1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي

حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسى
696 2020/08/05 2024/04/23

حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي [1]

الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان 
عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، وبعد: 
فلا يـخفى ما ورد في الكتاب والسنة من الأمر باتباع ما شرعه الله ورسوله ، والنهي عن الابتداع في الديــــــن ،

قال تعالى

﴿قل إن كنــــتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم﴾

[2]،

وقال تعالى

﴿اتبعوا ما أنـزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون﴾

[3]

،

وقال تعالى

﴿وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾

[4]

،

وقال ﷺ :

(إن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها)

،

وقال ﷺ :

(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)

، وفي رواية لمسلم:

(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

وإن من جـملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة ؛ الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شهر ربيع الأول ، وهم في هذا الاحتفال على أنواع: 
فمنهم من يجعله مجرد اجتماع تُقرأ فيه قصة المولد ، أو تُقدم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة.
ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك ، ويقدمه لمن حضر.
ومنهم من يقيمه في المساجد ، ومنهم من يقيمه في البيوت.
ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر ، فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء ، والرقص والغناء ، أو أعمال شركية ، كالاستغاثة بالرسول ﷺ وندائه والاستنصار به على الأعداء وغير ذلك.

وهو[5] بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مقاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة أحدثها الشيعة الفاطميون بعد القرون الثلاثة المفضلة لإفساد دين المسلمين ، وأول من أظهره بعدهم الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري ، كما ذكره المؤرخون ، كابن كثير وابن خلكان وغيرهما.
وقال أبو شامة: وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا ، أحد الصالحين المشهورين ، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره.
قال الحافظ ابن كثير في «البداية» في ترجمة سعيد كوكبوري: 
وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً ...
إلى أن قال: قال السبط: 
حكى بعض من حضر سِماط [6]المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة ألف زبدية [7]، وثلاثين ألف صحن حلوى ...
إلى أن قال: ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ، ويرقص بنفسه معهم[8].
وقال ابن خلكان في «وفيات الأعيان»: (فإذا كان أول صَفر زينوا تلك القِباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة ، وقعد في كل قبة جَوق[9] من الأغاني ، وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي ، ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات (طبقة القباب) حتى رتبوا فيها جوقاً ، وتبطل معايش الناس في تلك المدة ، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم ..
إلى أن قال: فإذا كان قبل يوم المولد بيومين أَخرج من الإبل والبقر والغنم شيئاً كثيراً زائداً عن الوصف ، وزَفّها[10] بجميع ما عنده من الطبول والأغاني والملاهي ، حتى يأتي بها إلى الميدان ..
إلى أن قال: فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة).

فهذا مبدأ حدوث الاحتفال وإحيائه بمناسبة ذكرى المولد ، حدث متأخراً ومقترناً باللهو والسرف وإضاعة الأموال والأوقات وراء بدعة ما أنـزل الله بها من سلطان.
والذي يليـق بالمسلم إنما هو إحياء السنن وإماتة البدع ، وألا يُقدم على عمل حتى يعلم حكم الله فيه.

حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي
الاحتفال بمناسبة مولد الرسول ﷺ ممنوع ومردود من عدة وجوه:
أولاً: أنه لـم يكن من سنة الرسول ﷺ ولا من سنة خلفائه ، وما كان كذلك فهو من البدع المــمنوعة ، لقوله ﷺ : عليكم بســنتي وســنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة.
والاحتفال بالمولد محدث ، أحدثه الشيعة الفاطميون بعد القرون المفضلة لإفساد المسلمين ، ومن فعل شيئاً يتقرب به إلى الله تعالى ، لم يفعله الرسول ﷺ ، ولم يأمر به ، ولم يفعله خلفاؤه من بعده ؛ فقد تضمن فِعله إتهام الرسول بأنه لم يبين للناس دينهم ، وتكذيب

قوله تعالى

﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾

[11]

