البحث
فجر جديد للتاريخ
فِي لَيلَة مُظْلِمة فِي أَزقَّة مَدِينَة يَثرِب، كان هُنَاك طِفْل صغير يَلعَب، ثُمَّ فَجأَة رأى رَجُلا يَهودِيا مُرْتعِبًا يَجرِي مُهَرْولا فِي المدينة وَهُو يَصرُخ قائِلاً:
"يَا مَعشَر اليهود، يَا مَعشَر اليهود!"
حَتَّى اجتمَع اليهود حَولَه وقالوا لَه:"يَا وَيلَك؛ مَالَك؟ مَا الأمْر الجلل الذِي جَمَعتنَا عليْه؟"
فَقَال لَهُم الرَّجل:"طَلعَ اللَّيْلة نَجْم أَحمَد الذِي وُلِد!" (1)
فِي نَفْس هذَا اليوْم فِي قَريَة صَغِيرَة فِي جَزِيرَة العرب تُسمَّى مَكَّة، بَدأَت وِلادة امرأَة كَانَت قد رأتْ مِن قَبْل فِي مَنامِها أَنَّه خرج مِنهَا نُور أَنَار قُصُور الشَّام! (2)
فوضعتْ ولدًا جميلا لَم يُرَ أحد قَطّ بِمِثل جَمالِه!
لِتبْدأ مُنْذ هذَا الوقْتِ مَرْحَلةٌ جَدِيدَة فِي تَارِيخ البشريَّة، بِميلَاد خَاتَم الأنْبياء مُحمَّد بْن عَبْد اللَّه.
فَجْرٌ جَدِيدٌ للتَارِيخ..
لَمّا وَضعَت آمنة طِفْلهَا، وَوصَل الخبرُ لِجَده الذِي كان يُسمَّى عَبْد المُطلب، فرح فرحًا شديدًا كأن لَم يَكُن لَه أَولَاد وأحْفَاد مِن قَبْل!
ثُمَّ ركضَ الجَدُّ ذاهبًا إِلى بَيْت آمنة لِينْظر إِلى موْلودهَا، وعنْدَمَا نظر إِلَيه وجد فِيه بَهَاء وضياء لَم يرَه قطُّ فِي غَيرِه مِن الأطْفال.
فحمله وَخرَج وَطَاف بِه حَوْل الكعْبة، والفَرح والسَّعادة كانتَا تغْمرانه.
(3)ثُمَّ نظر إِلى الطِّفْل الصغِير الذِي بَيْن يديْه، وَقَال بِصَوت مُرْتَفِع:"أسْميْتك مُحمَّدًا، أسْميْتك مُحمَّدًا لِتكون مَحمُودا فِي الأرْض والسَّماء!"
كانت هُنَاك مِن وَرَاء الجدْران أَمَةٌ لأبي لهب (عَبْدُ العُزَّى بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ) تُرَاقِب بِصَمت مِن بعيد كُلَّ مَا يَحدُث فَرأَت المشْهدَ بِالكاملِ، فركضتْ بِه إِلى أَبي لَهب وقالتْ لَه:"بُشْراك، بُشْراك، أَرمَلة أَخَيك عَبْد اللَّه بْن عَبْد المُطلب قد أَنجَبت ولدًا وعبْد المطْلب والدك قد أَسمَاه مُحَمدا!"
فرحَ أَبُو لَهب فرحًا شديدًا بِالخَبر، لِدرجة أَنَّه أَعتَق الأَمَةَ التِي أتتْ إِلَيه بِخَبر ابْن أخيه!
وَهذِه الأَمة هِي ثُويْبَة الأسْلميَّة وقد كَانَت أَوَّل من أَرضَعت مُحمَّدًا بْن عَبْد اللَّه.
المَرأةُ الهَذِيلَةُ والطِّفلُ اليَتِيم!
