِ المسلول»:
ونظيرُ هذا ما حدثناه أعدادٌ من المسلمين العُدول ، أهل الفقه والخبرة ، عما جربوهُ مراتٍ متعددةٍ في حصر الحصونِ والمدائنِ التي بالسواحلِ الشاميةِ ، لما حُصر فيها بني الأصفر في زماننا قالوا: كنا نحن نحصرُ الحصن أو المدينةَ الشهر أو أكثر من الشهرِ ، وهو ممتنعٌ علينا حتى نكادُ نيأسُ منه ، حتى إذا تعرَّض أهلهُ لسبِّ رسولِ اللهِ ﷺ والوقيعة في عرضه تعجّلنا فتحه وتيسّر ، ولم يكد يتأخرُ إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك ثم يُفتحُ المكانُ عَنْوةً ، ويكونُ فيهم مَلحمةٌ عظيمةٌ ، قالوا: حتى إنا كنا لَنتباشر بتعجيلِ الفتحِ إذا سمعناهم يقعون فيه ، مع امتلاءِ القلوب غيظاً بما قالوه فيه.
وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع أهل المغرب كذلك ، ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده ، وتارة بأيدي عباده المؤمنين[34].
المسـألة العاشرة: أن الاستهزاء بالنبي ﷺ مستلزم للاستهزاء بدين الإسلام الذي جاء به ، لأنه لولاه لما استُهزىء به ، ولأن النبي ﷺ علمٌ عليها ، ولأن الاستهزاء به ﷺ لم يَحدُث إلا بعد بعثته ، عافانا الله من ذلك.
المراجع
- انظر «الصارم المسلول» ، ص 86 .
- باختصار يسير من «الشفا» للقاضي عياض رحمه الله ، القسم الرابع ، الباب الأول.
- الحقب هو الحبل الذي يشد على حقو البعير. انظر «النهاية».
- تنكِبُهُ تناله وتصيبه أثناء مشيه عليها. انظر «النهاية».
- انظر القصة مسندة في تفسير الطبري وتفسير ابن أبي حاتم.
- انظر القسم الرابع ، الباب الأول.
- ص 15 .
- أي في مسألة سب النبي ﷺ .
- «الصارم المسلول» ، ص 16 .
- انظر كتاب «الشفا» للقاضي عياض ، القسم الرابع ، فصل في الحجة في إيجاب قتل من سبه أو عابه ﷺ .
- رواه البخاري (4037) ومسلم (1801) من حديث جابر رضي الله عنه.
- رواه أبو داود (4363) ، والنسائي (4083) ، وصححه الألباني رحمه الله.
- «الإشراف» لابن المنذر ، كتاب المرتد ، باب ما يجب على من سب نبي الله ﷺ (8/60) ، باختصار يسير ، وانظر «الإجماع» ، كتاب المرتد.
- رواه البخاري (6502) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- قال ابن الأثير: الأبجل ؛ عرق في باطن الذراع ، وقيل: عرق غليظ في الرجل فيما بين العصب والعظم. انتهى مختصرا من «النهاية».
- أي النبي ﷺ .
- قول النبي ﷺ لجبريل (ما صنعت شيئا) ؛ أي بحسب علم النبي ﷺ ، وإلا فإنه صنع فيه وصنع ، كما سيتضح بعد أسطر.
- الأخـمُص هو الموضع من القدم الذي لا يلصق بالأرض إذا وطأها. انظر «النهاية».
- أي ينحِتها لتستقيم. انظر «النهاية».
- الأبجل عرق في باطن الذراع بين العصب والعظم. انظر «النهاية».
- قال ابن الأثير في معناها: نبت حجازي يؤكل وله شوك. انظر «النهاية».
- رواه البيهقي في «الكبرى» (9/8) ، والطبراني في «الأوسط» ، باب من اسمه القاسم (5/173) ، واللفظ للطبراني.
- رواه البخاري (3617) ومسلم (2781).
- ص 233 .
- «الشفا» للقاضي عياض رحمه الله ، القسم الرابع ، الباب الأول.
- رواه أحمد (2/340) ، وصححه محققو «المسند».
- سورة الأنعام: 10 .
- سورة الأحزاب: 69 .
- سورة آل عمران: 186 .
- المدَر هي القرى والمدن ، واحدتها مدرة. انظر «النهاية».
- بيت الوبر هي الخيمة المصنوعة من وبر الإبل.
- (4/103) ، وقال محققو «المسند»: إسناده صحيح على شرط مسلم.
- سورة النحل: 106 .
- ص 233 – 234 .