، لأنه جاء بزيادة يزعم أنها من الدين ولم يأت بها الرســول ﷺ .
ثانياً: في الاحتفال بذكرى المولد تشبه بالنصارى ، لأنهم يحتفلون بذكرى مولد المسيح عليه السلام ، والتشبه بهم محرم أشد التحريم ، ففي الحديث النهي عن التشبه بالكفار ، والأمر بمخالفتـهم ،

فقد قال ﷺ :

(من تشبه بقوم فهو منهم)

،

وقال:

(خالفوا المشركين)

، ولاسيما فيما هو من شعائر دينهم.
ثالثاً: أن الاحتفال بذكرى مولد الرسول مع كونه بدعة وتشبهاً بالنصارى - وكل منهما محرم - فهو كذلك وسيلة إلى الغلو والمبالغة في تعظيمه حتى يفضي إلى دعائه والاستغاثة به من دون الله ، كما هو الواقع الآن من كثير ممن يحيون بدعة المولد ، من دعاء الرسول من دون الله ، وطلب المدد منه ، وإنشاء القصائد الشركية في مدحه ، كقصيدة البردة وغيرها ،

وقد نهى ﷺ عن الغلو في مدحه فقال:

لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبدهُ ، فقولوا عبد الله ورسوله.


أي تغلو في مدحي وتعظيمي كما غلت النصارى في مدح الـمسيح وتعظيمه حتى عبدوه من دون الله ،

وقد نهاهم الله عن ذلك بقوله:

﴿يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه﴾

[12].


ونهانا نبينا ﷺ عن الغلو خشية أن يصيبنا ما أصابهم ، فقال: إياكم والغلو ، فإنما هلك من كان قبلكم الغلو.
رابعًا: إن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن ، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع ويكسلون عن السنن ، ويبغضونها ويعادون أهلها ، حتى صار دينهم كله ذكريات بدعية وموالد ، وانقسموا إلى فرق ، كل فرقة تحيي ذكرى موالد أئمتها ، كمولد البدوي وابن عربي والدسوقي والشاذلي ، وهكذا لا يفرغون من مولد إلا وينشغلون بآخر ، ونتج عن ذلك الغلو بهؤلاء الموتى وبغيرهم دعاؤهم من دون الله ، واعتقاد أنهم ينفعون ويضرون ، حتى انسلخوا من دين الإسلام وعادوا إلى دين أهل الجاهلية الذين

قال الله فيهم:

﴿ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله﴾

[13]

، وقال تعالى

﴿والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾

[14].

مناقشة شُبه مقيمي الموالد
يتعلق من يرى إحياء هذه البدعة بشُبهٍ أوهى من بيت العنكبوت ، ويمكن حصر تلك الشبُه فيما يلي:- 
1- دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي ﷺ .
والجـواب عن ذلك أن نقول: إنما تعظيمه ﷺ بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته ﷺ ، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي ، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم لأنه معصية ، وأشد الناس تعظيماً للنبي ﷺ هم الصحابة رضي الله عنهم ، كما قال عروة بن مسعود لقريش: أيْ قوم ، والله لقد وفدت على الملوك ، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحـاب محمداً ﷺ ، والله إن تَنخـم نخامة إلا وقعت في كفِّ رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحِدُّون النظر إليه تعظيماً له.
ومع هذا التعظيم ما جعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً ، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.
2- الاحتجاج بأن هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان.
والجواب عن ذلك أن نقول: الحجة بما ثبت عن الرسول ﷺ ، والثابت عن الرسول ﷺ النهي عن البدع عموماً ، وهذا منها ، وعمل الناس إذا خالف الدليل فليس بحـجة وإن كثروا ،

﴿وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله﴾

[15]،

مع أنه لا يزال – بحمد الله – في كل عصر من ينكر هذه البدعة ويبين بطلانها ، فلا حجة بعمل من استمر على إحيائها بعد ما تبين له الحق.
فمِمَّن أنكر الاحتفال بهذه المناسبة شيخ الإسلام ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم» ، والإمام الشاطبي في «الإعتصام» ، وابن الحاج في «المدخل» ، والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألف في إنكاره كتاباً مستقلاً ، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه «صيانة الإنسان» ، والسيد محمد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة ، والشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ 