فِي ذَلِك الوقْتِ، كَانَت هُنَاك عَادَة عِنْد أَهْل مَكَّة أن يُعْطُوا أطْفالهم لِلمرْضعات فِي البادية لِيعْتنوا بِهم ويرْضعوهم إِلى وَقْت الفطَام؛ لِأنَّ نِسَاء البوادي صِحَّتهن أَقوَى فيسْتطِعن إِرضَاع الطِّفْل إِلى أن يَشبَع ويقْوى ويشْتدَّ عُودُه، وَكذَلِك لِيحْموا الأطْفال ويبْعدوهم عن مَكَّة المزْدحِمة والتي كانَتْ من المُمكِن أن يَحْضرها حُجَّاج مُصَابون بِأوبِئة من بِلادهِم.
وبَدأَت آمنة تَبحَث لابْنِها مُحمَّد عن مُرْضِعة، وَشَاء اللَّه أَنَّه فِي نَفْس ذَلِك الوقْتِ مِن السنَة تَأتِي قَبِيلَة بَنِي سَعْد مِن البَادية إِلى مَكَّة، وَذلِك لِيأْخذوا الأطْفال الذِين وُلِدوا حديثًا؛ لِإرْضاعهم.
فبدأتْ نِسَاء قُرَيش بِالتَّراكض إِلى نِسَاء بَنِي سَعْد المرْضعات لِتخْتَار كُل وَاحِدة مِنْهنَّ الأفْضل لِابْنِهَا.
وركضتْ مَعهُنَّ آمنة بِنْتُ وَهْب؛ لِتخْتَار أَفضَل مُرْضِعة لِمحمَّد، وَلكِن المفاجأة أَنَّه لَم تَقبَل أيَّ مُرْضِعة بِمحمَّد لِأَنه كان يتيمًا فَخِفن أَلَّا يَحصُلن على العطايَا والمَال الوفِير...
وكانتْ مِن ضِمْن مُرضعَات بَنِي سَعْد امرأَة تُسمَّى حَلِيمَة السَّعْديَّة، لَم تَرضَ أيُّ أُمِّ مِن نِسَاء قُرَيش أن تُعْطِي ابنهَا لِحليمة، لِأنَّهَا كَانَت نَحِيلَة فخفْن أَلَّا تُشْبِع أطْفالهنَّ.
بَعْد فَترَة بدأ بَنُو سَعْد بِالرُّجوع إِلى بوادِيهم، وَبقِي مُحمَّد بِلَا مُرْضِعة، وبقيتْ حَلِيمَة بِلَا طِفْل.
وَهنَا حَلِيمَة السَّعْديَّة نَظرَت إِلى زوْجهَا الحارث وقالتْ لَه:"وَاللَّه إِنِّي لَأكْره أن أَعُود بِغَير طِفْل كصَاحِباتي."
وبالْفعْل ذَهبَت إِلى آمنة وأخذتْ مُحمَّدًا لِإرْضاعه، واتَّفقَتَا على أن تُعيده فِي مَوعِد الفطَام.
مَنْ أَوْقَفَ صُرَاخَ الطِّفلِ الجَائِع؟
عِندَمَا ذهبتُ حَلِيمةُ إلى راحِلَتِها، ووضَعَتهُ في حِجرِها، وَألقَمَتهُ ثَديَها، فَبَعدَ أنْ كَانَ خَاليًا خاويًا، دَرَّ على مُحمَّدٍ اللبَنُ بِغَزارةٍ حتَّى اِرتَوى، فسَارَعتْ بِسَقي ابْنَها فارتَوى هُو الآخَر حتَّى نَام.
صُعِقَت حَلِيمةُ مما حَدَث أمَامَها؛ فابْنُها يَبْكي مُنذُ أسَابِيعَ مِنْ جَفافِ صَدرِهَا، وقِلةِ حَلِيبِها.
