البحث
الدلائل المئة على عظم قدر النبى محمد ﷺ الجزء الأول
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمين ، أما بعد:
فقد أكرم الله هذه الأمة باختيار خير خلقه ليكون نبيا لها ورسولا ، وهو محمد (صلى الله عليه وسلم) ، فكان بحق خير الناس خُلُقا وعِلما وعملا ، ولهذا فإنه أثَّــــر في الدنيا بأسرها ، في جنها وإنسها وحتى بهائمها ، فهو بحق رجل عظيم لم يأتِ الزمان بمثله مطلقا ، وليست جوانب عظمة النبي (صلى الله عليه وسلم) محصورة بجوانب معينة ، بل هي عامة لجميع الجوانب ، وفي هذا البحث المختصر سلطت الضوء على تلك الجوانب ، ووجدت أن الدلائل على عِظَم قدر النبي (صلى الله عليه وسلم) تصل إلى الـمِـئـة دليل ، كل دليل مختلف عن الآخر ، هذا بحدود بحثي واستقرائي.
والذي دعاني للقيام بهذا البحث هو الرغبة في تجلية قدر المصطفى (صلى الله عليه وسلم) للناس ، وجمع ما هو مفرق في الكتب في هذا الموضوع ، ومما دعاني كذلك هو الرغبة بالمساهمة في الدفاع عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في وقت تجرأ فيه بعض السفهاء للنيل من مقامه الجليل ، ولم يعلم هؤلاء أن النبي (صلى الله عليه وسلم) هو أحب خلق الله إلى الله ، وخير خلق الله مطلقا.
سدد الله الخطى وبارك في الجهود ، وصلى الله وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الدلائل الـمِـئـة على عِظَمِ قدرِ النبي ﷺ
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمين ، أما بعد:
فقد اختص الله نبينا محمدا ﷺ بخصائص عظيمة وكثيرة ، جـــــــــعلته أفضل الأنبياء ، وشريعته أفضل الشرائع ، وأمته أفضل الأمم ، فصار النبي ﷺ بتلك الـــــخصائص والدلائل أعظم الأنبياء والناس قدرا ، وفي هذا الفصل سنتكلم على ما يسر الله الوقوف عليه منها ، وهي مِـئـة دليلٍ [1]، هذا أوان الشروع في ذكرها:
1. أعظمُ دلائل عِظَمِ قدره ﷺ اصطفاء الله له واختياره له من بين سائر الناس ليقوم بأعباء الرسالة ، قال الله تعالى لنبيه محمدا ﷺ )وأرسلناك للناس رسولا(.
2. ومن دلائل عِظَمِ قدره ﷺ أن الله تعالى جمع له بين النبوة والرسالة[2].
ومن دلائل عظم قدره ﷺ أنه من أولي العزم من الرسل ، وأولوا العزم من الرسل خمسة ، هم محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح ، عليهم الصلاة والسلام ، وقد ذكرهم الله تعالى في موضعين من القرآن ؛ في سورة الأحزاب وفي سورة الشورى ، في قوله ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ
3. وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾
[3]،
وكذا في قوله
﴿شَرَعَ لَكُم من الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه﴾
[4].
4. ومن دلائل عظم قدره ﷺ ما اختصه الله به من الآيات الكثيرة الدالة على نبوته ، فقد أيد الله تبارك وتعالى رسوله ﷺ بالدلائل والآيات الكثيرة الدالة على وجوب الإيمان به وصِدق رسالته ، ودلائل نبوة محمد ﷺ كثيرة ، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله في آخر كتابه «إغاثة اللهفان» [5] أنها تزيد على الألف ، وهذا من رحـمة الله بعباده ، ليكون ذلك أدعى للاقتناع والإيمان بنبوته ﷺ ، وقاطعًا لحجة من خالفه.
5. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله اختصه بآية خالدة مستمرة من حين بُعِث إلى يوم القيامة ، وهي القرآن الكريم ، فإن آيات الأنبياء قاطبة انقضت بموتهم ، ولم يبق لهم معجزة إلا ما حكاه أتباعهم عنهم مما شوهد في زمانهم ، أما القرآن فمعجزة خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
ما مِن الأنبياء من نبي إلا قد أُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أُوتيت وحيا أوحى الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة
[6].
6. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله تعالى أنزل عليه أحسن كتبه وهو القرآن الكريم ، وهو أحسن من غيره من جهة أسلوبه وما تضمنه من شرائع حسنة ، كما أنه أحسن من غيره من جهة أنه محفوظ من التبديل والتحريف.
7. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله أنزل عليه أحسن شرائعه ، وجعلها مشتملة على ما اشتملت عليه جميع الكتب السماوية من الشرائع الحسنة وزيادة.
8. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله أوحى إليه بالسُّنة ، وهي المتضمنة لتفاصيل الشريعة [7].
9. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله أرسله للناس كافة ، إنـــسُــــهم وجِـــــنُّــــهم ، بينما أرسل غيره من إخوانه الأنبياء إلى أقوامهم خاصة ، قال تعالى ﴿وأرسلناك للناس كافة﴾ ، ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، وقال تعالى )وإذا صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قُضِي ولوا إلى قومهم منذرين( ... )يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم(.
وداعي الله المذكور في الآية هو النبي محمد ﷺ فهو الذي سمعوه يقرأ القرآن.
وقال ﷺ :
كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى كل أحمر وأسود
[8].
أراد بالأسود والأحمر جميع العالم ، والأحمر هو الأبيض ، فإن العرب تُسمِّي الأحمر أبيض [9].
10.ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله تعالى ختم به النبوات والرسالات ، ولهذا سمي بخاتم النبيين ،
قال الله تعالى
)ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين(.
[10]
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ :
إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجلٍ بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لَــــــبِـــــنَــــةٍ من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويَعجبون له ويقولون: هلا وُضِعت هذه اللـبِــنَــة؟ قال رسول الله ﷺ : فأنا اللَّــــــبِـــــنة ، وأنا خاتم النبيين
[11]
.
11. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله تعالى أخذ الميثاق على الرسل جميعا أنه إذا خرج فيهم النبي محمد ﷺ أن يؤمنون به وينصرونه ،
والدليل على هذا قول الله تعالى
)وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمِــنُــنَّ به ولتنصُرُنَّهُ قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين(. . لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمِــنُــنَّ به ولتنصُرُنَّهُ قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين(
[12].
وتفسير الآية: واذكر أيها الرسول إذ أخذ الله سبحانه العهد المؤكد على جميع الأنبياء لَئِنْ آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول من عندي مصدقٌ لما معكم من الكتب لتؤمنن به ولتنصرنَّه. فلما أقرُّوا بذلك قال: فليشهدْ بعضكم على بعض ، واشهدوا على أمَــــــمِكم بذلك ، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم.
وفي هذا أن الله أخذ الميثاق على كل نبي أن يؤمن بمحمد ﷺ ، وأَخَذَ الميثاق على أمم الأنبياء بذلك.
قال ابن كثير رحمه الله:
وقد ذكر غير واحد من العلماء أن كل معجزة لنبي من الأنبياء فهي في الحقيقة معجزة لخاتمهم محمد ﷺ ، وذلك أن كلا منهم بَشَّر بمبعثه ، وأُمِر بمتابعته ،
كما قال تعالى
)وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذلكم إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشَّاهِدِين * فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون(
[13].[14]
وقال أيضا في تفسير الآية المتقدمة:
فالرسول محمد خاتم الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، هو الإمام الأعظم الذي لو وُجِد في أي عصر لكان هو الواجب طاعته ، الـمُقدَّم على الأنبياء كلهم ، ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس ، وكذلك هو الشفيع في المحشر في إتيان الرب جل جلاله لفصل
القضاء بين عباده ، وهو المقام المحمود [15] الذي لا يليق إلا له ، والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين ، حتى تنتهي النوبة إليه ، فيكون هو المخصوص به صلوات الله وسلامه عليه[16].
