1. المقالات
  2. برنامج طريق النور
  3. حال العرب قبل الإسلام

حال العرب قبل الإسلام

41 2025/06/02 2025/06/04

في مدينة مكة وفي منتصف الليل والقمر مكتمل، سمع الجميع صرخة أمك التي استيقظت عليها مكة بأكملها، أُنير المنزل، وهرع والدك للبحث عن قابلة لتساعدها في ولادة أخوك الصغير. 

أتت القابلة و بدأت الولادة، ووالدك في الخارج يمشي يمينًا ويسارًا من شدة توتره، وأنت تحاول استراق السمع من غرفة الولاده لتعرف كم تبقى لخروجه!

وأخيرًا لقد وصل الطفل الذي لطالما طال انتظاره..

ولكن جاءت به القابلة حاملة له بوجهٍ عبوس، ونظرة كئيبة ثم صرخت قائلة : إنه ليس ولدًا بل فتاة!

هنا رأيت تغير وجوه كل من حولك، بعد أن رطم والدك الجدار وأصبح يلطم وجهه من شدة العار الذي لحق به بسبب تلك الفتاة.

أما والدتك فكانت تبكي لأنها تعلم بأن ابنتها التي حملت بها تسعة أشهر ستعود إلى قبرها سريعًا. 

لم يبت أبوك في البيت هذه الليلة؛ بل سرعان ما أخذ الطفلة الصغيرة وهي لم تكد تخرج من بطن أمها، ثم ذهب بها إلى أبعد مكان عن مكة وحفر حفرةً كبيرةً وسط الجبال، ثم وضعها فيها وهي تبكي ثم خنقها بيديه إلى أن ماتت، ثم قام بوضع التراب عليها.. 

بعد أن أنهى مهمته في قتلها والتخلص من عارها.


بداية الشر انحراف بوصلة التوحيد:

كان العرب في بداية أمرهم على ملة التوحيد التي جاء بها جميع الأنبياء، ولكن تغير ذلك بعد أن ذهب أحد الأعراب وكان "يسمى عمرو بن لحي الخزاعي" إلى بلاد الشام، فرآهم يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله، فاستحسن ذلك وظنَّه حقًّا!

فقال لهم: ما هذه الأصنام التي تعبدونها؟ 

قالوا له: هذه أصنام نعبدها؛ فتنزل لنا المطر، وتنصرنا، وتشفينا.

فقال لهم: أعطوني منها صنمًا لآخذه معي إلى أرض العرب؛ فيعبدونه! 

فأعطوه صنمًا يُقال له هُبل، وأخذه إلى مكة، ووضعه عند الكعبة وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.

 ثم تبع أهل الحجاز أهل مكة، حتى انتشرت الأصنام بين قبائل العرب، ووصل عدد الأصنام حول الكعبة إلى 360 صنم. 

وقد بين النبي ﷺ مصير عمرو بن لحي وسوء عاقبته، فقال ﷺ: 

(رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه (أمعاءه) في النار، فكان أول من غيَّر دين إبراهيم)

.(1)

وتدريجيًّا  سادت الوثنية في مكة وغابت فيها كل معالم التوحيد، ودُنِّس البيت الحرام، فكان لكل بيت صنم، وكان بعض الناس يصنعون صنمًا من عجوة فكانوا إذا جاعوا أكلوه. 

ولم يتوقف الأمر على ذلك بل منهم من عبدوا أصنامًا كانت تدل على الرذيلة!

فإساف بن بغي ونائلة بنت زيد من قبيلة جرهم، كانا قد أحبَّا بعضهما حبًّا كبيرًا، واجتمعا في الكعبة فزنا إساف بنائلة في داخل الكعبة؛ فمُسخا وتحولا إلى حجرين، فحُمل حجر إساف ووضع على الصفا وحُمل حجر نائلة ووضعت على المروة لكي يعتبر بهما الناس.

ومع تقدم الأيام ولمَّا جاء عمرو بن لُحي ومعه الأصنام قرَّب الصنمين ووضع كل واحدٍ منهما على ركن من أركان الكعبة فكان الطائف إذا أراد أن يطوف يبتدئ بإساف وينتهي به. (2)

( صورة تمثيلية) 

الجزيرة المريضة!

كان العرب إذا علم أحدٌ منهم أن زوجته حاملًا؛ يستخف من أعين الناس، فإذا وضعت ولدًا أصابه الكبر به، والاستشراف بقدومه. 

وإن علم أن مولودته أنثى؛ تشائم بها وغضب لقدومها، فبعد أن تلدها أمها يقوم فيأخذها منها فورًا بعد ولادتها ويكون متاح له خيارات: 

1- إما أن يرميها من أعالي الجبال الشاهقات فتقع مفتتة العظام. 