بَل عِندمَا قَامَ زَوجُها بِحَلبِ نَاقَتهُما العَجُوز العَجْفَاء، فَإذَا ضِرعَاها حَافِلانِ مُمتَلِئانِ، فشَربَا مِنْهَا حتَّى ارتَوَيَا.
حِينَهَا، نَظَرَ إليهَا زَوجُها وقَالَ لهَا:
أَتَدرِين يا حَلِيمَةُ أنَّكِ قَدْ ظَفَرتِ بِطِفلٍ مُباركٍ..
فقَالَتْ له: إنَّهُ لكذَلِك وإنِّي لأرجُو مِنهُ خيرًا كثيرًا،
ثُمَّ نَامَا بَعدَ أن كَانَ النَّومُ مُفارقًا لعَينَيهُمَا مُنذُ مدةٍ طَوِيلَة.
هَذَا كانَ فِي أوَّل يومٍ فَقَط، وَلَكَ أن تَتَخيَّل كمّّ العَطَاءاتِ والخَيْراتِ التِي نَزلَت على بَيْت حَلِيمَة السَّعْديَّة وَزَوجهَا الحارث بْن عَبد العزَّى بَعْد النَّسَمة المُباركة التِي أَخَذوهَا مِن قُرَيش.النَّاقَةُ العَجُوزُ التِي تَحَوَّلَت شَابَة!
عِنْدَمَا استَيْقَظَا في الصَّبَاحِ، وفِي طَرِيقِ عَودَتِهم إِلى قَبِيلَتِهم، تَحَوَّلَت الدَّابَةُ المُسِنِةُ المُرْهَقَةُ التِي كَانَت تَحمِلُهم إلى شَابةٍ يافِعةٍ تقَدَمَت جَمِيعُ دَوَاب قَومِهم، حتَّى أنَّهُم جَميعًا استَعْجَبُوا لأمْرِهَا، وسَألُوا مَاذَا حَدَثَ لَهَا؟!
وَهَي التي كَانَتْ أبْطَأ الدَّوَابِ فِي رِحلَاتِهم!
ألَّا إنَّهم لم يَعلَمُوا أنَّها كَانَت تَحمِلُ سَيدَ الأنبِياءِ وَسَيدَ وَلَدِ آدمَ جَمِيعهُم
فِي نَفْس هَذِه السنَة كان بَنُو سَعْد يُعانون مِن قَحْطٍ قَاحط، فالطَّقْسُ فِي البَادية صحْراويٌّ شَديد السُّخونة، والمراعي جَافَّة، والدَّوابُّ لَا تُنتِج الحلِيب!
ولكِن بَعْد مجيء مُحمَّد تَغيّر الأمْر فكانتْ دَوَاب حَلِيمَة السَّعْديَّة تَرعَى وَتعُود وَهِي مَلِيئَة بِالحليب، أَمَّا بَقيَّة مَواشِي بَنِي سَعْد كَانَت تَرعَى وَتعُود وَهِي جَافَّة مِن الحلِيب!
لِدرجة أنَّ بَنُو سَعْد تَعَجبوا مِن هذَا الحال وأصْبحوا يُرْسلون دوابّهم لِترْعى مع دَوَابها و لِتأْكل مِمَّا تأكُل مِنْها فَتدِرّ لَهُم الحلِيب، وَلكِن مع ذَلِك كَانَت تَعُود جَافَّة وَدَواب حَلِيمَة التِي تعيشُ فِي مَنزلِها تَعُود مُمتلئَة!
بَينَ شَوقِ الأُمِّ وحَنانِ المُرضِعَة
بَقِي مُحمَّد عِنْد حَلِيمَة السَّعْديَّة إِلى أن فُطِم وَجَاء مِيعَاد عَودَتِه إِلى أُمِّه آمنة بِنْتْ وَهب، وبالفعْل ذَهبَت حَلِيمَة مع مُرضعَات بَنِي سَعْد إِلى قُرَيش لِيعيدوا أطْفالهم إِليْهم، وبدأتْ كُلُّ امرأَة تُعيد الطِّفْل إِلى أُمِّه، وَحَليمَة السَّعْديَّة حَزِينَة جِدًّا على فِراقه وَكارِهة لإِعادَته إِلى أُمِّه!
