1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. التربية الاقتصادية

التربية الاقتصادية

الكاتب : صالح أحمد الشامي

التربية الاقتصادية


تناولت التربية الاقتصادية في هذه المرحلة جوانب متعددة، منها ما هو هو موجه إلى القادة، ومنها ما هو بيان للقيمة المالية للإنفاق، ومنها ما هو تحذير على المسلمين من الانغماس في الدنيا. . ونتحدث عن كل من هذه الجوانب.

توجيه للقادة:

إن القضايا المالية تظل لها مكانتها في نفوس الناس مهما كان شأنهم، وتلك فطرة الله التي فطر الناس عليها. ومطلوب من كل قائد وكل مسؤول يوكل إليه أمر ذلك أن يعدل بين الناس، وإذا كان هناك من وجهة نظر في تميز بعض الناس فليكن أمر هذه الوجهة واضحاً أمام الجميع، حتى لا يكون للشيطان مدخل إلى النفوس.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يوزع غنائم بني النضير جمع الأنصار، وبعد أن حمد الله وأثنى عليه، وذكر الأنصار بما صنعوا من إكرام إخوانهم المهاجرين، قال: إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله علي من النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكن في منازلكم.

فبين لهم وجهة نظره صلى الله عليه وسلم في التوزيع على المهاجرين خاصة حتى لا يكون في النفوس شيء. .

وهذا كان أمره صلى الله عليه وسلم في كل ما كان للشيطان منه مدخل، فإنه كان يغلق هذا المدخل (1).

وفي هذه الفترة التي نتحدث عنها كانت غنائم هوازن التي حصل عليها المسلمون إثر غزوة حنين:

وبدأ صلى الله عليه وسلم بالأموال فقسمها، أعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس، فأعطى أبا سفيان بن حرب مئة بعير، فقال: ابني يزيد؟ فأعطاه مئة بعير، فقال: ابني معاوية؟ فأعطاه مئة بعير. . وأعطى وأعطى. .

كانت تلك الأعطيات الكبيرة في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء. فأثر ذلك في الأنصار، ووجدوا في أنفسهم، حتى قال قائلهم: لقي - والله - رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، وقال بعضهم: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟.

ودخل سعد بن عبادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن هذه الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، أعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء. قال: "فأين أنت من ذلك يا سعد؟" قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي. قال: "فاجمع قومك في هذه الحظيرة. .".

جرى هذا الحديث من الأنصار والرسول صلى الله عليه وسلم مشغول بتوزيع الغنائم فلم يكن هناك وقت ليحدثهم عن أسباب هذا التوزيع، ولو انتظروا حتى يفرغ لكان إليه وشرح لهم الأسباب كما هي عادته صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المناسبات.

واجتمع الأنصار. . وجاء سعد فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم. .

وجاء رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمَّ قَالَ:

"يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟"

قَالُوا: بَلْ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ.

ثم قَالَ "أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟".

قَالُوا وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ.

قَالَ: "أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ"

فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقْنَا (2).

إن الأنصار وهم من هم، حين لم يعرفوا وجهة نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدوا عليه، رغم أن ما وزعه رسول الله إنما كان من الخمس ولم يكن من الغنيمة بكاملها، أي كان من القسم الذي للرسول صلى الله عليه وسلم التصرف الكامل به حسب ما يراه، علماً أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعط أيضا المهاجرين شيئاً. .

ولكن الأنصار وجدوا أنفسهم أحق من أبي سفيان وأمثاله. .

إن هذا البيان الذي بينه صلى الله عليه وسلم للأنصار هو درس لكل القادة، مهما وثق بهم أتباعهم أنه لا بد من بيان أسباب بعض التصرفات التي ربما أغفلت كانت سبب التفرق، وأن تحمل النفوس الضغائن. . 

المراجع

  1. من هذا الباب ما ورد في البخاري برقم 2035 بشأن زيارة صفية زوج النبي له أثناء اعتكافه في المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم معها ليوصلها إلى منزلها وفي الطريق مر رجلان من الأنصار. .فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً".
  2. سيرة ابن هشام 2/ 498.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day