1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. الحق الرابع عشر: الدعاء للنبي ﷺ الجزء الثانى

الحق الرابع عشر: الدعاء للنبي ﷺ الجزء الثانى

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسى
794 2020/07/28 2020/07/28

الأمر الثاني: السلام عليه ﷺ
جاء الـحث في الأدلة الـمتقدمة من الكتاب والسنة بالسلام على النبي ﷺ مقترنا بالأمر بالصلاة عليه ، فلا داعي من إعادة الأدلة هنا.
والسلام عليه ﷺ تعني تحيته بتحية الإسلام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، قاله ابن جرير في تفسير آية الأحزاب (56).
ولفظ الســـلام يتضمن معنيين ؛ أحدهما ذكر الله تــــعالى ، لأن (السلام) اسم من أسماء الله تعالى ، فعلى هذا يكون معنى قول القائل (السلام عليكم) ؛ أي نزلت بركة اسم الله عليكم وحلّت بكم.
والثاني طلب السلامة ، والسلامة تشمل السلامة من الآفات الدينية والدنيوية.
ويدخل في السلامة أيضا الأمن من فزع اليوم الأكبر ، لأن الفزع من الآفات الأخروية.

قال ابن جرير رحمه الله:

وقوله

[وسلام على المرسلين]

[1]

؛ يقول: وأمنةٌ من الله للمرسلين الذين أرسلهم إلى أممهم الذي ذكرهم في هذه السورة وغيرهم من فزع يوم العذاب الأكبر وغير ذلك من مكروهٍ أن ينالهم من قِـبل الله تبارك وتعالى.[2] انتهى 
وتسـليم الله على أنبياءه من الجزاء بالمثل ، لسلامة ما قالوه في ربهم لأقوامهم من الخطأ والزلل ، ولتوقيهم الذنوب والمعاصي وسلامتهم منها.
ويستفاد من الآية الكريمة أن يُسلم المسلم على جميع الأنبياء أيضا ولا يَهجر ذلك ، )وسلام على المرسلين(.
وتسليم المسلم على من لقيه من إخوانه إذا لقيهم هو أفضل تحية يحيي بها المسلم إخوانه ، وهو من غاية الإكرام لهم ، وبها يحيي الله تعالى عباده المؤمنين

[تحيتهم يوم يلقونه سلام]

، جعلنا الله منهم.
فائدة
قال النووي رحمه الله: إذا صلى على النبي ﷺ فليجمع بين الصلاة والتسليم ، ولا يقتصر على أحدهما ، فلا يقول (صلى الله عليه) فقط ، ولا (عليه السلام فقط)[3].
قال ابن كثير رحمه الله: وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة وهي

قوله

[يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما]

[4].


فإن قيل: فلم نصلي في التشهد الأخير ولا نسلم؟
فالجواب أن التسليم سبق في أول التشهد في قوله (السلام عليك أيها النبي ...).
ذكره النووي في «شرح مسلم».

فائدة في بيان أن المشتغلين بالحديث النبوي هم أكثر الناس صلاة وسلاما على النبي ﷺ
قال أبو نعيم الأصبهاني [5]رحمه الله: (لا يُعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله ﷺ أكثر مما يُعرف لهذه العصابة نسخا وذِكرا) [6]، قوله (عصابة) أي عصابة علماء الحديث ، ونسخا أي كتابة ، فليس أحد أكثر منهم كتابة للفظ الصلاة والتسليم على النبي ﷺ ، كما أنه ليس أحد أكثر منهم ذكرا ، أي صلاة وسلاما على النبي ﷺ باللسان ، لأنهم يمرون بذكره كلما قرؤوا حديثا ، فيصلون عليه.
فائدة في حكم الصلاة على غير النبي ﷺ
قال ابن كثير في تفسير آية الأحزاب ، (ص 1082) فيما يتعلق بالصلاة على غير النبي ﷺ :
الصلاة على غير الأنبياء إن كانت على سبيل التبعية كما في الحديث (اللهم صل على محمد وآلِه وأزواجه وذريته) فهذا جائز بالإجماع.
وإذا أُفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم فقد قال قائلون بالجواز ، واستدلوا

بقول الله تعالى

[هو الذي يصلي عليكم وملائكته]

،

وبقوله

[أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة]

،

وبقوله

[خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم] الآية

، وبحديث عبد الله بن أبي أوْفى قال:

كان رسول الله ﷺ إذا أتاه قوم بصدقتهم قال (اللهم صل عليهم) ، فأتاه أَبي بصدقته فقال: (اللهم  صل على آل أبي أوفى)

[7]

، وبحديث جابر قال:

أتانا رسول الله ﷺ فنادته امرأتي فقالت: يا رسول الله ، صلِّ علي وعلى زوجي. فقال: صلَّى الله عليكِ وعلى زوجِك

[8].


