1. المقالات
  2. برنامج طريق النور
  3. بداية عهد جديد للتاريخ!

بداية عهد جديد للتاريخ!

20 2025/06/18 2025/06/22

جماعة من الجن جهزوا أمرهم، وشدوا رحالهم؛ ليصعدوا إلى أعالي السماء، ليسمعوا من الملائكة بعض الأقدار، التي ينزلوا بها، ويلبِسُوها على بني الإنسان.

وعندما صعدوا إلى السماء وجدوا منظرًا لم يروا مثله قط في حياتهم، وجدوا ملائكة لا يعلم لها أول من آخر أمامهم، ولم يكادوا ينصدموا من شكلهم المهيب، حتى ألقوا عليهم شهبًا ملتهبة بالنيران؛ لتلحقهم وتقتلهم.

فعلموا أن هناك حدثًا ما قادمًا على وشك الحدوث سيغير العالم! (1)

    ( مراسم استقبال الأرض والسماء لنبي الإسلام )

جاء شهر رمضان، الشهر الذي يختلي فيه محمد ﷺ  بنفسه منذ ثلاثة أعوام؛ ليذهب ويتعبد ربَّه على جبل النور في غار حراء، بعيدًا عن أعين الناس، ومشاغل الحياة.

ومن فوقه الغار مفتوح يرى منه صفاء السماء.. 

ومن أمامه يوجد فتحة صغيرة يرى منها جمال الكعبة 

وبجانبه الجبال متراصة من حوله، كأنها تحاوطه و تحتضنه وترعاه.

لقد حبب لمحمد ﷺ أن يختلي بنفسه ليرى بعينيه وقلبه إبداع خالق هذه الأكوان  (2)

وفي  يوم من الأيام ومحمد ﷺ في طريقه ليتعبد في الغار، سَمِع صوتًا يقول له:

- السلام عليكم.. 

- تلفت محمد ﷺ حوله يمينًا ويسارًا ولم يرَ أحدًا؛ فارتعب لذلك، و أكمل طريقه وهو متعجبًا مما حصل.

وفي اليوم التالي مرَّ من نفس المكان وسمع نفس الصوت يقول له: السلام عليكم يا رسول الله! 

وعندما نظر حوله، لم يجد أحدًا أيضًا، حتى علم أن الصوت الذي كان يناديه كان يخرج من صخرة!

كلما يمرُّ عليها تُلقي عليه السلام!

وليس هي فقط، بل الأشجار التي كان يمرُّ عليها في الجبال والصحراء كلها كانت تُلقي عليه السلام! (3)

لم تكن هذه هي الأحداث العجيبة التي حدثت مع محمد ﷺ في ذلك الوقت فقط، فمنذ ستة أشهر كان كلما يرى في منامه رؤيا؛ يستيقظ ليجدها تتحقق أمامه كما رآها في المنام. (4)

وظل أربعة أعوام يسمع صوتًا عجيبًا، ونورًا مضيئًا من السماء وكأنه نور الملائكة. 

وهذه كانت مراسم استقبال الأرض والسماء لنبي الإسلام ﷺ.

بعدما ظلَّ أربعين عامًا يهيئه الله لمهمة هي أثقل حملًا من الجبال الراسيات!

    (عهد جديد للتاريخ) 

في يوم الاثنين الموافق، الواحد والعشرون من شهر رمضان 

العاشر من أغسطس لعام ستمائة وعشرة بعد الميلاد 

في ليلة كان ظاهرها ظلام، وحقيقتها بريقٌ ونورٌ يعم جميع الأرجاء.

دخل على محمد ﷺ مَلَكٌ شديد الحسن والبهاء، فاقترب منه رويدًا رويدًا حتى وصل إليه، ثم ضمه ضمَّةً شديدة لدرجة أن نَفَسه كاد أن ينقطع.

كل هذا ومحمد ﷺ في سكون تام!

ثم قال له المَلَك: "اقرأ"

 "اقرأ": هكذا بدون مقدمات، لم يُعرِّف المَلَك بنفسه حتى!

فقال محمد ﷺ: "ما أنا بقارئ"

فمحمد ﷺ أمّي لا يعرف القراءة والكتابة!

