البحث
الحق الثالث: اجتناب ما نهى عنه وزجر الجزء الأول
الحق الثالث: اجتناب ما نهى عنه وزجر
ضد طاعة النبي ﷺمعصيته ، وقد جاء التحذير من الله عز وجل من معصية النبي ﷺ
في قوله تعالى
ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين
[1]،
وقال
ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضل ضلالا مبينا
[2] ،
وقال
ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * ياويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا
[3]،
وقال
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم * لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أَلِيمٌ
[4].
جاء في «الكشاف» عند تفسير هذه الآيات: أراد عز وجل أن يريهم عِظم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله ﷺبغير إذنه إذا كانوا معه على أمر جامع [5]، فجعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله ، مع تصدير الجملة بـ «إنما» ، وإيقاع المؤمنين مبتدأ مخبراً عنه بموصول[6] أحاطت صلته بذِكر الإيمانَـين [7]، ثم عقّبه بما يزيده توكيداً وتشديداً ، حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله }إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله{ ، وضمّنه الحق الثالث:
اجتناب ما نهى عنه وزجر
ضد طاعة النبي ﷺمعصيته ، وقد جاء التحذير من الله عز وجل من معصية النبي ﷺفي قوله تعالى ]ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين[، وقال ]ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضل ضلالا مبينا[ ، وقال ]ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * ياويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا[، وقال }إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم * لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب عليم{.
جاء في «الكشاف» عند تفسير هذه الآيات: أراد عز وجل أن يريهم عِظم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله ﷺبغير إذنه إذا كانوا معه على أمر جامع ، فجعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله ، مع تصدير الجملة بـ «إنما» ، وإيقاع المؤمنين مبتدأ مخبراً عنه بموصول أحاطت صلته بذِكر الإيمانَـين ، ثم عقّبه بما يزيده توكيداً وتشديداً ، حيث أعاده على أسلوب آخر وهو
قوله
إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله
وضمّنه شيئاً آخر ، وهو أنه جعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين ، وعرَّض بالمنافقين وتسللهم لواذاً. انتهى باختصار يسير.
وقـال ابن كثــير رحمه الله: وهذا أيضا أدبٌ أرشد الله عباده المؤمنين إليه ، فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول ؛ كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف ، لاسيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، من صلاة جمعة أو جماعة أو اجتماع في مشورة ونحو ذلك ، أمرهم الله تعالى أن لا يتفرقوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته ، وإنَّ من يفعل ذلك فهو من المؤمنين الكاملين.
ثم قال
عند قوله
﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره﴾
: أي عن أمر رسول الله ﷺ، وهو سبيله ومنــهاجه وطريقــته وسنتـه وشريـعته ، فتـوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله ، فما وافق ذلك قُبل ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله ، كائناً من كان ،
كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله ﷺأنه قال:
(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
، أي فليحذر وليخشـى من خالف شريعة الرسول ظاهرا وباطنا أن تصيبهم فتنة ، أي في قلوبهم ، من كفر أو نفاق أو بدعة ، أو يصيبهم عذاب أليم ، أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك. انتهى.
وقال أيضا رحمه الله عند تفسيره
لقوله تعالى :
}ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً{
وقوله
}ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى{
؛ أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول ﷺ، فصار في شقٍّ والشرع في شق ، وذلك عن عمْد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له.
وقوله
}ويتبع غير سبيل المؤمنين{
؛ هذا ملازم للصفة الأولى ، ولكن قد تكون الـمخالفة لنص الشارع ، وقد تكون لما أجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما عُلِم اتفاقهم عليه تحقيقاً ، فإنه قد
ضُمِنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفاً لهم وتعظيماً لنبيهم ، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك.
ثم قال: ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله
}نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً{
، أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نُحسِّنها في صدره ونـزينها له استدراجاً له ، كما قال تعالى
}فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون{
، وقال تعالى
}فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم{
، وقوله
}ونذرهم في طغيانهم يعمهون{.
وجعل النار مصيره في الآخرة ، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلاَّ إلى النار يوم القيامة. انتهى كلامه رحمه الله.
وقد جاءت السنة كذلك في التحذير من معصية النبي ﷺفي قوله:
إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم
[8].
