1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. الحق الخامس: التحاكم لشريعته ﷺ

الحق الخامس: التحاكم لشريعته ﷺ

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسى
664 2020/07/26 2020/07/26

ومن حقوق الرسول ﷺ التحاكم لشريعته ، والرضى بحكمه رضا قلبيا كاملا والاستسلام لها ،

فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول:

ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد ﷺ رسولاً

[1].


والرضا كلمة تجمع القبول والانقياد ، فلا يكون الرضا إلا حيث يكون التسليم المطلق والانقياد الكامل ظاهراً وباطناً لما جاء به الرسول ﷺ من ربه.

وقال تعالى

[إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون]

[2]

وقال تعالى

وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً

[3].

فقه الآيتين:
"كلا الآيتين توجبان التسليم الكامل والانقياد التام من أهل الإيمان لِما حَـكم به الله تعالى وحكم به رسوله ﷺ ، فليس في ذلك اختيار ، بل السمع والطاعة والقبول والتسليم بما جاء عن الله ورسوله.
ومن الملاحظ في كلا الآيتين أن الخطاب فيهما لأهل الإيمان ، ففي الآية الأولى }إنما كان قول المؤمنين{ ، وفي الثانية }وما كان لمؤمن ولا مؤمنة{ ، وهذا التخـصيص للمؤمنين فيه من الدلالة ما فيه ، فاسم الإيمان يُشعر بأن هذا المطلوب منهم من موجبات الاسم الذي نُسبوا إليه ، ولذلك فإنه يجب على كل من يؤمن بالله ورسوله ﷺ أن يضع هاتين الآيتين وأمثالهما من الآيات الموجبة للامتثال لأمر الله ورسوله ﷺ نصب عينيه ، فيسمع ويطيع ، ويؤمن بأنه لا اختيار له في ذلك ولا رأي ، بل التسليم المطلق الذي لا يصاحبه شك ولا ارتياب.

فهذه حقــيــقة الإيمان ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله ، التي تعني طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وألا يعبد الله إلا بما شرع.
ومثل هذه الآيات هي الفاصل بين دعوى الإيمان الحقيقية التي هي للمؤمنين الصادقين ، وبين دعوى الإيمان الزائفة الباطلة التي هي سمة المنافقين الكاذبين ، المظهرين خلاف ما يُبطنون"[4].
ومن الأدلة كذلك على وجوب التحاكم لشريعة الله

قوله تعالى

يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا

[5].

وقال الله تعالى

﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾

[6].


قال ابن تيمية رحمه الله: فكل من خرج عن سنة رسول الله ﷺ وشريعته ؛ فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله ﷺ في جـميع ما شجر بينهم من أمور الدين والدنيا ، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه ، ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة[7].
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكم الرسول ﷺ في جـميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا ،

ولهذا قال

﴿ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾

، أي إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم ، فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن ، فيسلموا لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة. انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله: أقسم سبحانه بأجلِّ مقسَمٍ به - وهو نفسه عز وجل - على أنهم لا يَثبت لهم الإيمان ولا يكونون من أهله حتى يحكموا رسوله ﷺ في جـميع موارد النزاع ، وهو كل
 


ما شجر بينهم من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين ، فإن لفظة «ما» من صيغ العموم ، فإنها موصولة ، تقتضي نفي الإيمان إذ لم يوجد تحكيمه في جميع ما شجر بينهم.
ولم يقتصر على هذا حتى ضم اليه انشراح صدورهم بحكمه ، بحيث لا يجدون في أنفسهم حرجا - وهو الضيق والحصر[8] - من حكمه ، بل يتلقوا حكمه بالإنشراح ويقابلوه بالتسليم ، لا أنهم يأخذونه على إغماض[9] ويشربونه على إقذاء ،[10] فإن هذا مناف للإيمان ، بل لابد أن يكون أخذه بقبول ورضى وانشراح صدر.
ومتى أراد العبد أن يعلم منزلته من هذا فلينظر في حاله ، وليطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف هواه وغرضه ، أو على خلاف ما قلد فيه أسلافه من المسائل الكبار وما دونها ،

بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره


فسبحـان الله ، كم من حـــزازة في قلوب كثير من الناس من كثير من النصوص ، وبوِدهم أن لو لـم ترِد ، وكم من حزازة في أكبادهم منها ، وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها ، ستبدو لهم تلك السرائر بالذي يسوء ويخزي يوم تبلى السرائر.
ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضم إليه قوله تعالى ]ويسلموا تسليما[ ، فذكر الفعل مؤكِّدا له بمصدره القائم مقام ذكره مرتين ، وهو الخضوع له والانقياد لما حَكم به طوعا ورضا وتسليما ، لا قهرا ومصابرة ، كما يُسلِّم المقهور لمن قهره كَـرها ، بل تسليم عبد مطيع لمولاه وسيده الذي هو أحب شيء إليه ، ويعلم أن سعادته وفلاحه في تسليمه إليه ، ويعلم بأنه أولى به من نفسه ، وأبر به منها ، وأرحم به منها ، وأنصح له منها ، وأعلم بمصالحه منها ، وأقدر على تحصيلها.
فمتى علم العبد هذا من الرسول ﷺ ؛ استسلم له ، وسلَّم إليه ، وانقادت كل ذرة من قلبه إليه ، ورأى أنه لا سعادة له إلا بهذا التسليم والانقياد[11].

