البحث
لا هجرة إلى مكة
لا هجرة إلى مكة
وإذا كنا في صدد الحديث عن مسار التربية الاجتماعية في النفوس. فإنه يحسن بنا أن نعرج في الحديث على بنية الجماعة المسلمة في مكة.
يلاحظ في هذه البنية أنها ظلت قاصرة على المسلمين من أهل مكة أو من هو مقيم بها. وأما الذين أسلموا ممن هم من خارجها فإنهم لم يؤذن لهم بالإقامة فيها.
ففي حديث إسلام أبي ذر: أنه صلى الله عليه وسلم قال له بعد إسلامه:
"ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري" (1)
وفي قصة إسلام عمرو بن عبسة قال: فقلت إني متبعك قال [صلى الله عليه وسلم]:
"إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا. ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني" (2).
إن الذين أسلموا في مكة كان لهم من يحميهم من قبائلهم وعشائرهم، نعم إنهم قد اضطهدوا وعذبوا ولكن ذلك لم يصل إلى درجة الموت تحت التعذيب كالذي حصل لياسر وزوجته سمية إذ لم يكن لهما قبيلة في مكة. أما من كانت له قبيلة فإنها كانت تجول دون ذلك.
قال ابن إسحاق: مشى رجال إلى هشام بن الوليد، حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد، وكانوا أجمعوا على أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا، منهم: سلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة. قال: فقالوا له - وخشوا شرهم -: إنا قد أردنا أن نعاتب هؤلاء الفتية على الدين الذي أحدثوا. فإنا نأمن بذلك في غيرهم. قال: هذا، فعليكم به فعاتبوه، وإياكم ونفسه، فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلاً. (3).
وهكذا كان الوضع لمن هو في مكة من أهلها، وأما الأرقاء فقد يسر الله لهم أبا بكر وأمثاله من المسلمين الذين كانوا يحررونهم.
كانت رغبته صلى الله عليه وسلم ألا يحمل المسلمون ما لا طاقة لهم به أو ما يمكن تفاديه، فالذين يسلمون من خارج مكة لا ناصر لهم فيها، وبقاءهم فيها ليس وراءه حكمة في الوقت الذي كان صلى الله عليه وسلم يفتش فيه عن مكان آمن لأصحابه، فكان أمره برجوعهم إلى أقوامهم، حتى إذا سمعوا بظهوره جاؤوا إليه.
وهذا يدل دلالة واضحة على قناعته صلى الله عليه وسلم وفي وقت مبكر أن مكة لن تكون مكاناً لقيام دولة الإسلام.
المراجع
- رواه مسلم برقم 2474.
- رواه مسلم برقم 832.
- سيرة ابن هشام 1/ 321.