ومعصية النبي ﷺسبب للعقوبة في الدنيا قبل الآخرة ،
فقد ثبت من حديث سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول الله ﷺ بشماله ، فقال له:
كل بيمينك ، قال: لا أستطيع ، فقال له ﷺ: لا استطعت ، ما منعه إلا الكِبر ، قال: فما رفعها إلى فيه
[9].
وعن أبي حميد الساعدي قال:
غزونا مع رسول الله ﷺ غزوة تبوك ، فلما أتينا تبوك قال: أما إنها ستهبُّ ريحٌ شديدة ، فلا يقومن أحدٌ ، ومن كان معه بعير فليعقِلْه. فعقلناها ، وهبَّت ريح شديدةٌ فقام رجل فألقته بجبل طَيْء
[10].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي ﷺدخل على أعرابي يعوده ،
وكان النبي ﷺإذا دخل على مريض يعوده قال: (لا بأس ، طهور إن شاء الله) ، فقال له: لا بأس ، طهور إن شاء الله. قال[11]: قلت: طهور؟ كلا ، بل هي حمى تفور - أو تثور - ، على شيخ كبير ، تُزيره القبور. فقال النبي ﷺ: فنعم إذا[12].
وعن سعيد بن المسيَّب بن حزْن عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي ﷺ
فقال: ما اسمك؟ قال: حَـزَن. قال: أنت سهل. قال: ما أنا بمغير اسماً سمانيه أبي. قال ابن المسيَّب: فما زالت فينا الحزونة بعد[13].
· فصل في أنواع المعصية
ومعصية النبي ﷺأربعة أنواع ، صغائر وكبائر وبدع وكفر.
فأما الكبيرة فهي كل ذنب ورد في حق فاعله لعنة أو غضب أو وعيد بالنار أو حد ، قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: وهذا أمثل الأقوال[14].
وصاحب الكبيرة تحت المشيئة في الآخرة ، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له ، فعلى هذا فينبغي الحذر من الوقوع في الكبائر ، قال تعالى )إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما(.
ومن ذلك السرقة وشرب الخمر وأكل الربا والزنا وقطيعة الرحم ونحو ذلك ، فكل هذه ورد فيها إما حدٌّ في الدنيا أو نص على عقوبة في الآخرة أو كلاهما.
وأما الصغيرة فهي الذنب الذي لم يرد فيه حد في الدنيا ولا وعيد خاص في الآخرة[15].
غير أنه ينبغي التنبيه إلى أن الصغيرة إذا استمر عليها الإنسان ولم يتب منها صارت كبيرة ،
فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺقال:
(إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه) ، وإن رسول الله ﷺضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة ، فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوادا فأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها)[16]
، ولهذا قالت العلماء: الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة[17].
وأما الكفر فهو ارتكاب شيء من نواقض الإسلام ، كعبادة غير الله ، من الأنبياء أو الصالحين أو قبورهم ، أو سب الله أو رسوله أو الدين ، أو الاستهزاء بشيء منها ، أو رد شيء معلوم من الدين بالضرورة كالإيمان بالله أو إنكار أن شرب الخمر حرام – مثلا ، أو اعتقاد أن غير هدي النبي ﷺأفضل من هدي النبي ﷺ، أو ارتكاب السحر ، أو مظاهرة الكافرين على المؤمنين رغبة في دينهم.
وموجبات الوقوع في الكفر كثيرة ، ذكرها الفقهاء في كتب الفقه في باب المرتد.
· فصل في البدعة
وأما البدعة ؛ فالابتداع لغة هو الاختراع والإحداث ، وشرعا هو إحداث عبادة أو اعتقاد في الدين لم تأت بها الشريعة.
والبدع تكون في الاعتقادات وتكون في الأعمال ، أي العبادات.
وسيأتي مزيد كلام في البدعة في الحق الرابع إن شاء الله.
ودوافع معصية النبي ﷺ- بأنواعها الأربعة المذكورة - لا تخرج عن ثلاثة: اتباع هوى النفس ، القول بالرأي ، التقليد الأعمى.
· فصل في اتباع الهوى
اتباع الهوى – أي هوى النفس - يقود إلى أنواع المعاصي الأربع كلها ، فإنه يقود إلى ارتكاب الصغائر ، كالنظرة الحرام مثلا ، ثم إذا أصر المرء على تلك الصغيرة ؛ اجتمعت تلك الصغائر فصارت كبيرة ، كما تقدم.