التَقَت آمنة وَحَليمَة...
قَالَت حَلِيمَة وَهِي تَمُد مُحمَّدًا لِأمِّه:"يَا آمنة وَاللَّه إِنِّي لأخَاف على مُحمَّد مِن جوِّ مَكَّة."
فَمكَّة دائمًا مُكْتظَّة بِالحجَّاج والأجانبِ ومن المُمكن أن يجْلبوا الأمْراضَ مِن بِلادِهم.
وطلبتْ مِنهَا أن يَبقَى مُحمَّد عِنْدهَا حَتَّى يَكبُرَ ويشْتدَّ عُودُه ثُمَّ بَعْد ذَلِك تُرجِعه.
تَرددَت آمنة كثيرًا فقد اشْتاقتْ لِولدِهَا، وَلَكنهَا آثرتْه على نفْسِهَا بعْدمَا اقْتنَعتْ بِكلام حَلِيمَة، فأرْسلتْه مَعهَا وعادتْ حَلِيمَة وَهِي أَسعَد النَّاس بِمحمَّد. (4)
مَن شَقِّ صَدرِ اليَتِيم؟!
مضتْ الأيَّام، وَبدَأ مُحمَّد بِالمَشْي واللَّعب، وَفِي يَوْم مِن الأيَّام، جاء ابْن حَلِيمَة يَركُض وَيبكِي وينادي أُمَّه:"أُمَّاه أُمَّاه!"
قَالَت لَه:"مَا بِك يَا وَلدِي؟"
فقالَ لَهَا: أدركَا أخِي، قَدْ جَاءَه رجُلَانِ فَشَقَّا بَطْنَه!
فَخَرجَت حَلِيمةُ وزَوجُها مُسرِعينِ إلى مُحمَّدٍ فوَجَداهُ شَاحبَ الوَجه، مُتَغيرَ اللونِ، مَرتَجفَ الجَسدِ، فعانقَاه ثُمَّ سَألاه: مَا بِك يا بُنَي؟
قَالَ: أتَانِي رجُلانِ عَلَيهمَا ثِيابٌ بِيضٌ، فَأضجَعَاني، وَشقَّا بَطنِي، والتَمَسَا شيئًا فِيه، لا أدرِي ما هُو ثُمَّ خَليَاني، ومَضَيَا.
فحملَتْه حَلميةُ ونظرتْ إِلى صَدرِه فَرأَت آثار شَقٍّ، فخافتَ خوْفًا شديدًا عليه.
فالتَفَتَ إليها زوجُها الحارثُ وقَالَ وعَيناه تَدمَعَانِ:
إنِّي لأخشَى أن يكُونَ هذا الغُلامُ المُباركُ قَدْ أُصيبَ بِأمرٍ لا قِبَلَ لنَا بِردِّه فالحقِيهِ بأهلِه، فإنِّهم أقدرُ منَّا على ذلك.
مَا للشَيطانِ عليه سَبِيل ( آمنة بنت وهب )
ذَهبَت حَلِيمَة فِي اليوْم التَّالي مسافرة إِلى آمنة بِنْتِ وَهْب وَأَعادَت مُحَمدًا لَهَا، وَلكِن آمنة شكّتْ بِمَا حدث فَقبل فَترَة قد أَصرَّت حَلِيمَة لِيبْقى لَديْهَا واليَوْم أعادَتْه فسألتْهَا عن السَّبب.
