البحث
ماذا قال عيسى لأتباعه؟
كان هناك راهبٌ "عالمٌ من علماء النصارى"، يجلس دومًا في صومعته، لا يخرج منها ولا يتعرَّف على أحد، غير أنه كان ينظر إلى القوافل التي تمر عليه من بعيد دون أن يتحرك له ساكنٌ.
وفي يوم من الأيام مرت قافلة، فرأى من بعيد سحابة صغيرة تسير فوقها وتمشي معها، وكأنها تحمي شخصًا ما يوجد في داخلها، فتعجب الراهب تعجبًا شديدًا، وراقبها.
وعندما نزلت القافلة وجلس أهلها يرتاحون بجوار شجرة، رأى بعينيه أغصان هذه الشجرة قد مالت لتظل شخصًا ما معهم.
حينها خرج الراهب مسرعًا من صومعته، جاريًا لهم ليقابلهم، فنزل إليهم وناداهم وقال لهم: إنه يدعوهم جميعًا كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، عبدهم وسيدهم لبيته ليستضيفهم، وجهز طعامًا خصيصًا لهم.
فلما دخلوا عنده تركوا محمدًاﷺ عند أمتعتهم في الخارج لحراستها، فانتبه الراهب لغيابه فسألهم عنه.
فقالوا له: إن محمدًا في الخارج عند الأمتعة.
فقال لهم: احضروه.
فدخل محمدﷺ عنده؛ فصار الراهب يتأمل فيه وينظر إليه بشكل مثير لجميع الحاضرين.
وعندما انتهوا من طعامهم
تركهم الراهب وذهب إلى محمدﷺ وقال له: يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى ألا أخبرتني عما أسألك عنه.
(وهذه كانت الحجارة التي كان يعبدها الناس في ذلك الوقت)
فقال له: وأي حق لهما عندي؟ لا تسألني بحق اللات والعزى؛ فو الله ما أبغضت شيئًا قط بغضهما، وما تأملتهما بالنظر إليهما كراهة لهما، ولكن اسألني بالله أخبرك عما تسألني عنه إن كان عندي علم.
وهنا علم الراهب أن الشبل الصغير راسخة في قلبه وعقله عقيدة التوحيد
فقال له: فبالله أسألك
ثم طلب منه أن يكشف عن كتفيه، فرأى بين كتفيه "وحمة" أو "حسنة" بارزة فيها شعرات بيضاء، وفوراً أول ما رآها اقشعرت كل شعرة في رأسه، فقبّلها في موضعها وهو لا يقدر على تمالك نفسه.
(وكان هذا هو خاتم النبوة)
حتى قال الناس: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرًا
بعد ما رأوا نظراته وإكرامه وحركاته وتصرفاته مع محمدﷺ وهم يعلمون أنه لم يفعل ذلك لأحد من قبل
فسأله: أين أبوك؟
فأجابه أبو طالب: أنا والده
فقال له: لا يمكن أن يكون والده حيًّا، لا ينبغي أن يكون له أبٌّ.
فأجابه أبو طالب: صدقت أنا عمه، أبوه مات وهو صغير؛فتأكد الراهب من هذه العلامة.
ثم قال لأبي طالب كلام انصدم منه فقال:
ارجع بابن أخيك إلى بلدك، واحذر عليه اليهود، فوالله إن رأوه، أو عرفوا منه الذي أعرف آذوه إيذاء شديدًا وقتلوه.
فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم نجده في كتبنا، وما ورثنا من آبائنا، وقد أخذ علينا مواثيق.
قال أبو طالب: من أخذها عليكم؟
فتبسم الراهب، ثم قال: الله أخذها علينا، نزل به عيسى بن مريم،
ثم قال له: أن يرجع به فورًا إلى بلد مولده؛ لأنه لو رآه اليهود لآذوه وقتلوه.
فخاف عليه أبو طالب وعاد مسرعًا به إلى مكة (1)
هو آخر الأنبياء ويا ليت أنى أدركه حين يؤمر بالخروج.
(الراهب نسطورا)
مرَّ الوقت، وكبر محمدﷺ وأصبح في العشرين من عمره، وبدأ يعمل بالتجارة كما كان يعمل أهل قريش جميعهم.
ومنهم امرأة من أشرف سيداتهم وأكرمهم وكانت قد ورثت مالًا كثيرًا، وهي خديجة بنت خويلد.
فكانت ترسل الرجال يضاربوا ببضاعتها ويحضرون لها المال وتعطي لهم مقابلًا لذلك.
وعندما سمعت أن شابًا من أقاربها اشتهر بين الناس برفعة أخلاقه حتى سُمي الصادق الأمين
قررت أن ترسل إليه ليخرج ويسافر ببضاعتها، فوافق على ذلك، فأرسلت معه غلامًا لها اسمه ميسرة.
فانطلق محمدﷺ وميسرة في طريقهما من مكة إلى الشام، ولما وصلا إلى أحد أسواق بصرى؛ قرروا الاستراحة فيها، فنزل محمدﷺ من على دابته واستراح تحت ظل شجرة وركن ظهره على جذعها.