واتباع هوى النفس يقود أيضا إلى ارتكاب كبائر الذنوب كالزنا وآفات اللسان كالكذب والغيبة وأكل الربا وشرب الخمر والصلاة عند القبور وغير ذلك من الذنوب التي ورد في حقها الوعيد الشديد لمن ارتكبها.
واتباع الهوى يقود أيضا إلى الوقوع في البدع ، والابتداع هو فعل عبادات لـم ترد في الكتاب ولا في السنة ، كالتسبيح الجماعي بعد الصلوات ، وصلاة الظهر بعد صلاة الجمعة ، والاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج ، وغير ذلك من الأفعال التي يرتكبها بعض الناس لتقربه إلى الله ، وهي لا تزيده إلا بعدا ، لأنها لم يشرعها الله ، وقد سماها النبي ﷺضلالة ، كما في الحديث: كل بدعة ضلالة.
كما أن هوى النفس يقود أيضا إلى الكفر ، فكم من إنسان يعرف أن دين الإسلام هو دين الحق الذي لا يقبل الله دينا سواه ، ومع هذا يعرض عنه تقليدا لما كان عليه آباؤه وأجداده ، وهذا هو عين الانقياد لهوى النفس ، كما فعل أبو طالب عم النبي ﷺلما رفض الدخول في دين الإسلام ، ليس بدافع كراهية الحق ، وإنما بدافع الخوف من ملامة قومه أو سبهم له ، فقال في «لاميته»:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
وقال فيه أيضًا:
لقد علِموا أن ابننا لا مُكذَّب لدَينا ولا يُعنى بقول الأباطل
ومن مظاهر الهوى ؛ الحسد ، وقد ردت اليهود دعوة النبي ﷺحسدا للعرب لكون النبي ﷺمنهم ، وإلا فإنهم يعرفون أنه نبي من عند الله ، وصفته مذكورة في كتبهم ، ولكنهم كانوا يترقبون خروجه منهم – أي من اليهود - ، فلما خرج من العرب ردوا دعوته وكفروا بها حسدا من عند أنفسهم ،
قال الله تعالى عنهم
]الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون[.
ومن مظاهر الهوى ؛ الكبر ، ومن هذا إباء الشيطان أن يسجد لآدم لما أمره الله بذلك ، لكونه قد خُلِق من نار وخلق آدم من طين.
وربما كان هناك صور أخرى لاتباع الهوى توجد في مظانها[18].
وقد جاء تحذير السلف رحمهم الله - من الصحابة والتابعين - من اتباع الهوى ، ومن ذلك ما قاله الشعبي: إنما سميت الأهواء لأنها تهوي بصاحبها في النار[19].
قال أبو العالية: ما أدري أي النعمتين علي أعظم ؛ إذ أخرجني الله من الشرك إلى الإسلام ، أو عصمني في الإسلام أن يكون لي فيه هوى[20].
· فصل في القول بالرأي
المقصود بالرأي هو الرأي الباطل الغير مستند إلى دليل أو قياس صحيح ، وإنما مستنده ثلاثة أمور ؛ إما الإعجاب بالعقل ، ومن ثم تقديم ما يمليه عليه عقله على الدليل النقلي ، أو القياس الخاطئ ، أو الاستحسان والذوق.
فأما الإعجاب بالعقل فمن أمثلته أن رد بعض المعجبين بعقولهم
حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال:
إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء
[21].
وآخر من علماء الجيولوجيا سألته شخصيا عن حديث ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ : نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن ، فسودته خطايا بني آدم[22].
فقال إن سبب سواده هو وجود مادة النيكل فيه ورد الحديث !!!
وآخر من علماء الجيوفيزياء أخبرني شخصيا بالوقت الذي تقوم فيه الساعة – بزعمه - بناء على حسابات رياضية!
وأما القياس الخاطئ فغالب من يقع فيه من لا يعرف ضوابط القياس الشرعي الصحيح فيخطئ الإجابة.
