1. المقالات
  2. السيرة النبوية
  3. العصور المظلمة

العصور المظلمة

تحت قسم : السيرة النبوية
18 2025/05/31 2025/05/31

في أحد المدرجات الرومانيّة العريقة، ووسط حشود من الناس غفيرة، جميعهم يصرخون ويهتفون بأعلى أصواتهم.

 في الأعلى وفي مقدمتهم يجلس الإمبراطور والأمراء والحاشية الملكية وفي أيديهم كؤوس مليئة بالخمور والنبيذ؛ لتزداد حماستهم. 

وفجأة، قام شخص وبدأ بالصراخ بأعلى صوته: لتبدأ المتعة! 

فاستثار الجميع وأكثروا من الهتاف والصراخ.

ليدخل إلى الساحة عربة أشبه بالسجن المتنقل، يجرّها اثنان مفتولي العضلات، وبداخلها أسد أشبه ما يكون بالوحش المفترس، لم يأكل منذ أسبوع من الزمان، يزأر و ينظر إلى الجميع وكأنهم وجبته القادمة لإسكات جوعه. 

ثم تدخل أنت إلى الساحة بسلاسل حديديّة حول عنقك ويديك وقدميك، وآثار التعذيب ظاهرة على جلدك، كل مكان فيك ينزف، عدا عن جسدك الهزيل الذي لم يأكل منذ أيام، يجرك شخص ما إلى منتصف الساحة والجميع يصفقون لك، ليس لأنك رائع، بل لأنك ستموت بعد قليل!

ثم يأتي رجل ليفك عنك الأغلال والسلاسل الحديديّة لتكون حركتك أسهل، ويأتي شخصٌ آخر ويفتح الباب للأسد، لتبدأ المتعة الحقيقة؛ أنت عليك مصارعته لتعيش، والأسد عليه افتراسك ليملأ بطنه. 

مرحبًا بك في الإمبراطورية الرومانيّة 

المرأة كائن نجس!

الدولة الرومانيّة والتي كانت عاصمتها القسطنطينيّة، كانت دولة قوية تمتلك تقريباً نصف الكرة الأرضية.

و كان الرومان ينقسمون إلى:

فئة الأحرار: 

وتشمل طبقة مجلس الشيوخ وطبقة الفرسان، وهم السادة الذين يغرقون في الزنا، والرشوة، والمال، والاستقواء على الفقراء. 

وفئة العبيد: 

 ويمثلون طبقة العامة، وهم ثلاثة أضعاف فئة السادة، ولا يتمتعون بأي حقوق، بل مصيرهم يكون بأيدِي ساداتهم، وليس لهم أي قيمة أو احترام من قِبل المجتمع. 

لدرجة أن أفلاطون الفيلسوف الذي يُقدّره الكثيرون وصاحب فكرة المدينة الفاضلة (اليوتوبيا) كان يرى أنه لا يجب أن يُعطى العبيد حق المواطنة أصلًا وأن أصحاب العاهات يستحقون الموت! 

وبالطبع؛ وصلت هذه القسوة إلى المرأة الرومانيّة، فكانت المرأة -في نظرهم- كائنًا نجسًا، لا روح فيه، و يجب ألا تأكل اللحم، ولا تضحك، و منعوها من الكلام، ووضعوا على فمها قفلًا من الحديد.


كما كانت حروبهم بربرية همجية وحشية، ففي عهد أحد قياصرة الرومان، حاصروا اليهود في القدس خمسة أشهر، حتى سقطت المدينة بأكملها. 

فأجبر الرومان اليهود على قتل أبنائهم ونساءهم بأيديهم، وقد أطاع اليهود ذلك، وقاموا به من شدة الرعب، وطمعًا منهم في النجاة، وهم أحرص الناس على حياة.

ثم قام الرومان بعمل قرعة بين كل اثنين من اليهود أيهما يقتل الآخر إلى أن قتلوا بعضهم جميعًا ولم يبقَ وينجُ أحد منهم! 

المصيبة أنهم يسمونها حضارة رومانيّة وما زالوا إلى الآن يتفاخرون فيها، و يذيعون صورها، ويتحدثون عنها في البلاد التي تدعي الحضارة! 

 الملك الفارسي الذي تزوج ابنته ثم قتلها!

على الضفة الأخرى من العالم:

 كانت الدولة الفارسية الدولة التي تمتلك النصف الآخر من الكرة الأرضية وعاصمتها المدائن و يُلقب ملكها بكسرى.

و لم تكن تختلف كثيرًا عن الدولة الرومانية، فقد كانت تعيش تخلفًا حضاريًّا من جميع المقاييس، الدينية، والإجتماعيّة، والأخلاقيّة.

فكان المجتمع الفارسي يخضع لنظام شديد الطبقيّة وفيه مهانةٌ شديدةٌ للإنسان. 

فكان يقسم الناس إلى سبعة طبقات أدناها: طبقة عامة الشعب، وهؤلاء ليس لهم أي حقوق حتى أنهم كانوا يربطونهم في الحروب بالسلاسل. 