12. ومن دلائل عظم قدره أن التوراة والإنجيل قد بشَّرت به وذكرت صفته ، وهما أقرب الكتب إلى القرآن الكريم وإلى وقت خروج النبي ﷺ ، وهذا قدر زائد على مجرد أخذ الميثاق عليهم في حياتهم أن يؤمنوا به وينصروه إذا خرج وهو فيهم ،
قال الله تعالى
)الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون(
[17].
أقول: والأناجيل المتوافرة بأيدي اليهود والنصارى اليوم، وكذلك التوراة المتوافرة بأيدي اليهود، كلها تتضمن ما يقرب من ثلاثين إشارة إلى النبي محمد ﷺ ، ولهذا قال ابن كثير في تفسير الآية المتقدمة: وهذه صفة محمد ﷺ في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته ، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم. انتهى.
أقول: وقد صدرت بحوث معاصرة باللغتين العربية والإنجليزية في هذا الموضوع ، وهي منشورة بحمد الله.
13. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله تعالى قد جمع فيه ما تفرق في غيره من الأنبياء مـما اختصهم به ، وهو الـخُلَّة والكلام والنبوة والرسالة ، والـخلة هي أعظم المحبة ، فهو خليل الله ، والله خليله ، وهو يشترك فيها مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وكذلك الكلام ؛ فقد كلمه الله يوم عُرِج به إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس.
كذلك فقد وصفه الله بالنبوة والرسالة في آيات كثيرة ، كقوله تعالى )يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك( ، وقوله )وأرسلناك للناس رسولا(.
وهذه الصفات الأربع لم تجتمع في نبي قط إلا في نبينا محمد ﷺ .
14. ومن دلائل عِظم قدر النبي ﷺ أنه جمع كل كمال وخير في الأنبياء قبله، قال ابن سعدي رحمه الله عند تفسير قوله تعالى ]أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه[:
أي: امشِ أيها الرسول الكريم خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم، وقد امتثل ﷺ ، فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم، فاجتمعت لديه فضائل وخصائص فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين، وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وبهذا الملحظ استدل بهذه من استدل من الصحابة أن رسول الله ﷺ أفضل الرسل كلهم. انتهى.
15. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله تعالى فضله على جميع الخلق أولهم وآخرهم ، الأنبياء وغيرهم ، في الدنيا والآخرة ، وفي الآخرة يتجلى هذا بكل وضوح ،
فقد قال ﷺ :
أنا سيد ولد آدم يوم القيامة
[18].
وقال ﷺ : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، ولا فخر[19].
وقال ﷺ : إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ، غير فخرج[20].
16. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله تعالى اتخذه خليلاً ، والــــخُــــلَّــــة أعلى درجات المحبة ، كما قال ﷺ : وقد اتخذ الله عز وجل صاحبكم خليلا[21].
17. ومن دلائل عِظم قدره ﷺ أنه أتقى الناس وأعلمهم بالله تعالى ،
كما قال ﷺ لصحابته:
أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له
[22].
18. ومن دلائل عظم قدره ﷺ أن الله جعله قدوة للناس ومثالا أعلى ، وأمر الناس كلهم بالاقتداء به مطلقا في ثلاث وثلاثين موضعا من القرآن [23]،
منها قوله تعالى
)لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا( ،
[24]
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: هذه الآية الكريمة أصلٌ كبير في التأسي برسول الله ﷺ في أقواله وأفعاله وأحواله. انتهى.
ومن الأدلة على وجوب الاقتداء برسول الله ﷺ
قوله تعالى
﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾
[25]
،
وقوله تعالى
]قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين[ ،
[26]
وقوله تعالى
]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون[،
[27]
وقوله تعالى
}يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم{.
19. ومن دلائل عِظم قدره ﷺ أن من اقتدى به صار عظيما ، فالصحابة رضوان الله عليهم اقتدوا به أكمل ما يكون الاقتداء فصاروا من أعظم الناس ، ثم التابعون ومن بعدهم من أصحاب القرون الثلاثة المفضلة الأولى ، ثم من بعدهم من العلماء والقادة ، على مر العصور والدهور ، كلهم اقتدوا برسول الله ﷺ ، فعلى شأنهم ، وارتفع قدرهم ، واهتدى الناس بعلمهم ،
تحقيقا لقول الله تعالى
)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات( ،
فلا زال الناس يذكرونهم بالجميل ، ويدعون لهم بالرحمة والمغفرة ، وعملهم المدون في الكتب يزداد مع الأيام ولا يتوقف لما استفاد الناس منه.