قال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة لأن هذا قد صار شعارا للانبياء إذا ذكروا ، فلا يلحق بهم غيرهم ، فلا يقال (قال أبو بكر صلى الله عليه) ، أو (قال علي صلى الله عليه) ، وإن كان المعنى صحيحا ، كما لا يقال (قال محمد عز وجل) ، وإن كان عزيزا جليلا ، لأن هذا من شعار ذِكر الله عز وجل ، وحملوا ماورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم ، ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبي أوفى ، ولا لجابر وامرأته ، وهذا مسلك حسن.
وأما السلام فلا يفرد به غير الأنبياء ، فلا يقال علي عليه السلام ، وهذا مجمع عليه ، قاله أبو محمد الجويني.
وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ أن ينفرد علي رضي الله عنه بأن يقال عليه السلام من دون سائر الصحابة ، أو كرم الله وجهه ، وهذا وإن كان معناه صحيحا ؛ لكن ينبغي أن يُسوَّى بين الصحابة في ذلك ، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم ، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه ، رضي الله عنهم أجمعين[9].

الأمر الثالث والرابع: الدعاء له بالوسيلة والفضيلة وأن يبعثه الله مقاما محمودا الذي وعده

الأصل في هذه

حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:

من قال حين يسمع النداء: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ؛ آتِ محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته) ؛ حلت له شفاعتي يوم القيامة

[10].

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع النبي ﷺ يقول:

إذا سـمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى عليَّ صلاة ؛ صلى الله عليه بها عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منـزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة

[11].


فالوسيلة هي منزلة عالية في الجنة كما في الحديث ، وأما (الفضيلة) ؛ فهي عموم الفضل والبركة والخير ، كما في دعاء التشهد: وبارك على محمد وعلى آل محمد ... الحديث.
قوله (مقاما محمودا) ، أي يُحمد القائم فيه [12]، والمقام هو الشفاعة الكبرى لأهل الموقف للبدء الحساب ، والقائم هو النبي ﷺ ،

ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسول الله ﷺ : المقام المحمود ؛ الشفاعة

[13].


وروى ابن أبي خيثمة عن علي بن الحسين وابن عمر رضي الله عنه أن المقام المحمود هو شفاعة النبي ﷺ الشفاعة العظمى حين تنتهي إليه[14].

وعن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:

يُبعث الناس يوم القيامة ، فأكون أنا وأمتي على تلٍّ ، فيكسوني ربي حلة خضراء ، فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود.

[15]

قال ابن جرير الطبري: قال أكثر أهل العلم: ذلك هو المقام الذي يقومه ﷺ يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.
ثم روى عدة أحاديث وآثار عن السلف تدل على ذلك[16].
قال ابن الجوزي: والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود ؛ الشفاعة[17].
قال ابن حجر: هو المشهور.
وقال: ويظهر أن المراد بالقول المذكور [18]هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة ، ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة. انتهى[19].

وقوله في آخر الحديث: (حلت له شفاعتي) ؛ هذا من الجزاء بالمثل ، فلما دعا الداعي للنبي ﷺ أن يبعثه المقام المحمود ، وهو المقام الذي يشفع فيه للناس كلهم في البدء في فصل القضاء ؛ استحق بذلك أن يكون ممن يشفع لهم النبي ﷺ في تكفير السيئات ورفع الدرجات ، فاللهم اجعلنا ممن تدركه شفاعة نبيك ﷺ .

فائدة
الأحاديث الواردة في الشفاعة العظمى متواترة ، رواها كثير من الصحابة منهم أنس وأبو هريرة وغيرهم ، وسنكتفي هنا

بحديث أنس رضي الله عنه ، فقد روى عن النبي ﷺ قال:

يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا [20]، فيأتون آدم فيقولون:  أنت أبو الناس ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء ، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم - ويذكر ذنبه فيستحي - ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم - ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحي - فيقول: ائتوا خليل الرحمـٰن ، فيأتونه فيقول: لست هناكم ، ائتوا موسى ، عبدا كلمه الله ، وأعطاه التوراة ، فيأتونه فيقول: لست هناكم ، ويذكر قتل النفس بغير نفس ، فيستحي من ربه ، فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله ، وكلِمة الله وروحه ، فيقول: لست هناكم ، ائتوا محمدا ﷺ ، عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فيأتونني فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن لي ، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا ، فيدَعُني ما شاء الله ، ثم يقال: إرفع رأسك ، وسل تعطه ، وقل يسمع ، واشفع تُشفّع ، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع ... الحديث

[21].