2- وإما يحفر لها حفرة ويضعها بها وهي على قيد الحياة حتى تموت من الاختناق.

3- وإما يخنقها هو بيديه ثم يرميها في مجرى من مجاري المياه. 

 فانتشر وأد البنات بشكل مريع في ذلك الحين. (3)

ومن لم يقوموا بقتلها من النساء يقوموا باستغلالها أبشع استغلال؛ فيلبسوها ملابس الرجال ويجعلوها تعمل في البوادي والجبال في رعي الأغنام.

 إلى أن تصل لسن الزواج؛ ثم يزوجوها لرجل من الرجال، ولا يكترثوا لقبولها به أم رفضها إياه . 

وبعد فترة من زواجها، وما أن تطهر من حيضها، تجد زوجها يجهزها ويرسلها إلى أحد الأشراف ليُجامعها وتحمل منه.

 أو أن يُدخل عليها أكثر من رجل وبعد أن تحمل وتلد مولودها، تجمعهم كلهم لتختار واحدًا منهم  ليكون أبًا لهذا الطفل. (4)

حتى صُنع للدعارة بيوت مُشهّرة يُعرف أن هذا البيت فيه أهل زنا سميت بالرايات الحمر

وللإنصاف، هذا الامر لم يقم به العرب وحدهم، بل كان منتشرًا أكثر في بلاد الفرس والروم والهند وغيرهم.

حالة خواء وجداني ورُوحي مخيفة كادت أن تبتلع العالم! 

باختصار كانت المرأة في نظر العرب مثل نظيراتها في باقي العالم لا تتعدى كونها مجرد متاع لا ترث، ولا تتكلم، لا تعمل، و ليس لها أي قيمة في الحياة! 

المهمة المستحيلة! 

العرب كانوا أقواماً يسكنون في صحراء قاحلة، وجبال وأودية وعرة، لذلك لم يفكر الفرس أو الروم بالاستيلاء عليهم، فكانوا مهمشين؛ لا يهاجرون ولا يتاجرون ولا يخرجون من أراضيهم سوى في رحلة لليمن ورحلة أخرى للشام.

وكان الربا والخداع هو ما يسيطر على تجارتهم، وقطع الطرق أسلوب لحياتهم، لدرجة أن هناك قبائل كاملة معروفة بالسطو وقطع الطرق. 

كما اعتادوا المراهنة والمقامرة في حفلات مشبوهة مليئة باللهو والرقص والغناء.

فكان العربي يتزوج بلا حد ولا عدد، ولم يكن للفقراء ولا أصحاب العاهات أي حق يذكر، وكان الضعيف يؤكل من قِبل القوي، حتى لو كان من ضمن أهله وأقاربه.  

وكان شرب الخمر بالنسبة للعرب كشرب الماء ضروريًّا لبقاء الحياة.. (5)

باختصار أي منكرٍ قد تجده في عالمك الآن تستطيع أن تتيقن بوجوده في العالم في ذلك الوقت.

يقول جعفر بن أبي طالب واصفًا حالهم -قبل بعثة النبي ﷺ- لملك الحبشة النجاشي:

 "أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار"

. (6)

فأنقذ الله البشرية بالبعثة النبوية! 

ولكن لكم أن تتخيلوا كمّ الصعاب التي مرَّ بها النبي  في تحويل أقوام قساة القلوب، متحجري الأفئدة، يقتلون بناتهم الرضيعات ويبيعون أزواجهم إلى ذوي الأنساب.

إلى أقوام ينتفضون إذا خدش عرض امرأة واحدة من النساء، ويضحون بحياتهم ويزهقون أرواحهم؛ في سبيل إعلاء كلمة الله، ورفع راية الإسلام، رغم أنها تمنعهم من شرب خمورهم، وتحرم عليهم اعتدائهم على غيرهم وسطوهم عليهم، بل وتجازيهم على إجرامهم. 

كيف حدث هذا التغيير؟ وكيف تحولوا؟ وماذا أصبحوا؟ 

ولماذا اختار الله العرب دونًا على غيرهم؛ ليرسل فيهم النبي ﷺ الخاتم؟  

هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة من برنامج طريق النور. 

المراجع

  1.  كتاب سيرة ابن هشام ت السقا - عبد الملك بن هشام - الجزء الأول - صفحة 76 
  2. كتاب شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال الزهيري - جزء 103 - صفحة 24 
  3. كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 33 و 34أخرجه البخاري في صحيحه 
  4.  -كتاب النكاح- باب {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} - رقم الحديث (٥١٢٧). كتاب اللؤلؤ المكنون - العازمي - الجزء الأول صفحة 32 
  5. كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 28 إلى 30  
  6. كتاب سيرة ابن هشام ت السقا - عبد الملك بن هشام - الجزء الأول - صفحة 336


المقال السابق

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day