وكانت هذه الشجرة قريبة من صومعة راهب يُقال له نسطورا، فرأى محمدًاﷺ جالس تحت الشجرة.
فنادى الراهبُ ميسرة (وكانا يعرفان بعضهما)..
وقال له: يا ميسرة، من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟
فقال ميسرة: رجل من قريش من أهل الحرم.
فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبيُّ.
ثم قال له: فى عينيه حمرة.
قال ميسرة: نعم، لا تفارقه.
فقال الراهب: هو هو، وهو آخر الأنبياء، ويا ليت أنى أدركه حين يُؤمَر بالخروج.
ثم وصل محمدﷺ سوق بصرى، فباع سلعته التي خرج بها واشترى، فحصل بينه وبين رجل اختلافٌ في سلعة..
فقال له الرجل: احلف باللات والعزى.
فقال محمد: ما حلفت بهما قط.
فقال الرجل: القول قولك وصدقتك.
كانا الراهب وميسرة يشاهدان المشهد من بعيد، فقال الراهب: يا ميسرة، هذا نبيٌّ، والذى نفسي بيده إنه لهو.
انتهت الرحلة وربحت القافلة ضعف ما كانت تربح بالعادة؛ بسبب قائدها الجديد
وفي طريق العودة، كان يلاحظ ميسرة يرى أنه إذا اشتدَّ الحرُّ، كأن ملكين يظلان محمدًا من الشمس وهو على بعيره. (2)
و عندما عاد ميسرة إلى مكة ذهب مسرعًا إلى سيدته خديجة ليقص عليها ما حصل فأخبرها عن الراهب وما قال له، وحدثها عن كمال أخلاق محمدﷺ، وحسن تعامله، وذكائه، وحب الناس له.
فأُعجبت خديجة بمحمدﷺ، وقررت الزواج منه وأرسلت له رسالة، كتبت فيها:
يا بن عم إني قد رغبت فيك، لقرابتك، وأمانتك، وصدقك، وحسن خلقك.
بعد ما استلم محمدﷺ هذه الرسالة نادى عمه حمزة بن عبد المطلب وذهبا إلى منزل خويلد والد خديجة، وطلبا ابنته خديجة للزواج من محمدﷺ وتم زواجهما بحمد الله. (3)
من أطفأ شعلة الحرب بين العرب؟
مرَّت الأيام، وأصبح عمر محمدﷺ 35 عام، في هذا الوقت قرر أهل قريش بناء الكعبة من جديد، وذلك لأنهم خافوا أن يأتي سيل ويهدم الكعبة؛ فقرروا إعادة بنائها لتقويتها.
اجتمع كلُّ القرشيين لإعادة بناء الكعبة وكان معهم محمدﷺ وبالفعل انتهوا من بنائها، ولكن بقى جزء الحجر الأسود الذي كادت أن تقوم معركة بين قبائل قريش؛ لأجل من سيضعه في مكانه، فجاء أبو أمية ابن المغيرة (وكان أكبر شخص سنًّا في قريش).
واقترح عليهم أن يحكّم بينهم أول شخص يدخل البيت الحرام، وقدر الله أن أول من يدخل البيت الحرام حينها كان محمدًاﷺ، فصرخوا جميعا هذا محمدﷺ، هذا الصادق الأمين!
فأخبروه بما حدث وقالوا له: احكم بيننا، فأحضر محمدﷺ ثوبًا ووضع الحجر الأسود في منتصف الثوب وجعل كل قبيلة تمسك بطرفه وترفعه إلى أن وصلوا الكعبة فرفع محمدﷺ الحجر إلى مكانه.
وهكذا قام بفض نزاع لربما كان سيظل مشتعلًا لعشرات السنين بين قبائل العرب! (4)
ماذا حدث بعد ذلك؟
وما هي الحادثة التي ستبدأ معها مرحلة جديدة في حياة محمدﷺ؟
ومن هو هذا الرجل الذي سيقابله في الغار؟
وماذا سيفعل به؟ وما هي ردة فعل زوجه خديجة؟
هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة من برناج طريق النور
المراجع
- كتاب سيرة ابن هشام ت السقا - عبد الملك بن هشام - الجزء الأول - صفحة 180 إلى https://shamela.ws/book/23833/...
- 182كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 121 و https://shamela.ws/book/38114/...
- 122كتاب سيرة ابن هشام ت السقا - عبد الملك بن هشام - الجزء الأول - صفحة 189 و https://shamela.ws/book/23833/...
- 190أخرج تفاصيل تحكيم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وضع الحجر الأسود: الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٥٥٠٤) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (٥٥٩٦) - والطيالسي في مسنده - رقم الحديث (١١٥) - والحاكم في المستدرك رقم الحديث (١٧٢٦) (١٧٢٧) - وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه - رقم الحديث (٩١٠٦) - وإسناده صحيح.كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 136 إلى 140 https://shamela.ws/book/38114/133