20. ومن دلائل عِظم قدر النبي ﷺ كثرة العلماء المجاهدين العُباد في صحابته، فإن كثرتهم تدل على عظيم قدر قائدهم الذي رباهم فصاروا علماء مجاهدين عُباد فتحوا الدنيا، وصاروا قدوة لمن بعدهم، وسيبقون كذلك إلى يوم القيامة.
وقد كان في صحابة النبي ﷺ جميع أنواع الشرائح المطلوبة في المجتمع لإقامة دين الإسلام، فمنهم من كان مستشارا خاصا للنبي ﷺ لإدارة شئون الدولة، كالخلفاء الأربعة.
ومنهم الفقهاء المُحدِّثون كابن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري ومعاذ بن جبل، ومن النساء عائشة رضي الله عنهم أجمعين.
وممن اعتلى في الجهاد خالد بن الوليد وأبو عبيدة عامر بن الجراح وأسامة بن زيد، رضي الله عنهم.
والكلام في هذا يطول جدا، ومن رجع إلى كتاب »سير أعلام النبلاء» لشمس الدين الذهبي رحمه الله وجد إرثا علميا ضخما يحكي أمجاد الصحابة رضي الله عنهم ومكانة كثير ممن تميز منهم بعلم أو عمل أو جهاد.
21. ومن دلائل عِظم قدر النبي ﷺ كثرة العلماء في أمته منذ عهد النبوة وإلى زماننا هذا، الذين حفظوا الدين، وساهموا في التأليف في شتى الفنون العلمية، كالعقيدة والتفسير والحديث والفقه، وتجديد ما اندرس من معالم دين الإسلام، ولا زال العلماء في كل قرن يقومون بدين الله ويجاهدون لنشر العلم وبثه بين الناس مهما كانت الظروف السياسية والاجتماعية والبيئية التي تحيط بهم.
وهذا في الحقيقة امتداد لما كان النبي ﷺ يفعله، وهو بث العلم بين الناس ونشره في الآفاق بقدر الإمكان، فعاد الفضل بعد الله إلى النبي ﷺ ، وهذا من دلائل عظمته.
وقد دَوَّن علماء التاريخ الإسلامي تراجمهم في كتبهم، ومن أشهر تلك الكتب الكتاب السالف ذكره »سير أعلام النبلاء» لشمس الدين الذهبي رحمه الله، وكذلك كتاب »معجم المؤلفين» لعمر رضا كحالة رحمه الله.
22. ومن دلائل عِظم قدر النبي ﷺ كثرة السابقين إلى الخيرات في أمته مقارنة بالأمم الأخرى، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير
قوله تعالى
]مِنهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون[
[28]
]ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون[،
[29]
وكقوله عن أتباع عيسى
]فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون
[30]
[، فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد، وهو أوسط مقامات هذه الأمة، وفوق ذلك رتبة السابقين،
كما في قوله تعالى
]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنات عدن يدخلونه
ا[31][ الآية.
انتهى.
وقال ابن سعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى ]مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُون[:
أي: من أهل الكتاب أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ، أي: عاملة بالتوراة والإنجيل، عملا غير قوي ولا نشيط، ]وكثير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُون، أي: والمسيء منهم الكثير، وأما السابقون منهم فقليلٌ ما هم. انتهى.
قلت: فإذا كان هذا هو حال أمة موسى التي هي أفضل الأمم بعد أمة محمد ﷺ ، فكيف بالأمم الأخرى؟
المراجع
- قَـــولي إنها مِـئة إنما هو بحدود بحثي واستقرائي ، وفوق كلِّ ذي علم عليم.
- اختلف العلماء رحمهم الله في تعريف النبي على عدة أقوال ، والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو أن النبي هو الذي أَوحى الله إليه بوحيٍ ، لينقله إلى المؤمنين الذين عنده ، كأنبياء بني إسرائيل ، يأمرون أقوامهم بما جاء في التـوراة التي أُنزِلت على موسى r .