وقال أيضا رحمه الله كلاما نفيسا في «الصواعق المرسلة»:
وقد أقسم سبحانه بنفسه المقدسة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم ، ولا يكفي ذلك في حصول الإيمان حتى يزول الحرج من نفوسهم بما حكم به في ذلك أيضا ، حتى يحصل منهم الرضا والتسليم ،

فقال تعالى

[فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما]

، فأكد ذلك بضروب من التأكيد:
أحدها: تصدير الجملة المقسم عليها بحرف النفي المتضمن لتأكيد النفي المقسَم عليه ، وهو في ذلك كتصدير الجملة المثبتة بـ «إن».
الثاني: القسم بنفسه سبحانه.
الثالث: أنه أتى بالمقسم عليه بصيغة الفعل الدالة على الحدوث ، أي لا يقع منهم إيمان ما حتى يحكموك.
الرابع: أنه أتى في الغاية بـ «حتى» دون «إلا» الـمُشعِرة بأنه لا يوجد الإيمان إلا بعد حصول التحكيم ، لأن ما بعد «حتى» يدخل فيما قبلها.
الخامس: أنه أتى المحَـكّم فيه بصيغة الموصول الدالة على العموم ، وهو قوله ]فيما شجر بينهم[ ، أي في جميع ما تنازعوا فيه من الدقيقة والجليلة.
السادس: أنه ضم إلى ذلك انتفاء الحرج ، وهو الضيق من حكمه.
السابع: أنه أتى بهِ نكرةً في سياق النفي ، أي لا يجدون نوعا من أنواع الحرج البتة.
الثامن: أنه أتى بذكر ما قضى به بصيغة العموم ، فإنـهـا إما مصدرية ، أي من قضائك ، أو موصولة ، أي من الذي قضيته ، وهذا يتناول كل فرد من أفراد قضائه.
التاسع: أنه لم يكــتف منهم بذلك حتى يُــضيفوا إليه التسليم ، وهو قدر زائد على التحكيم وانتفاء الحرج ، فما كل من حكَّم انتفى عنه الحرج ، ولا كل من انتفى عنه الحرج يكون مسلِّما منقادا ، فإن التسليم يتضمن الرضا بحكمه والانقياد له.
العاشر: أنه أكَّد فعل التسليم بالمصدر المؤكد[12].


وقال الشيخ عبد الرحمـٰن [13]بن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: وهذا شامل لتحكيمه[14] في أصول الدين 
وفي فروعه ، وفي الأحكام الكلية ، والأحكام الجزئية[15].
وضد التحاكم إلى الشريعة الإعراض عنها ، وهذا من علامات الزيغ والنفاق ،

قال الله تعالى

﴿ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنـزل إليكم وما أنـزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنـزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً ﴾

[16].


المراجع

  1. رواه مسلم (34).
  2.  سورة النور: 51 .
  3.  سورة الأحزاب: 26 .
  4.  «حقوق النبي ﷺ على أمته» ، ص 184 – 185 . 
  5.  سورة النساء: 59 ، وانظر ما قاله الشنقيطي رحمه الله في تفسير الآية الكريمة.
  6.  سورة النساء: 65 .
  7. «مجموع الفتاوى» (28/471).
  8.  الحصر هو الحبس ، والمقصود به هنا هو الضيق ، لأن المحبوس يضيق بحبسه. انظر «النهاية».
  9.  الإغماض هو التنقص لقيمة الشيء. انظر «المعجم الوسيط». 
  10. الإقذاء من القذى ، وهو الشوائب التي تكون في الشراب ، والمقصود هو السكوت على الذل كما يشرب الإنسان من الماء الذي فيه شوائب وهو كاره لذلك ، متصبر عليه.
  11.  «الرسالة التبوكية» ، ص 80 – 83 .
  12. أي قوله ]فلا[.
  13.  «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» (1520 – 1521).
  14.  أي النبي ﷺ ، والمقصود بتحكيمه تحكيم شريعته.
  15.  «التوضيح والبيان لشجرة الإيمان» ، ص 39 ، بتصرف يسير.
  16. سورة النساء: 60 – 61 .


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day