1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. الإعداد في يثرب

الإعداد في يثرب

الكاتب : صالح أحمد الشامي

2- الإعداد في يثرب:

كان لا بد من إعداد المكان المهاجر إليه، بما لا يقل عن الإعداد الأول، ونذكر بعض ذلك:

- سبق ذكر رواية ابن إسحاق بصدد بدء إسلام الأنصار. وقد ذكر أنه كان من صنع الله ما كان بين الأوس والخزرج من جانب وبين اليهود من جانب آخر، وتوعد هؤلاء ببعثة نبي قد أظل زمانه. .

فقد كانت هذه القضية تهيئة نفسية وقناعة مسبقة بناء على قول اليهود. فلما التقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم عملياً تحقق لهم ما كان استقر في نفوسهم فكانوا على يقين منذ اللحظات الأولى أنهم يتعاملون مع نبي ورسول. وتلك قضية لا يستهان بها ونحن نتحدث عن التمهيد للهجرة.

- ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسارع بالانتقال إليهم من الأيام الآولى وإنما أخر ذلك لأكثر من عامين، حتى تأكد من وجود القاعدة الواسعة نسبياً، كما كان في الوقت نفسه يتم إعدادها في أجواء القرآن الكريم وخاصة بعد انتقال مصعب إلى المدينة.

- ولقد تأكد أن الاستعداد لدى الأنصار قد بلغ كماله وذلك بطلبهم هجرة الرسول الكريم إليهم. ففي حديث جابر عند الإمام أحمد (. . حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام. ثم ائتمروا جميعاً فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه الموسم، فواعدناه شعب العقبة. . ) (1).

ويلاحظ من هذا النص أن خروجهم إلى الموسم بهذا العدد كان مقصوداً، وغايته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة إليهم. . ثم كانت البيعة.

- كما كانت المناقشات التي جرت في بيعة العقبة تؤكد الحرص الشديد من الأنصار على تأكيد البيعة والاستيثاق للنبي صلى الله عليه وسلم بأقوى المواثيق على أنفسهم، وكان في رغبتهم أن يميلوا على أهل منى ممن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسيافهم لو أذن الرسول الكريم بذلك، ولكنه قال لهم: لم أومر بذلك.

وهكذا تم الإعداد لأهل يثرب ليكونوا قادرين على استقبال المهاجرين وما يترتب على ذلك من تبعات.

طلائع المهاجرين:

كانت بيعة العقبة الأولى إيذاناً بأن المدينة هي المكان الذي سيستقر فيه المهاجرون من أهل مكة.

ويعد أبو سلمة بن عبدالأسد أول المهاجرين، ويبدو أن هجرته كانت عقب هذه البيعة. . وقد كان أراد الهجرة مع زوجته وابنه ولكن أهل زوجته منعوها ثم سمحوا لها بعد سنة.

وفي هذا الوقت بعث صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلمهم القرآن. .

ولكن الهجرة لم تأخذ مداها الواسع، إلا بعد بيعة العقبة الثانية حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة إلى إخوانهم في المدينة وقال: "إن الله عز وجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها",

وخرج المسلمون أرسالاً. . فقدم المدينة بعد أبي سلمة، عامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة، ثم عبدالله بن جحش مع أهله وأخيه أبي أحمد. . (1).

وتتابع المسلمون بعد ذلك. .

وخرج عمر بن الخطاب في عشرين (2). . وخرج كل قادر ممن لم يحبس أو يمنع من الخروج. .

وكان الأنصار ينتظرون قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي حديث البراء عند الإمام أحمد أنه لما قدم عمر قالوا له: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو على إثري. . (3).

وهكذا هاجر المسلمون إلى المدينة، حتى إن بعضهم ممن هاجر إلى الحبشة، رجع إلى مكة بعد سماعه بالإذن بالهجرة إلى المدينة، ثم هاجر منها إلى المدينة، ومن هؤلاء عبدالله بن مسعود في ثلاثة وثلاثين . . إلا أن بعضهم حبس بمكة ومنع من الخروج.

المراجع

  1. حياة الصحابة للكاندهلوي 1/ 245.
  2. سيرة ابن هشام 1/470.
  3. هذا لا يتعارض مع خبر اتفاقه مع عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص. . على الهجرة، لأن المهاجرين كانوا يخرجون سراً ويتواعدون على أماكن اللقاء خارج مكة. وأما قصة هجرته علناً فهي رواية ساقطة فيها ثلاثة رواة في عداد المجهولين [انظر أضواء على دراسة السيرة للمؤلف].
  4. حياة الصحابة للكاندهلوي 1/344.
المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day