وكذا اختلف العلماء في تعريف الرسول على عدة أقوال ، والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو أن الرسول هو الذي ينبئه الله ، ثم يأمره أن يبلغه رسالته إلى قوم كافرين كما حصل مع نوح وإبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام. ويشهد لصحة هذا المعنى أن نوحا وُصف بالرسالة مع أنه قد تقدمه أنبياء على مدى عشرة قرون ، منهم شيث وإدريس عليهما السلام ، وما ذاك إلا لأنه بُـــعِث لقوم كافرين أول ما وقع الشرك في الأرض ، بخلاف من تقدمه من الأنبياء ، فإنهم بُـــعِـــثوا إلى قوم مؤمنين. وعلى هذا فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا. انظر كتاب «النبوات» ، (2/714 ، 717) ، ابن تيمية ، تحقيق د. عبد العزيز بن صالح الطويان ، الناشر: دار العاصمة – الرياض. - سورة الأحزاب ، الآية: 7 .
- سورة الشورى ، الآية: 13 ، وانظر تقرير ابن كثير لهذه المسألة عند تفسيره لقوله تعالى )فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل(.
- ص 1107 .
- رواه البخاري (4981) ومسلم (152) ، واللفظ لمسلم.
- انظر لمعرفة ما تميزت به الشريعة الإسلامية من خصائص عظيمة كتاب: «خصائص الشريعة» للشيخ عمر بن سليمان الأشقر رحمه الله.
- رواه مسلم (521) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
- قاله ابن الأثير رحمه الله في «جامع الأصول» (6/232) ، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط ، ط 1 ، سنة 1432 ، الناشر: دار ابن كثير – دمشق.
- سورة الأحزاب: الآية 40 .
- رواه البخاري (3534) ، ومسلم (2286) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- سورة آل عمران: الآية 81 .
- سورة آل عمران: 81 .
- «البداية والنهاية» (6/382) ، كتاب دلائل النبوة ، باب التنبيه على ذكر معجزات لرسول الله مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء.
- أي كونه شفيع الناس في المحشر هو المقام المحمود المذكور في قوله تعالى )عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا(.
- «تفسير القرآن العظيم» ، باختصار يسير.
- سورة الأعراف: الآية 157 .
- رواه مسلم (2278) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- رواه الترمذي (3615) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، وصححه الألباني.
وقوله (ولا فخر) أي: ولا أقوله تفاخرا ، بل اعتدادا بفضله (أي فضل الله علي) ، وتحدثا بنعمته ، وتبليغا لما أمرت به. انظر «تحفة الأحوذي» للمباركفوري. - رواه أحمد في «المسند» (5/137) عن أُبَـي بن كعب عن أبيه ، وقال محققو «المسند» (35/169): صحيح لغيره.
وقوله (غير فخر) أي: ولا أقوله تفاخرا ، بل اعتدادا بفضله (أي فضل الله علي) ، وتحدثا بنعمته ، وتبليغا لما أمرت به. انظر «تحفة الأحوذي» للمباركفوري في شرح نظير هذا الحديث ، وهو الحديث الذي رواه الترمذي (3615) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. - رواه مسلم (2383) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
- رواه البخاري (5063).
- قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد أمر الله بطاعته في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن ، وقرن طاعته بطاعته ، وقرن بين مخالفته ومخالفته ، كما قرن بين اسمه واسمه ، فلا يذكر الله إلا ذكر معه. «مجموع الفتاوى» (19/103).
وهكذا قال الآجري في «الشريعة» ، ص 49 . - سورة الأحزاب: 21 .
- سورة الحشر: 7 ، وهذه الآية تفـيد أن الله تعالى أوجب في القرآن أخذ كل ما أتى به الرسول r جملة وتفصيلاً.
- سورة آل عمران: 32 .
- سورة الأنفال: 20 .
- سورة المائدة: 66 .
- سورة الأعراف: 159 .
- سورة الحديد: 27 .
- سورة المائدة: 66 .