1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. الحكمة من فترة الاستخفاء

الحكمة من فترة الاستخفاء

الكاتب : صالح أحمد الشامي

الحكمة من فترة الاستخفاء

تبين لنا مما سبق أن هذه الفترة استمرت حتى نهاية العام السادس من البعثة، يوم أسلم عمر، وظهر المسلمون، وانتهى دور دار الأرقم فيما يبدو.

وفي هذه الفترة كان الناس بين معلن ومستخف، فهذا عمر بن الخطاب قبل إسلامه يلتقي بأم عبدالله بنت أبي حثمة، زوج عامر بن ربيعة وهي تعد نفسها للرحيل مع زوجها إلى الحبشة، فيقول لها: إنه للانطلاق يا أم عبدالله؟ قالت: فقلت: نعم والله لنخرجن في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا. . إنها وزوجها بكل هذا الوضوح تعلن عن الخروج. . وعمر نفسه يوم أسلم بعد ذلك لم يكن يدري أن أخته وزوجها قد أسلما. . إنها قضية كانت متروكة للأفراد الذي يسلمون، فيكون إعلان إسلامهم حسن رغبتهم.

وإن الباحث في هذه الفترة من حياة الدعوة يجد أن هذا الاستخفاء كان ينطوي على أكثر من فائدة ومصلحة للمسلمين ومن ذلك:

1- إيصال المعلومات: إن آيات القرآن الكريم كانت تنزل يتبع بعضها بعضاً وفيها التوجيهات الإلهية الكريمة، وكان لا بد لكل فرد مسلم من معرفة ذلك، فهذه الآيات هي التي تقود الجماعة في طريق الحق. . وقد وقفت قريش عقبة في سبيل ها التبليغ، وقد حكى القرآن هذا الموقف، فقال تعالى:

{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ وَٱلْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}

(1)

 وإذا كان هذا موقفهم فكيف يسمحون للرسول الكريم بالاجتماع بأصحابه ليبلغهم الوحي. .؟.

وفي سبيل هذا التبليغ كان المسلمون منقسمين إلى جماعات صغيرة يلتقون في البيوت على قراءة كلام الله تعالى وحفظه، ومن لا يستطيع الوصول إلى دار الأرقم كانت تصله الآيات مكتوبة، ويصل إليه من يتلوها عليه ويعلمه إياها. . وقد رأينا النموذج الواضح لهذه الجماعات في اجتماع سعيد بن زيد وزوجته فاطمة وخباب بن الأرت ورجل آخر لم يسم حينما طرق الباب عليهم عمر وهم يقرؤون القرآن ويتدارسونه.

2- تخفيف آلام الصحابة: كانت عمليات القهر والإيذاء قائمة لمن عرف إسلامه وكان هؤلاء يأتون إلى دار الأرقم، أو إلى حيث يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخفف آلامهم ويمسح جراحهم ويثبتهم. . وقد جاء أبو بكر يوماً بعد أن ضرب ضرباً شديداً في المسجد، جاء إلى دار الأرقم. . فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله. . ورق له رقة شديدة (1).

3- الابتعاد عن الفتنة: من واقعية هذا الدين أنه لا يطلب من الناس ما لا يطيقون، وبما أن الناس ليسوا جميعاً في مستوى واحد في قدرتهم على تحمل الفتنة، فإن الاستخفاء يتيح لبعضهم بعض الأمن ولو إلى مدة من الزمن قبل أن يكتشف أمرهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على إبعاد الأذى عن أتباعه ما أمكنه ذلك.

4- التدرب والاستعداد: وتعد فترة الاستخفاء مرحلة تدرب على واقع جديد يتدرب فيه المسلم على المفاهيم الجديدة، كما يتعرف على أعضاء مجتمعه الجديد، مما يقوي صلة المسلمين ببعضهم، ويرفع من معنوياتهم. . وهذا ما يجعلهم أكثر قدرة على تحمل البلاء عند وقوعه إذا ما انكشف أمرهم.

5- رصد حركة الأعداء: وكان من فوائد الاستخفاء رصد حركة أعداء الدعوة بحيث تستطيع الجماعة أخذ زمام المبادرة في الحذر منهم، وإبطال ما يسعون له.

والمثال القريب لذلك، ما فعله نعيم بن عبدالله النحام، فإنه لما رأى عمر متوشحاً سيفه، شك في أمره وارتاب في مقصده مما دفعه إلى سؤاله فقال: أين تريد يا عمر؟ فقال: أريد هذا الصابئ. . فقال له نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ فقال: وأي أهل بيتي؟ قال: ابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة.

إن استخفاء نعيم بإسلامه أتاح له أن يحول هذا التيار القوي عما أراده إلى جهة أخرى، وأن يهون له من شأن نفسه التي تعاظمت، ولو كان معلناً إسلامه لما استطاع أن يتعرض له، فضلاً عن أن يثنيه عن عزمه.

نتناول في هذا الفصل أمر الجهر بالدعوة، فنبحث أولاً حركة جهره صلى الله عليه وسلم بالدعوة، ومراحل تصعيد هذا الجعر، ثم نبحث مشاركة الصحابة رضي الله عنهم ودورهم في هذا الميدان.

المراجع

  1. سورة فصلت: الآية 26.
  2. انظر (من معين السيرة) ص 69- 72.


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day