ألف فيه رسالة مستقلة ، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، وغير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في إنكار هذه البدعة كل سنة في صفحات الجرائد والمجلات في الوقت الذي تقام فيه هذه البدعة.
3- يقولون: إن في إقامة المولد إحياءً لذكر النبي ﷺ .
والجواب عن ذلك أن نقول: إن ذكرى الرسول ﷺ تتجدد مع المسلم ، ويرتبط بها المسلم كلما ذُكر اســـمه ﷺ في الآذان والإقامة والخــطب ، وكلما ردد المسـلم الشـهادتين بعد الوضـوء ، وفي الصلوات ، وكلما صلى على النبي ﷺ في صلواته وعند ذِكره ، وكلما عمل عملاً صالحاً واجباً أو مستحباً مما شرعه الرسول ﷺ فإنه بذلك يتذكره ، ويصل إليه من الأجر مثل أجر العامل ، وهكذا المسلم دائماً يحيي ذكرى الرسول ويرتبط به في الليل والنهار طوال عمره بما شرعه الله ، لا في يوم مولده فقط وبما هو بدعة ومخالفة لسنته ، فإن ذلك يُبعد عن الرسول ﷺ ويتبرأ منه ، والرسول ﷺ غني عن هذا الاحتفال البدعي بما شرعه الله له من تعظيمه وتوقيره كما في

قــــوله تعالى

﴿ورفعنا لك ذكرك﴾

[16]

، فلا يذكر الله عز وجل في أذان ولا إقامة ولا خطبة إلا ويذكر بعده الرسول ﷺ ، وكفى بذلك تعظيماً ومحبة وتجديداً لذكراه ، وحثاً على اتباعه.
والله سبحانه وتعالى لم يُنوه في القرآن بولادة الرسول ﷺ ، وإنما نوه ببعثته ،

فقال

﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم﴾

[17]

، وقال

﴿هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم﴾

[18].

4- قد يقولون: الاحتفال بذكرى المولد النبوي أحدثه ملك عادل عالم ، قصد به التقرب إلى الله!
والجواب عن ذلك أن نقول: البدعة لا تُقبل من أي أحد كان ، وحُسن القصد لا يُسوغ العمل السيئ ، وكونه عالماً وعادلاً لا يقتضي عصمته.
5- قولهم: إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة ، لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم!

ويجاب عن ذلك بأن يقال: ليس في البدع شيء حسن ، فقد قال ﷺ : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وقال ﷺ : (فإن كل بدعة ضلالة) ، فحكم على البدع كلها بأنها ضلالة ، وهذا يقول: ليس كل بدعة ضلالة ، بل هناك بدعة حسنة!

قال الحافظ ابن رجب [19]في «شرح الأربعين»:

فقوله ﷺ :

(كل بدعة ضلالة)

من جوامع الكلم ، لا يخرج عنه شيء [20]، وهو أصل عظيم من أصول الدين ،

وهو شبيه بقوله ﷺ :

(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)

، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة ، والدين برئ منه ، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة. انتهى.
وليس لهؤلاء حجة على أن هناك بدعة حسنة إلا قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح: نعمت البدعة هذه.
وقالوا أيضاً: إنها أحدثت شيئاً لم يستنكرها السلف ، مثل جمع القرآن في كتاب واحد ، وكتابة الحديث وتدوينه.
والجواب عن ذلك: أن هذه الأمور لها أصل في الشرع ، فليست محدثة.
وقول عمر: (نعمت البدعة) ؛ يريد البدعة اللغوية لا الشرعية ، فما كان له أصل في الشرع يرجع إليه إذا قيل إنه بدعة ؛ فهو بدعة لغة لا شرعاً ، لأن البدعة شرعاً ما ليس له أصل في الشرع يُرجع إليه.
وجمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع ، لأن النبي ﷺ كان يأمر بكتابة القرآن ، لكن كان مكتوباً متفرقاً ، فجمعه الصحابة في كتاب واحد حفظاً له.