فَضَمّه المَلَك مرة ثانية، وكان يحتضنه تقوية لنفسه، وتأهيلًا لقلبه على تلقي الوحي الإلهي. 

ثم قال له: "يا محمد اقرأ"

فقال محمد ﷺ: "ما أنا بقارئ" 

فضمه المَلَك ضمة ثالثة ثم قال له: "اقرأ"

فأجاب محمد ﷺ مجدَّدًا: "ما أنا بقارئ"

وبعد أن احتضنه المَلَك في المرَّة الأخيرة بشدّةٍ كبيرة حتى تعب محمد تعبًا شديدًا وتركه.. (5)

قال له:

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) 

                                     

     والله لا يخزيك الله أبداً (خديجة بنت خويلد) 


 اختفى المَلَك!

ولم يخبره ماذا يريد منه؟

فقط قرأ عليه كلام حرَّك وجدانه وعقله بعدها لفترة من الزمان! 

 فمحمد ﷺ من أبلغ العرب وأفصحهم، ولم يسمع مثل هذا الكلام منهم لا في نثرٍ ولا في شعر. 

فوَقَر في قلبه أنه ليس كلام بشرٍ بل هو من عند ربِّ البشر!. 

بعد هذه الحادثة نزل محمد ﷺ مسرعًا من الغار وركض إلى منزله حيث الأمان، حيث زوجته خديجة!

ولما وصل إلى خديجة قال لها: "زمّلوني زمّلوني"

أي: غطّوني بالثياب ولفّوني بها، فغطّته حتى هدأ

ثم قال لها: "ما لي؟"

وأخبرها ما حدث معه.. 

وقال لها: "لقد خشيت على نفسي"

طبعًا خديجة خافت على محمد ﷺ، ولكن لحكمتها أرادت أن تطمئنه فقالت له: 

كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ والله إنك لتصل الرحم

 بالإحسان إلى أقاربك وأهلك، حتى إن لم يحسنوا هم إليك. 

"وتصدق الحديث"

 فلم تعرف طريقًا للكذب قط في حياتك حتى سماك الناس بالصادق الأمين. 

 "وتحمل الكل"

أي إنسان لا يستطيع أن يحمل نفسه لتعبه فإنك تحمله، إن كان فقيرًا فبالمال، وإن كان ضعيفًا بالجسم فبالعون. 

 فالنبي ﷺ قد بذل نفسه قبل النبوة وبعد النبوة، لدرجة أنه كان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، ومع ذلك كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر! 

"وتقري الضيف"

فكان محمد -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يوحى إليه مضيافًا، يقري الضيوف ويكرمهم.

"وتعين على نوائب الحق"

 والنوائب هي ما يحدث للناس من مشاكل ومعيقات في الحياة… (6)

 فإذا كانت حقًا فيكون محمد ﷺ هو أول ما يُعين عليها، وإن كانت باطلًا فهو أول من يرفضها. 

اختصرت لنا ما رأته السيدة خديجة رضي الله عنها من زوجها في خمسة عشر عامًا.

بعد أن تيقنت أن صاحب هذه الأخلاق النادرة بين الناس لا يمكن أن يضرَّه الله تعالى بشيء أبدًا!

ثم ذهبت به إلى قريبٍ لها تعلم أنه سيجبُ على كل الأسئلة التي تدور في باله وبالها.. 

فمن هو هذا القريب الذي سيذهب محمد ﷺ وخديجة إليه؟ 

وما الأمر الذي سيقوله لهم، ويحذرهم منه؟ 

ومن هو المخلوق الذي سيراه محمد ﷺ بعينيه جالسًا على عرشٍ في الهواء، يملأُ ما بين المشرق والمغرب، وله ستمائة جناح؟

هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة..من برنامج طريق النور

المراجع

  1. 154 كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 
  2.  165 كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 
  3. 167 كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 
  4. 164 كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 
  5. كتاب سيرة ابن هشام ت السقا - عبد الملك بن هشام - الجزء الأول - صفحة 236
  6. كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 173 و 174





المقال السابق
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day