وأما مسألة الاستحسان والذوق فغالبه استحسان عبادات لم تأت في الشريعة ، وهي التي تعرف بالبدع ، ومن الأمثلة على ذلك أن
ما رواه أنس بن مالك أن ثلاثة رهط [23]أتوا إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ ،
فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها [24]، فقالوا: وأين نحن من النبي ﷺ ، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء إليهم رسول الله ﷺ فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني[25]. وفي رواية مسلم: (لا آكل اللحم) بدلا من (أصوم ولا أفطر).
ولسان حال المبتدع أن الله لم يتم الدين ، أو أن النبي ﷺلم يبلغه ، وأنه أعلم بدين الله من النبي ﷺوصحابته ، وكل هذه الدعاوى الثلاث باطلة ، وسيأتي - قريبا إن شاء الله - ذكر بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار السلفية في الحث على الاعتصام بالقرآن والسنة والحذر من البدع التي ابتدعها من جاء بعد القرون الثلاثة المفضلة الأولى.
وقد جاء تحذير السلف رحمهم الله - من الصحابة والتابعين - من القول بالرأي ، فقد قال علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله ﷺيمسح على ظاهر خفيه[26].
وروى الدارمي عن ابن عباس قال:
من أحدث رأيا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة من رسول الله ﷺ؛ لم يُدر ما هو عليه إذا لقي الله عز وجل
[27].
وكتب عمر بن عبد العزيز: إنه لا رأي لأحد في كتاب الله ، وإنما رأي الأئمة فيما لم ينـزل فيه كتاب ولم تمض به سنة من رسول الله ﷺ، ولا رأي لأحد في سنةٍ سنها رسول الله ﷺ[28].
وعن عمر بن عبد العزيز قال: سن رسول الله وولاة الأمر بعده سننا ، الأخذ بـها تصديق لكتاب الله ، واستكمال لطاعته ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ، ولا النظر في رأي من خالفها ، فمن اقتدى بما سنّوا اهتدى ، ومن استبصر بها تبصر ، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً[29].
وروى الدارمي عن أبي نضرة قال: لما قدم أبو سلمة البصرة أتيته أنا والحسن ، فقال للحسن: أنت الحسن؟ ما كان أحد بالبصرة أحب إلي لقاء منك ، وذلك أنه بلغني أنك تفتي برأيك ، فلا تفت برأيك إلا أن تكون سنة عن رسول الله ﷺ أو كتاب مُـنَـزل[30].
ولقي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جابر بن زيد في الطواف فقال: يا جابر ، إنك من فقهاء أهل البصرة ، وإنك سَـتُـســتَـــفتى ، فلا تُـــفتِــيَـنَّ إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية ، فإنك إن فعلت غير
ذلك فقد هلكت وأهلكت[31].
وروى ابن عساكر عن أبي بصرة أن أبا سلمة - وهو قاضي المدينة وفقيهها - قدم البصرة ، فلما رأى الحسن قال له: من أنت؟ فقال: أنا الحسن بن أبي الحسن ، قال: ما كان بهذا المصر أحد أحب إلي أن ألقاه منك ، وذلك أنه بلغني أنك تفتي الناس ، فاتق الله يا حسن ، وافت الناس بما أقــول لك ، وافتِهم بشيء من القـرآن قد علِمته ، أو سنـة ماضـية قد بيَّــنتها الصـالحون والخـلفاء ، وانظر رأيك الذي هو رأيك فألقه[32].
وعن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما قال:
سمعت رسول الله ﷺيقول: إن الله لا ينـزِع العلم بعد إن أعطاكموه انتزاعاً ، ولكن ينـتزِعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهال يُستفتون فيُفتون برأيهم ، فيَضلون ويُضلون
[33].
وروى سعيد بن منصور في «سننه» عن ابن أبي مليكة قال: سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن آية من كتاب الله عز وجل ، قال: أيةُ أرض تقلني ، أو أيةُ سماء تظلني ، أو أين أذهب وكيف أصنع إذا أنا قلت في آية من كتاب الله بغير ما أراد الله بها؟ [34]
وروى البيهقي عن عبيد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اتقوا الرأي في دينكم[35].
وروى ابن عبد البر عن عمرو بن حريث قال: قال عمر رضي الله عنه: إياكم وأصحاب الرأي ، فإنهم أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي ، فضلوا وأضلوا[36].
