1. المقالات
  2. برنامج طريق النور
  3. رواسخ الإيمان

رواسخ الإيمان

6 2025/07/17 2025/07/19

تعذيب المشركين للمسلمين الأوائل

كان أول من أظهر إسلامه في مكة سبعة: محمد، أبو بكر، عمّار، أمه سميّة، صهيب، بلال والمقداد.

فأمّا محمد فمنعه الله عن أذى المشركين بعمّه أبي طالب

وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه

وأما من تبقى، فأخذهم المشركون وعذّبوهم، وألبسوهم أدراع من حديد، وصهروهم تحت الشمس.

الذي يعيش في صحراء الجزيرة العربية، يعرف كيف تكون الشمس في الظهيرة حارقة، فما بالك بمن ارتدى الحديد تحتها!

عبدالله بن مسعود

كان محمد صلى الله عليه وسلم هو الوحيد الذي يجهر بالقرآن أمام الناس والمشركين، ومع هذا كان يؤذى ويعذّب.

أمّا أصحابه ففي البداية لم يتجرأوا على الجهر بالقرآن أمام المشركين، فإذا كانت الشهادتان فقط تسببت بهذا الكم من  الأذى والتعذيب الشديد لهم،  فلك أن تتخيل ما سيفعله المشركين إذا قرأوا القرآن جهراً أمامهم؟ 

فذات يومٍ جاء بعض الصحابة 

وجلسوا بجوار الكعبة، وكانوا يتحدثون ويناقشون أمور الدعوة

فقال واحد منهم: من يتشجع منا ويجهر بالقرآن ليُسمع قريش، فإنهم لم يسمعوه منا من قبل؟ 

لقد كان هذا تحديا كبيرا للصحابة، فمن سيجهر بالقرآن يعلم أنه سيُعذّب حتى الموت

فسكتوا جميعهم ولم يتكلم أحد

حتى تحدّث عبدلله بن مسعود، وقال والحماسة تملؤه: أنا، أنا سأجهر بالقرآن أمام قريش.

رغم أن عبدلله ضعيف الجسد والبُنية، وكان له ساقان نحيلتان ضعيفتان، ألا أن له قلب أثقل إيماناً من الجبال! 

فقام ووقف وأراد قراءة القرآن

فقال له أصحابه: لا لا تفعل يا عبدلله، لو أحداً غيرك، فنريد رجلاً تمنعه عشيرته وقبيلته منهم.

قال عبدلله: لا بأس، أنا أقول والله سيمنعني منهم! 

سبحان الله الذي رزقه هذا الإيمان

وقف عبدلله بن مسعود وذهب إلى الكعبة، وبدأ يقرأ آيات من سورة الرحمن بصوتٍ مرتفع.

"ٱلرَّحۡمَٰنُ"

سمع كفّار قريش، وقاموا وهم غاضبون يقولون: من تجرأ على قراءة القرآن؟ من أين يأتي الصوت؟ 

تجمّع المشركون على عبدلله 

أكمل عبدلله:

"ٱلرَّحۡمَٰنُ (1) عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ (2) خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ (3) عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ"

بدأ كفار قريش يضربونه بأيديهم، وبعِصيهم ونعالهم و بالحجارة، ليمنعوه من القراءة.

وعبدلله مصرٌ على قرائته لا يُبالي ويقرأ :

 "ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٍ (5) وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ (6) وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ (8)" 

ما زال يُضرب عبدلله ضرباً مبرحاً ، وينزف الدم منه، وهو راسخ ثابت لا يتزعزع.

قرأ وقرأ عبدلله، ولكنه لم يقرأ حتى انتهاء  السورة، بل قرأ حتى سقط على الأرض، فلم يُعرف وجهه من أقدامه لكثرة الدماء التي تغطّيه.

وفي اليوم التالي، قال الصحابة لعبدلله: يا عبدلله، أرأيت ما حذّرناك منه؟ 

قال: والله ليسو البارحة بأهون من اليوم، ولو شئتم لخرجت فقرأت أمامهم القرآن اليوم مرة أخرى.