المراجع

  1. سورة الصافات ، الآية 181 .
  2. وانظر ما قاله عماد الدين ابن كثير وابن ســعدي في تفسيـريهما للآية ، وكذا الشـوكاني في «فتح القدير» ، وابن الجوزي في «زاد المسير» ، وكذا ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (3/5) ، (3/130) ، (6/37) ، وابن القيم في «بدائع الفوائد» ، مسألة (سلام عليكم ورحمة الله) ، (2/615).
  3. كتاب «الأذكار» ، باب صفة الصلاة على رسول الله ﷺ .
  4. تفسير القرآن العظيم ، سورة الأحزاب ، نهاية تفسيره للآية 56 .
  5. هو الحافظ الكبير محدث العصر ، أحمد بن عبد الله بن أحمد بن يوسف بن البناء ، مات سنة 430 . انظر «تذكرة الحفاظ» (3/197).
  6. رواه الخطيب البغدادي عنه في «شرف أصحاب الحديث» ، باب كون أصحاب الحديث أولى الناس بالرسول ﷺ لدوام صلاتهم عليه ﷺ .
  7. رواه البخاري (4166) ومسلم (1078).
  8. رواه ابن حبان (3/197) ، وأبو داود (1533) ، والنسائي في «الكبرى» (10184) ، وأحمد (3/398) ، وصححه الألباني رحمه الله والشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله.
  9. باختصار من تفسير ابن كثير لآية الأحزاب: 56 .
  10. رواه البخاري (614).
  11. تقدم تخريجه.
  12. قاله ابن حجر في «فتح الباري» عند شرح الحديث المذكور.
  13. رواه أحمد (2/478) ، وقال محققو «المسند»: حسن لغيره ، وكذا رواه ابن جرير في تفسير سورة الإسراء ، تفسير قوله تعالى ]عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا[ ، آية 79 .
  14. «التاريخ الكبير» ، (1/204) ، تحقيق صلاح فتحي هلل ،  الناشر: الفاروق الحديثة – مصر.
  15. رواه ابن حبان (14/399) ، وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط ، وكذا ابن جرير في تفسير سورة الإسراء ، تفسير قوله تعالى ]عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا[ ، آية 79 ، وكذا الشيخ الألباني كما في «السلسلة الصحيحة» (5/485).
  16. رواها في تفسير سورة الإسراء ، قوله تعالى ]عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا[ ، آية 79 ، عن حذيفة وابن عباس وابن مسعود وسلمان الفارسي والحسن البصري وعم مجاهد من طريقين وقتادة.
  17. حكاه عنه ابن حجر في «فتح الباري» ، شرح الحديث المذكور.
  18. أي قوله (فأقول ما شاء الله أن أقول).
  19. «فتح الباري» ، شرح الحديث المذكور.
    تنبيه: قال ]عسى أن يبعثك ربك مقاما[: (يوسع له على العرش فيجلسه معه). رواه ابن عبد البر في «التمهيد» ، كتاب القرآن ، باب الدعاء ، وكذا ابن جرير في «تفسيره» ، سورة الإسراء ، آية 79 . وقد تعقبه ابن عبد البر رحمه الله في وهذا عندهم منكر في تفسير هذه الآية ، والذي عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين أن المقام المحمود هو المقام الذي يشفع فيه لأمته. وقد روي عن مجاهد مثل ما عليه الجماعة من ذلك ، فصار إجماعا في تأويل الآية من أهل العلم بالكتاب والسنة. انتهى. ثم ذكر ابن عبد البر بعض الآثار عن السلف من الصحابة ومن بعدهم في تفسير المقام المحمود بالشفاعة ، كابن مسعود وسلمان الفارسي وحذيفة وقتادة ، ثم قال: وممن روي عنه أيضا أن المقام المحمود ؛ الشفاعة: الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعلي بن الحسين بن علي ، وابن شهاب وسعيد بن هلال وغيرهم. انتهى. وقال ابن جرير بعدما ساق القولين: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما صح به الخبر عن رسول الله ﷺ . «تفسير الطبري» ، سورة الإسراء ، آية 79 . وأما الحديث الوارد عن النبي ﷺ في أن المقام المحمود هو إجلاسه على العرش فضعيف ، انظر «السلسة الضعيفة» (865). لطيفة: أدى الاختلاف في هذه المسألة إلى قتال ، قال ابن كثير رحمه الله في «البداية والنهاية» حوادث سنة 317 هجري:وفيها وقعت فتنة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروذي الحنبلي وبين طائفة من العامة ، اختلفوا في تفسير قوله تعالى ]عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا[ ، فقالت الحنابلة: (يُـجلسه معه على العرش) ، وقال الآخرون: (المراد بذلك الشفاعة العظمى) ، فاقتتلوا بسبب ذلك ، وقتل بينهم قتلى ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
    وقد ثبت في صحيح البخاري أن المراد بذلك مقام الشفاعة العظمى ، وهي الشفاعة في فضل القضاء بين العباد ، وهو المقام الذي يرغب إليه فيه الخلق كلهم حتى إبراهيم ، ويغبطه به الأولون والآخرون. انتهى.
  20. أي التمسنا من يشفع لنا إلى ربنا للبدء في فصل القضاء بين العباد ، والذين يقولون هذا هم عموم الناس من مؤمنين وكافرين بعد أن يضيق بهم الموقف ويشتد الحر.
  21. رواه البخاري (4476).


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day