فقالتْ لَهَا حَلِيمَة:"لقَدْ قَويَ عُودُه واكتَمَلَتْ فُتُوتُه، وقَضَيتُ الذي عليَّ نَحوَه، وتَخَوَّفتُ عليه مِنْ الأحدَاثِ، فأدَّيتُه إليك."
ففَطَنَتْ السَّيدةُ آمنةُ لهَا وقَالَتْ: أَصدِقِيني الخَبَرَ فمَا أَنتِ بالتِي تَرغَبُ عَنْ الصَّبِي لهَذا الذي ذَكَرتِه
فمَا زَالَتْ تَلحُ عَلَيها، ولَمْ تَدَعْهَا حتَّى أخْبَرَتهَا بِمَا وَقَعَ،
فَلَمْ تَجذَعْ وقالَتْ بسَكِينَةٍ تَتَغشَاهَا :"يَا حَلِيمَة؛ أَخِفتِ عليْه مِن الشَّيْطان؟"
فقالتْ حَلِيمَة:"نَعَم..."
أجابتْهَا آمنة:"يَا حَلِيمَة؛ مَا لِلشَّيْطانِ عليْه سبيل، وإنَّ لابني لشأنًا… فهَلْ أُخبِرُكِ خَبَرَه؟
فَقَالَتْ: نَعَمْ!
قَالَتْ: رَأَيتُ حِينَ حَمَلت بِه أنَّهُ خَرَجَ منِّي نُورٌ أضَاءَ لي قُصُور (بَصرَى) مِنْ أرضِ الشَّام… ثُمَّ إنَّي حينَ ولَدتُه نَزَلَ وَاضِعًا يَدَيهِ على الأَرضِ، رَافعًا رَأسِه إلى السَّماء؛
فاطمَأنَ قَلبُ حَلِيمة وَعَلِمَتْ أنَّ النُّورَ الذي أضَاءَ بَيتَهَا سَيضِيء نورًا وهاجًا للعَالمِ عن قريبٍ
فمَضَت هي وزَوجُها وابنُهما الصَّغير، وعُيَونهُم تَمتَلئ دموعًا على ودَاعِه، وقُلُوبهُم تَتَفتَّقُ ألمًا على فِراقِه.
وحقًّا لهم أن يَتَألموا بَعدَ أنْ خَرَجَ عَبَقُ رَسُولِ اللهِ مِنْ حَيَاتِهِم
الرَّحلةُ الأخِيرَةُ مَعَ آمِنَة
بلغ مُحمَّد السَّادسة مِن عُمْرِه، وكانَ شابًا عِندَمَا تَرَاه تَرى فِيه أجتِمَاعَ مَحَامِدِ الأَخْلَاق.
و في يومٍ قرَّرتْ آمِنةُ أن تَأخذَه إِلى أخْواله لِيتعرَّفوا عليْه، فخرجتْ فِي طريقهمَا إِلى يَثرِب.
وعنْدَمَا وَصلَا، اسْتقْبله أخْواله أَفضَل اسْتقْبال، وفرحوا بِه فرحاً كبيراً ، وأحبُّوا وُجُودَه بيْنهم.
وَلكن بَعد مُدَّة، حان وَقْت الرحِيل، فحزموا امتعتهم للعوْدة إِلى مَكَّة، وَفِي الطرِيق تَعبَت آمنة فَجأَة ومرضتْ مرضًا شديدًا وظلَّ مُحمَّد يَبكِي فَوْق رأْسهَا ويعْتَني بِهَا إِلى أن مَاتَت...
فلم يَكُن لِمحمَّد سِوَى أن يَعُود إِلى مَكَّة وحيدًا دُون أُمِّه ...
وحينها أصبح يتيم الأَب والأمِّ وَهُو ابْن سِتِّ أَعوَام فقط. (5)
إِنًّ لِهَذا الطِّفْل شَأْنًا عَظيمًا (عبد المطلب)
عاش مُحمَّد بَعْد ذَلِك فِي مَكَّة عِنْد جَدِّه عَبْد المُطلب، وَكَان جدُّه يُحبُّه حُبًّا شديدًا أَكثَر مِن أبْنائه وأحْفاده كُلهِم.