فمنعوا عبدلله من ذلك، وقالوا: لا يا عبدلله، كف عن ذلك فقد أسمعتهم القرآن. (1)

خباب بن الأرت

شاب صغير، من أوائل المسلمين المؤمنين، لما أسلّم أمرت مولاته به، فضُرب ضرباً شديداً.

وقد أعدّت له أجواءً متوحشة لتعذيبه.

فقد كانت تشعل النار وتضع الجمر عليها، ثم تحضر أسياخ الشواء على النار، ثم تحضر خباب وتنزع ثيابه وتضعه على تلك الأسياخ فوق النار!

نعم، لقد كانت تشوي خباب كما يشوى الدجاج

لدرجة أنه لم يكن يطفئ نارها، سوى الشحم أو الدهن الذي يسيل من لحم ظهره أثناء الشواء فينزل الشحم على نار الشواء ويطفئها.

ومع هذا صبر خباب ولم يكفر بمحمد ولا بدعوته.

لما اشتد التعذيب على خباب، ذهب إلى محمد وهو عند الكعبة.

ذهب خباب ذو الثمانية عشر عاماً إلى محمد وهو يزحف من شدة الألم.

وقال لمحمد: يا رسول الله، ألا تدعو لنا، ألا تستنصر لنا؟

تغيّر وجه محمد، واحمّر من شدة الغضب، وقال: إنه كان يؤتى بالرجل من قبلكم، فتحفر له الحفرة، ويؤتى بمنشار الحديد، فيُضرب به رأسه فيشقّه قسمين، ثم يؤتى بأمشاط الحديد، فيُمشط ما بين عظمه ولحمه، لا يرده ذلك عن دينه شيئاً، ولكنكم قومٌ تستعجلون. (2)

صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة ( رسول الله ) 

عمار بن ياسر، وأمه سمية، وأبوه ياسر 

الأسرة كلها، كانوا يعذّبون عذاباً شديداً.

حتى أن عمّار كان ينظر إلى أمه تُجلد، وإلى أبيه يُجلد ومع ذلك صبر.

يمر عليهم أبو جهل فيقول لجلّادهم: اضرب اضرب 

ويمر عليهم محمد ويقول لهم: صبراً صبراً، آل ياسر إن موعدكم الجنة.

تمادى أبو جهل في تعذيبه، وأخذ عصا من الأرض وغرسها في بطن والدة عمّار الملقاة على رمال الصحراء.

فاستشهدت سمية!

لتكون بذلك أول شهيد في الإسلام على الإطلاق.

ثم ضرب أبو جهل والد عمّار ياسر ضرباً مبرحاً، إلى أن استشهد والتحق بسميّة.

فمات والد ووالدة عمّار أمام عينيه، وهنا بدأ قلب هذا الشاب يضعف قليلاً . 

فعندما وصل أبو جهل لعمّار ليبدأ بتعذيبه، فضربه وأبرحه ضرباً ليقتله كما قتل أمه وأباه.

لم يصبر عمار واستسلم، وقال لهم عن محمد الذي أرادوه، فتركوه!

لمّا تركوه، ذهب ركضاً إلى سيدنا  محمد وقال له وهو يبكي: يا رسول الله، يا رسول الله، لم أصبر، فتكلّمت فيك وقلت كذا وكذا.

هل تتوقع أن يغضب رسول الله وأن لا يكلمه أبداً بعدما فعل  ؟ 

لا، بل طمأنه وقال له: لا عليك يا عمار، إن عادوا وعذبوك، فعُد وقل فيّ ما يريدون. (3)

بعد أن اوحى الله له من السماء: 

  "مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"

[النحل106]

صهيب الرومي

كان من أغنى وأعز من في مكة

ولكنه لما أسلم ضربه كفار قريش ضرباً شديداً حتى أغمي عليه، فكان يقول كلاماً لا يعيه ولا يدريه من شدة التعذيب. 