والتراويح قد صـلاها النبي ﷺ بأصحابه ليالي وتخلف عنهم في الأخير خشية أن تفرض عليهم ، واستمر الصحابة رضي الله عنهم يصلونها أوزاعاً متفرقين في حياة النبي ﷺ وبعد وفاته ، إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلف إمام واحد كما كانوا خلف النبي ﷺ ، وليس هذا بدعة في الدين.
وكتابة الحديث أيضاً لها أصل في الشرع ، فقد أمر النبي ﷺ بكتابة بعض الأحاديث لبعض أصحابه لما طُلب منه ذلك ، وكان المحذور من كتابته بصفة عامة في عهده ﷺ خشية أن يختلط بالقرآن ما ليس منه ، فلما توفي ﷺ انتفى هذا المحذور ، لأن القرآن قد تكامل وضُبط قبل وفاته ﷺ ، فدون المسلمون السنة بعد ذلك حفظاً لها من الضياع ، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً ، حيث حفظوا كتاب الله وسنة نبيهم ﷺ من الضياع وعبث العابثين.
ويقال أيضاً: لما تأخر القيام بهذا الشكر – على زعمكم - ، فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ، وهم أشد مـحبة للنبي ﷺ وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر ، فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراً لله عز وجل؟ حاشا وكلا.
6- قد يقـولون: إن الاحتفال بذكرى مولده ﷺ ينبئ عن محبته ، فهو مظهر من مظاهرها ، وإظهار محبته ﷺ مشروع.
والجواب أن نقول: لا شك أن محبته ﷺ واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين- بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه - ، ولكن ليس معنى ذلك أن نبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا ، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه ، فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته ، كما قيل: 
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحبَّ لمن يحب مطيع
فمحبته ﷺ تقتضي إحياء سنته ، والعض عليها بالنواجذ ، ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال ، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة ، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع ، وحسن النية لا يبيح الإبتداع في الدين ، فإن الـدين مبني على أصلين: الإخـلاص والمتابعة ،

قال تعالى

﴿بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند  ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾

[21]

، فإسلام الوجه هو الإخلاص لله ، والإحسان هو المتابعة للرسول وإصابة السنة.
7- ومن شبههم أنهم يقولون: إن في إحياء ذكرى المولد وقراءة سيرة الرسول ﷺ في هذه المناسبة حثاً على الإقتداء والتأسي به! 
فنقول لهم: إن قراءة سيرة الرسول ﷺ والتأسي به مطلوبان من المسلم دائماً طوال السنة وطِـوال الحياة ، أما تخصيص يوم معين لذلك بدون دليل على التخصيص فإنه يكون بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، والبدعة لا تثمر إلا شراً وبعداً عن النبي ﷺ .
وخلاصة القول أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي بأنواعه واختلاف أشكاله بدعة منكرة يجب على المسلمين منعها ومنع غيرها من البدع ، والاشتغال بإحياء السنن والتمسك بها ، ولا يُغتر بمن يروج هذه البدعة ويدافع عنها ، فإن هذا الصنف يكون اهتمامهم بإحياء البدع أكثر من اهتمامهم بإحياء السنن ، بل ربما لا يهتمون بالسنن أصلاً ، ومن كان هذا شأنه فلا يـجوز تقليده والاقتداء به ، وإن كان هذا الصنف هم أكثر الناس ، وإنما يُقتدى بمن سار على نهج السنة من السلف الصالح وأتباعهم وإن كانوا قليلاً ، فالحق لا يٌعرف بالرجال ، وإنما يُعرف الرجال بالحق ،

قال ﷺ :

فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة.