وبإسناده عن عبد الله قال: لا يأتي عليكم زمان إلا وهو شر من الذي قبله ، أما إني لا أقول أمير خير من أمير ، ولا عام أخصب من عــام ، ولكن فقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفا ، ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم[37].
وبإسناده عن ابن عباس قال: إنما هو كتاب الله وسنة رسوله ، فمن قال بعد ذلك برأيه فما أدري أفي حسناته يجد ذلك أم في سيئاته[38].
وروى الدارمي في «سننه» بسنده عن الشعبي قال: ما جاءكم به هؤلاء من أصحاب رسول الله ﷺ فخذوا به ، وما كان من رأيهم فاطرحوه في الـحُش[39].[40]
المراجع
- سورة النساء: 14
- سورة الأحزاب: 36 .
- سورة الفرقان: 27 – 29 .
- سورة النور: 62 – 63 .
- سيأتي بيان المقصود من الأمر الجامع في كلام ابن كثير التالي إن شاء الله.
- وهو قوله ]الذين[.
- أي قوله ]أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله[.
- تقدم تخريجه.
- رواه مسلم (2021).
- رواه البخاري (1482) ومسلم (1392).
- أي الأعرابي.
- رواه البخاري (3616).
- رواه البخاري (6190).
- انظر «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي ، (2/525) ، و «مجموع فتاوى ابن تيمية» (11/650) ، والجرجاني في كتابه «التعريفات».
- انظر «مجموع فتاوى ابن تيمية» (11/650 – 651) ، وعزا هذا القول لابن عباس وأبو عبيد القاسم بن سلام والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم ، وقال: هو أمثل الأقوال.
- رواه أحمد (1/402 – 403) ، وقال محققو «المسند»: حسن لغيره.
- قاله النووي في شرحه على صحيح مسلم ، شرح حديث رقم (87).
- يراجع للاستزادة كتاب «اتباع الهوى ، خطره ، مظاهره ، علاجه» ، للدكتور سليمان الغصن ، الناشر: دار العاصمة – الرياض.
- رواه اللالكائي (229).
- رواه اللالكائي (230).
- رواه البخاري (5782).
- رواه الترمذي (877) وقال: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح.
- الرهط هم العدد من الرجال.
- وهذا موضع الشاهد.
- رواه البخاري (5063) ، ورواه مسلم (1401) بنحوه.
- رواه أبو داود رقم (162) وغيره ، وصححه الألباني رحمه الله ، وهو مروي عن عمر ، رواه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (479).
- رواه الدارمي في المقدمة ، باب الفتيا وما فيها من الشدة ، وابن وضاح في «البدع والنهي عنها» ، باب تغيير البدع.
- رواه الدارمي في المقدمة ، باب ما يتقا من تفسير حديث النبي r ، وذكره المروزي مختصرا عن بعض السلف عن عمر بن عبد العزيز في «تعظيم قدر الصلاة» (745).
- رواه الخطيب البغدادي في كتاب «الفقيه والمتفقه» ، باب القول في انه يجب اتباع ما سنّه أئمة السلف (455) ، و «الشريعة» للآجري (1/106) ، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/320).
- رواه الدارمي في المقدمة ، باب الفتيا وما فيها من الشدة.
- رواه أبو نعيم في «الحلية» ، (3/102) ، والدارمي في سننه ، باب الفتيا وما فيها من الشدة ، والخطيب في كتاب «الفقيه والمتفقه» (490).
- «تاريخ دمشق» (29/306) ، الناشر: دار الفكر – بيروت.
- رواه البخاري (7307) ، ومسلم (2673) ، واللفظ للبخاري.
- ص 168 .
- «المدخل إلى السنن الكبرى» (210) ، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/210).
- «جامع بيان العلم وفضله» (2/211) ، وقد روي هذه الأثر بعدة أسانيد عن عمر ، قال عنها ابن القيم رحمه الله: وأسـانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة. «إعلام الموقعين» ، فصل في تحريم الإفتاء في دين الله بالرأي ، (1/63).
- «جامع بيان العلم وفضله» (2/211).
- «جامع بيان العلم وفضله» (2/214).
- الحش هو مكان قضاء الحاجة. انظر «النهاية».
- المقدمة ، باب في كراهية أخذ الرأي.