لِدرجة أَنَّه كان لَعَبد المطّلب - سَيِّد قُرَيش - مَقعَد خاصّ بِالقرْب مِن الكعْبة لَم يَكُن لِيجْرؤ أيّ شَخْص على الجلوس عليْه، حَتَّى أبْناؤه.
وَلكِن لَم يَكُن هذَا الحال لِمحمَّد.
فقد كان مُحمَّد ذُو السِّتِّ سَنَوات يَمشِي بَيْن الجمِيع ويذْهب لِلجلوس عليْه دُون أن يَقُول لَه عَبْد المُطلب شَيْئا!
بل حَتَّى لَم يَسمَح لِلآخرين أن يُبعِدوه عن هذَا المقْعد، فَكَان يَقُول لَهُم بِغَضب:"دعُوه؛ فَإِنَّ لِهَذا الطِّفْل شَأْنًا عظيمًا!" (6)
حَتَّى عَبْد المُطلب كان يَعلَم أنَّ هذَا الفتى ذُو السِّتِّ أَعوَام سيكْبر وَيصبِح قَائِدًا ذَا شَأْن عظيم، يَقُود الأُمة جَمْعاء!
لَمَّا صار عُمَر مُحمَّد ثَمانِية أَعوَام، مرض جَدّه عَبْد المُطلب مرضًا شديدًا، فنادى على ابْنِه أَبِي طَالِب وَوَصاه على مُحمَّد، لِيتكَفَّل بِه بَعْد مَوتِه، فَقذَف اللَّه حُبَّ مُحمَّد فِي قَلْب عَمِّه أَبِي طَالِب أَكثَر مِمَّا كان، لِدرجة أنَّ النَّاس كَانَت تَقُول:"مَا كان أَبُو طَالِب يَخرُج ويدْخل إِلَّا بِرفْقة مُحمَّد!"
ولم يَكُن هُو وعائلته يبْدؤون الطَّعَام إِلَّا بِرفْقة مُحمَّد لِكيْ تَكُون هُنَاك بَرَكَة فِي الطَّعَام. (7)
ثُمَّ مَرَّت الأيَّام، وأصْبح مُحمَّد شابًّا يَعمَل، وَأوَّل عمل اشتغَل بِه هُو رِعاية الأغْنام.
ثُمَّ سَافَر مع عَمِّه فِي تِجارة إِلى الشَّام لِيقابل رَجُلًا كان قد عَرفَه حَتَّى قَبْل أن يُقَابلَه، وَسمِع عَنْه قَبْل حَتَّى أن يعْرفه، وَآمَن بِه قَبْل أن يَبلُغَ دعْوته!
مَن هُو هذَا الرَّجل؟
وماذَا حَدَثَ مَعَه؟
هذَا مَا سَنعرِفه فِي الحلْقة القَادِمَة من برنامج طريق النور
المراجع
- كتاب سيرة ابن هشام ت السقا - عبد الملك بن هشام - الجزء الأول - صفحة 159 https://shamela.ws/book/23833/...
- 158كتاب سيرة ابن هشام ت السقا - عبد الملك بن هشام - الجزء الأول - صفحة https://shamela.ws/book/23833/...
- 81كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة https://shamela.ws/book/38114/78#p1
- 165كتاب سيرة ابن هشام ت السقا - عبد الملك بن هشام - الجزء الأول - صفحة 162 إلى https://shamela.ws/book/23833/188
- 168كتاب سيرة ابن هشام ت السقا - عبد الملك بن هشام - الجزء الأول - صفحة https://shamela.ws/book/23833/191
- 180كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة https://shamela.ws/book/38114/105
- كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 113 https://shamela.ws/book/38114/110#p1