البحث
التربية الجهادية
الفصل الخامس التربية في المرحلة الثالثة
نقصر الحديث في هذا الفصل على جانبين من جوانب التربية هما:
- التربية الجهادية.
- والتربية الاقتصادية.
(1)
التربية الجهادية بين مرحلتين
كانت سورة "محمد صلى الله عليه وسلم" (1) قد نزلت - في أغلب الظن - بين غزوتي أحد والأحزاب، وفيها حث للمؤمنين على المشاركة في أعمال الجهاد، وعدم التباطؤ، وفيها تلك اللهجة القوية التي تتناسب مع أهداف السورة وما سميت به وهو "القتال" وبحسن بنا أن نذكر بعض آياتها. .
{فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ } (الآية: 4).
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِن تَنصُرُوا ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (الآية: 7).
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ ٱلْكَٰفِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ} (الآية: 11).
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ} (الآية: 31).
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوٓا إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ} (الآية: 35).
{هَٰٓأَنتُمْ هَٰٓؤُلَآءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓا أَمْثَٰلَكُم} (الآية: 38).
ولقد استقام المؤمنون مع هذه التوجيهات القرآنية والإرشادات النبوية التي كانت توضحها وتعضدها.
ولم يأت صلح الحديبية حتى كانت النفوس قد استوعبت هذه المعاني وأصبحت سجية من سجاياها. ولعل ما حدث من موقف المؤمنين بالنسبة للصلح كان بسبب هذا الاندفاع الجهادي الذي كان نتيجة للتربية في الفترة السابقة.
ويقارن سيد قطب رحمه الله بين سورتي القتال والفتح فيقول:
"وبالموازنة بينها - سورة الفتح - وبين إيحاءات سورة محمد. . يتبين مدى ما طرأ على الجماعة المسلمة في موقفها كله من تغيرات عميقة، في مدى السنوات الثلاث، التي نرجح أنها تفرق بين السورتين في زمن النزول. ويتبين مدى فعل القرآن الكريم، وأثر التربية النبوية الرشيدة لهذه الجماعة. .
"واضح في جو سورة الفتح وإيحاءاتها أننا أمام جماعة نضج إدراكها للعقيدة، وتجانست مستوياتها الإيمانية، واطمأنت نفوسها لتكاليف هذا الدين، ولم تعد محتاجة إلى حوافز عنيفة الوقع كي تنهض بهذه التكاليف في النفس والمال، بل عادت محتاجة إلى من يخفض حميتها. . وفق حكمة القيادة العليا للدعوة".
"لم تعد الجماعة المسلمة تواجه بمثل قوله تعالى:
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوٓا إِلَى ٱلسَّلْمِ.. }
ولا يمثل قوله تعالى:
{هَٰٓأَنتُمْ هَٰٓؤُلَآءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ . .}
ولم تعد في حاجة إلى حوافز قوية للجهاد بالحديث عن الشهداء. .".
"وإنما صار الحديث عن السكينة التي أنزلها الله في قلوب المؤمنين، أو أنزلها عليهم، والمقصود بها تهدئة فورتهم وتخفيض حميتهم. ." (2).
وإذن فقد آتت التربية الجهادية ثمارها، وكانت هذه الفترة الأخيرة بدءاً من صلح الحديبية مواسم لقطف هذه الثمار. ونعطي نماذج لذلك.
المراجع
- تسمى هذه السورة أيضاً سورة القتال.
- في ظلال القرآن، في تفسير سورة الفتح.