مصعب بن عمير

كان من أترف أهل مكة وأكثرهم غنى، فكانت أمه تحضر له العطر من الشام، والثياب من اليمن، فكان يرتدي أغلى الثياب وأحلاها، ويأكل ألذ الطعام وأشهاه.

لمّا أسلم أخذت  أمه منه كل ما في يديه من أموال وطردته من المنزل، فأصبح رجلاً فقيراً لا يأكل شيئا، ولا يدري ما يلبس. 

ولكنها قبل أن تفعل ذلك عذبته ومنعت عنه الطعام والشراب. 

حتى تقشّر جلده  وأصبح مثل جلد الحيّة ، مع ذلك ثبت على الإسلام الذي غيّر تماماً شخصيته من مصعب الولد الضعيف المدلل، إلى مصعب الرجل القوي يتحمّل  أنواع الصعاب. (5)

عثمان بن عفان 

كان عمه يلف حوله الحصير، وبعد ذلك يشعله تحته حتى يكاد يختنق، لكنه صبت على دين الله . (6)

سعد بن أبي وقاص

كانت أمه هي جلّاده

فقد حاولت بكل طرق الترغيب والترهيب أن تمنع سعد بن أبي وقاص عن الإيمان.

 مع ذلك فشلت ولم تستطع رده عن الإسلام، حتى إنها لجأت إلى الإضراب عن الطعام والشراب، 

فقالت لسعد: لن آكل ولن أشرب حتى ترجع عن الإسلام. 

ضغط نفسي رهيب على شاب عمره عشرين سنة!

ولما أشرفت على الهلاك 

قال سعد لها في يقين: تعلمين والله يا أماه! لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً، ما تركت ديني هذا لشيء، فكلي إن شئت أو لا تأكلي! 

إصرار شديد،  على أن لا يغير دينه مهما كانت الأثمان، ومهما كانت العواقب، فأكلت الأم وبقي سعد رضي الله عنه وأرضاه مسلماً. (4) 

بلال بن رباح

في عز ظهيرة صحراء مكة والشمس حارقة 

كان بلال بن رباح مُلقى على الأرض، ومن فوق رأسه سيده أميّة بن خلف. 

لا ليحجب عنه حر الشمس ، بل ليعذّبه بها.

 فعندما آمن بلال مبكراً، بدأ عابد الأصنام أميّة فوراً  بتعذيبه، فكان يجوّعه ويعطّشه و يجلده جلداً مبرحاً، ثم يضع الصخرة على بطنه.

و ليكمل رحلة العذاب كان يلف حبلاً متيناً حول رقبته، ويجعل الصبيان يطوفون به ويجرونه خلفهم.

كل هذا التعذيب كان سيتحول إلى تنعيم لو قال شيئاً واحداً 

انه كفر بدين  الإسلام

لو كنتَ أنا أو  أنتَ مكان بلال، كنا بالطبع سنقولها

ولكن   بلال رغم كل هذا التعذيب كان يردد: أحدٌ أحد، أحدٌ أحد. (7)

وكان يقول أنه لو وجد كلمة أشد كرهاً لهم من هذه لقالها 

ولكن هناك أحد من الصحابة لن يصبر على تركه هكذا؟ 

وسيقوم بإعطائه صك الحرية؟ فمن هو يا ترى؟ 

وما هو البلاء الجديد الذي سينزل على قلب الحبيب مما يجعل الله يواسية من فوق سبع سموات 

هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة.. من برنامج طريق النور

المراجع

  1. كتاب سيرة ابن هشام ت السقا - عبد الملك بن هشام - الجزء الأول - صفحة 314 و 315
  2. كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - الصالحي الشامي - الجزء الثاني - صفحة 358 و 359
  3. كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 264 و 265
  4. كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 268
  5. كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 261 و 262
  6. كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 260 و 261
  7. كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - الصالحي الشامي - الجزء الثاني - صفحة 357



المقال السابق
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day