1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. الحق الثامن: الدعوة لدينه

الحق الثامن: الدعوة لدينه

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسى
692 2020/07/26 2024/12/18

من أهم حقوق النبيﷺنشر سنته وهديه ، وتبليغها للناس ،

وقد ثبت عنه أنه قال:

(ليبلغ الشاهد الغائب ، فإن الشاهد عسى أن يُبلغ من هو أوعى له منه)

[1]

، وقال:

بلغوا عني ولو آية.

[2]

وقد دعا رسول اللهﷺلمن حمل هذا اللـواء بقوله: نضر الله امرءًا سمع منا شيئًا فبلغه كما سمِعه ، فرب مبلغ أوعى من سامع[3].
ومن حقوق النبيﷺالحرص على إماتة البدع والضلالات المخالفة لأمره وهديه ، لأن البدع تهدم الدين ، وتخالف هدي النبيﷺ، بل هي زيادة في دين الإسلام ، وهي مردودة على صاحبها ، كما قال النبيﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد[4].
فصل
والأدلة على فضل الدعوة إلى الله كثيرة جدا ، ليس المقام مقام استقصائها ، نكتفي منها بآية وثلاثة أحاديث ، وفيها كفاية لمن أراد الهداية

، أما الآية فقوله تعالى

[ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا]

، أي لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى الله.

قوله

[وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين]

(أي وهو في نفسه مهتد بما يقوله ، فنفعه لنفسه ولغــيره لازم ومتــعد ، وليس هو مــن الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه ، وينهون عن المنكر ويأتونه ، بل يأتمر بالخير ويترك الشر ، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى ، وهذه عامة في كل من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد)[5].

وأما الأحاديث الثلاثة فأولهما

حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبيﷺأرسل علي بن أبي طالب لغزو اليهود في خيبر

، فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفُذ على رِسلِك [6]حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم.

[7]


وأما الحديث الثاني على فضل الدعوة

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللهﷺقال:

من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ،

الحديث[8].


وأما الحديث الثالث فهو

حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبيﷺقال:

مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً ، فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعــشب الكــثير ، وكانــت منــها أجادب أمســكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت منها طائفة أخرى ، إنما هي قيعان ، لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعهُ ما بعثني الله به فعلم وعلَّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به

[9].


قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث: قال القرطبي وغيره:
ضــرب النبيﷺلِما جــاء به من الــدين مثلا بالغـيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه ، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه ، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت ؛ فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت ، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث ، فمنهم العالم العامل المعلم ، فهو بمنزلة الأرض الطيبة ؛ شربت فانتفعت في نفسها ، وانبتت فنفعت غيرها.

ومنهم الجامع للعلم ، المستغرق لزمانه فيه ، غير أنه لم يعمل بنوافله ، أو لم يتفقه فيما جمع ، لكنه أداه لغيره ، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به ، وهو المشار إليه بقوله (نضر الله امرأً سمع مقالتي فأداها كما سمعها).
ومنهم من يسمع العلم فلا يـحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره ، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء ، التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها.
وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما ، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها ، والله أعلم.
فصل
والمبتدع لا يحب نشر السنة النبوية ، ويسعى لكتمانها ، قال ابن تيمية رحمه الله: ومن المعلوم أنك لا تجد أحداً ممن يرد نصوص الكتاب والسنة بقوله إلا وهو يبغض ما خالف قوله ، ويود أن تلك الآية لم تكن نَـزلت ، وأن ذلك الحديث لم يرِد ، ولو أمكنه كشط ذلك المصحف من قلبه لفعله.
قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا خرجت حلاوة الحديث من قلبه.
وقيل عن بعض رؤوس الجهمية – إما بشر المريسي أو غيره - أنه قال: ليس شيء أنقض لقولنا من القرآن ، فأقِروا به في الظاهر ، ثم صرِّفوه بالتأويل.
ويقال إنه قال: إذا احتجوا عليكم بالحديث فغالطوهم بالتكذيب ، وإذا احتجوا بالآيات فغالطوهم بالتأويل.
ولهذا تجد الواحد من هؤلاء لا يحب تبليغ النصوص النبوية ، بل قد يختار كتمان ذلك والنهي عن إشاعته وتبليغه ، خلافاً لما أمر الله به ورسوله من التبليغ عنه ،

كما قال:

(ليبلغ الشاهد الغائب) ،

وقال:

(بلغوا عني ولو آية)

، وقال:

(نضر الله امرإٍ سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه). 

وقد ذم الله في كتابه الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى ، وهؤلاء يختارون كتمان ما أنزله الله لأنه معارض لما يقولونه ،

وفيهم جاء الأثر المعروف عن عمر ، قال:

(إياكم وأصحاب الرأي ، فإنهم أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي ، فضلوا وأضلوا

[10].


فذَكر أنهم أعداء السنن.
وبالجملة ، فكل من أبغض شيئا من الكتاب والسنة ففيه من عداوة النبي بحسب ذلك ، وكذلك من أحب ذلك ففيه من الولاية بحسب ذلك ، قال عبد الله بن مسعود: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن ، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله.
وأعــداء الأنبياء هم شياطين الإنــس والجــن ، وهؤلاء يــوحي بعــضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، والزخرف هو الكلام المزين ، كما يزيَّن الشيء بالزخرف وهو المذهب ، وذلك غرور ، لأنه يغر المستمع ، والشبهات المعارضة لما جاءت به الرسل هي كلام مزخرف يغر المستمع ،

[ولتصغى إليه[11] أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة]

، فهؤلاء المعارضون لما جاءت به الرسل تَصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة كما رأيناه وجربناه[12].


المراجع

  1. رواه البخاري (67) ومسلم (1679) عن أبي بكرة رضي الله عنه.
  2. رواه البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
  3. رواه ابن حبان (66) والترمذي (2657) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وقال الترمذي: حسن صحيح.
  4. تقدم تخريجه.
  5. قاله ابن كثير في تفسير الآية.
  6. قوله (انفذ) أي امضِ ، وقوله (على رِسلِك) أي على مهلك. انظر «النهاية».
  7. رواه البخاري (4210) ومسلم (2406) ، قال ابن حجر رحمه الله: (حُـمْر النعم) بسكون الميم وبفتح النون والعين ، وهو من ألوان الإبل المحمودة ، قيل المراد خير لك من أن تكون لك فتتصدق بها ، وقيل تقتنيها وتملكها ، وكانت مما تتفاخر العرب بها. (باختصار).
  8. رواه مسلم (2674).
  9. رواه البخاري (79) ومسلم (2282).
  10. تقدم تخريجه.
  11. أي تصغي إلى كلامهم.
  12. «درء تعارض العقل والنقل» (5/217 – 220) ، باختصار يسير.


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day