فبين لنا ﷺ في هذا الحديث الشريف بمن نقتدي عند الاختلاف ، كما بين أن كل ما خالف السنة من الأقوال والأفعال فهو بدعة ، وكل بدعة ضلالة.
وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي لم نجد له أصلاً في سنة رسول الله ﷺ ، ولا في سنة خلفائه الراشدين ، إذن فهو من محدثات الأمور ومن البدع المضلة ، وهذا الأصل الذي تضمنه هذا الحديث قد دل عليه

قوله تعالى

﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً﴾

[22].


والرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه الكريم ، والرد إلى الرسول ﷺ هو الرجوع إلى سنته بعد وفاته ، فالكتاب والسنة هما المرجع عند التنازع ، فأين في الكتاب والسنة ما يدل على مشروعية الاحتفال 

بالمولد النبوي؟ فالواجب على من يفعله أو يستحسنه أن يتوب إلى الله تعالى منه ومن غيره من البدع ، فهذا هو شأن المؤمن الذي ينشد الحق ، وأما من عاند وكابر بعد قيام الحجة فإنما حسابه عند ربه.
هذا ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا التمسك بكتابه وسنة رسوله إلى يوم نلقاه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
انتهى كلام الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله.
قال مقيده عفا الله عنه: ولما كان الاحتفال بالمولد النبوي وسيلة للإنحراف عن الشريعة ؛ استغل أعداء الإسلام هذه المناسبة ، وشجعوا على إقامتها ، ففي زمن احتلال فرنسا لمصر أمر نابليون بإقامة الاحـتفال بالمولد ، وتبرع له ، وحضر الحفل بنفسه ، لما فيه من الخروج عن الشريعة ، واجتماع النساء ، واتباع الشهوات ، وفعل المحرمات ، ذكر ذلك الجبرتي في «تاريخه»[23].

المراجع

  1. تقع هذه الفتوى في كتاب «حقوق النبي ﷺ بين الإجلال والإخلال» ، ص 139 وما بعدها ، الناشر: المنتدى الإسلامي – لندن.
  2. سورة آل عمران: 31 .
  3. سورة الأعراف: 3 .
  4. سورة الأنعام: 153 .
  5. أي الاحتفال بالمولد النبوي.
  6. السِّماط هو المائدة.
  7. الزِّبدية وعاء يخثر فيه اللبن. انظر «المعجم الوسيط».
  8. انتهى كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله.
  9. الجوق هم كل خليط من رعاء الناس أمرهم واحد. انظر «المعجم الوسيط».
  10. زفها أي ذهب بها. انظر «المعجم الوسيط».
  11. سورة المائدة: 3 .
  12. سورة النساء: 171 .
  13. سورة يونس: 18 .
  14. سورة الزمر: 3 .
  15. سورة الأنعام: 116 .
  16. سورة الشرح: 4 .
  17. سورة آل عمران: 164 .
  18. سورة الجمعة: 2 .
  19. هو زين الدين أبو الفرج ، عبد الرحمـٰن بن أحمد البغدادي ثم الدمشقي المعروف بابن رجب الحنبلي ، من علماء الشام الأفذاذ ، عاش في القرن الثامن الهجري ، بلغ عدة شيوخه أربعين شيخا ، منهم ابن القيم وابن عبد الهادي رحمهما الله ، برَّز في الحديث والفقه فصار من أعلام المذهب الحنبلي ،  له مؤلفات عديدة أبرزها «فتح الباري شرح صحيح البخاري» ، و «القواعد الفقهية» و «شرح علل الترمذي» و«جامع العلوم والحكم» ، و «ذيل طبقات الحنابلة». جمع بعض الباحثين رسائله المتفرقة في مجموع يقع في خمسة مجلدات ، ونشرتها دار الفاروق الحديثة بمصر. ترجم له ابن حجر رحمه الله في كتابه «إنباء الغمر» وابن العماد في «شذرات الذهب». توفي ابن رجب رحمه الله في دمشق سنة 795 هـ .
  20.   أي لا يُستثنى شيء من البدع من هذا الأصل ، فكل بدعة ضلالة.
  21. سورة البقرة: 112 .
  22. سورة النساء: 59 .
  23. (2/306).


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day