وهذا ما حدث في معركة ذات السلاسل بقيادة خالد بن الوليد، حيث كان الفرس يربطون ستين ألفًا من الجنود بالسلاسل، كل عشرة في سلسلة، ولك أن تتخيل كيف لهؤلاء العبيد المقيّدين محاربة جيش خالد بن الوليد -رضي الله عنه- القوي؟.. الذي وصفه خالد في رسالته لأحد قادة الفرس:

 "جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة". 

في ذلك العصر ظهر أحد الفلاسفة اسمه "مزدك" وسنَّ قانونًا يقول فيه: "أن الناس سواسية في كل شيء".

فاستبشر بتلك العبارة الكثيرون، ولا يعلمون ما في باطنها!

فهو لم يقصد سواسية بالحقوق والمعاملة، بقدر ما يقصد بالمال والنساء. 

فأكثر من فرح بهذا القانون: الأقوياء الذين كانوا يأخذون نساء الفقراء وأبنائهم، أما الضعيف فلا حق له لا بالشكوى ولا بالاعتراض.

فكان يُسمح لكسرى الإمبراطور بالزواج من أي واحدة يرغب بها، كل ما عليه أن يطلب ذلك فقط، لدرجة أنه تزوج من ابنته ثم قتلها.

إحراق النساء أحياء!

أما عن أوروبا الشمالية فيذكُر المؤرخ الفرنسي "رينو" حال أوروبا -وشهد شاهد من أهلها- فيقول:

 طفحت أوروبا في ذلك الزمن بالعيوب والآثام، وهربت من النظافة والعناية بالإنسان والمكان، وزخرت بالجهل والفوضى والتأخر وشيوع الظلم والاضطهاد، فشت فيها الأُمية، للدرجة التي كان الأمراء يفتخرون بأنهم لا يستطيعون أن يقرأوا، والعلماء كانوا في مهانة شديدة في هذه البلاد، هذا إن وُجِدوا.

وفي أحد الصباحات التي لم تكن تشرق بها شمس في أوروبا

استيقظ الجميع بفزع على خبر موت أحد السادات؛

فقامت جارياته وخادماته بمحاولة للهرب إلى أبعد مكان ممكن، ولكن استطاع الناس الإمساك بإحداهن، ثم أجبروها على أن  ترقص أمام الجميع وتشرب الخمر، ثم قيّدوها بالحبال من رقبتها؛ كي لا تهرب مرة أخرى.

ثم جاءت امرأة عجوز، برداء أسود، يسمونها "ملك الموت" وفي يدها خنجرٌ كبير، فطعنتها وخنقتها حتى ماتت، ثم قاموا بإحراقها؛

كل ذلك ليضعوها مع سيدها الميت..

كما كانوا يفعلوا دائما مع النساء! 

أما لو كنت في ذلك الزمن  في بلاد الفراعنة  (مصر) : 

فسوف تكون تحت رحمة الرومانيين وستضطر أن تدفع الضريبة على منزلك وزوجتك وحتى على المكان الذي ستُدفن فيه.

"إن الوباء، والجحيم، والسم، والأفاعي، والنار خير من المرأة"

تهانينا، لقد وصلت إلى الهند! 

حيث كان الرجال يُقامرون على كل شيء حتى على زوجاتهم. 

وعندما يموتون؛ يقومون بإحراق نسائهم معهم؛ لأنهم لا يستحقون الحياة! 

وهذه عقلية طبيعية لمن يعتقدون أن إلههم موجود في كل مكان وكل شخص! 

فتجدهم يعبدون ويقدسون حرفيًّا كل شيء: التماثيل، الأشخاص، الجبال والأنهار، الذهب والفضة، وآلات الحرب، والبقر وباقي الحيوانات .

قد يتبادر إلى ذهنك الآن سؤال:

لماذا نذكر تلك العصور المظلمة؟

إنها طبيعتنا البشريَّة يا صديقي، فلن تُدرك النور إلّا إذا عرفت الظلام، 

"فبالضِد تُعرف الأشياء"، فلا أحد يتلذذ بنعمة البصر كالأعمى الذي عاد إليه بصره، ولن يدرك أحد نعمة الصحة إلا من أصابه المرض.

 وكذلك لن نعرف قيمة رسالة الإسلام دون معرفة العالم قبلها.. 

ما ذكرناه لكم في هذه الحلقة هو مجرد أمثلة، وإلا فالأرض قد وصلت إلى حالة من التردي و الانحراف، للدرجة التي ينظر الله تعالى فيها إلى أهل الأرض فيمقتهم ويبغضهم، إلا بقايا من المتمسكين بالتوحيد. 

ولكن السؤال هو: 

إن كان هذا حال العالم قبل البعثة النبوية، فماذا عن حال العرب قبل الإسلام؟ 

هل كانوا مختلفين عن غيرهم؟ أم كانوا أسوأ منهم؟ 

وما قيمة الأطفال والنساء عندهم هل كانوا يحترموهم ويقدرونهم أم يطغون عليهم ويعذبوهم؟ 




المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day