1. المقالات
  2. برنامج طريق النور
  3. ماذا كان يفعل الكفار في عتمة الظلام؟

ماذا كان يفعل الكفار في عتمة الظلام؟

6 2025/07/05 2025/07/05

لما رأى المشركون أنهم لن يقدروا على مواجهة دعوة سيدنا محمد. 

قالوا: ليس لنا حيلة إلّا أن نذهب إلى أحبار اليهود في المدينة، لنسألهم ونستعين بهم على محمد وأصحابه.

تخيل!! 

لقد استعان الكفار بأحبار اليهود الذين لا توجد بينهم أي علاقة من قبل، فقط ليقضوا على محمد، على الرجل الذي كانوا ينادونه بالصادق الأمين.

فأرسل كفار قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط في رحلة تتجاوز أكثر من 400 كيلومتر إلى أحبار اليهود في المدينة.  

فلما وصلوا إليهم وجلسوا معهم

سألهم الأحبار: ما الذي أتى بكم؟ 

قال عقبة والنضر: جئنا نسألكم عن رجل يدّعي أنه نبي، اسمه محمد بن عبدالله.

وكان اليهود يعلمون أنه خاتم الأنبياء، بل وعندهم أوصافه في كتبهم وتوراتهم، و ذكر الله أنهم يعرفونه أكثر مما يعرفون أبناءهم.

لكنهم حسداً وغيظاً أنه لم يخرج من بينهم، أرادوا بث الشبهة في نفوس الكفار.

فقالوا للنضر وعقبة: سلوا هذا الرجل ثلاث أسئلة، فإن أجابكم فهو نبي، وإن لم يفعل فهو كاذب فافعلوا به ما تشائون.

قالوا: وما هذه الثلاث أسئلة؟ 

قالوا: السؤال الأول سلوه عن فتية في الدهر غابوا، أمرهم عجب، ثم سلوه عن رجل طاف مشارق الأرض ومغاربها، ثم سلوه عن الروح.

إن أجابكم عن هذه الأسئلة الثلاث فهو نبي وإن لم يفعل فإنه يتقوّل بكم ويكذب عليكم، فافعلوا به ما شئتم.

أخذ النضر وعقبة الأسئلة وعادا بها إلى مكة.

واجتمع الكفار ليسألوا محمدا عن هذه الأسئلة الثلاث

فقال لهم محمد: سأجيبكم غداً

ثم ذهب محمد ولم ينزل عليه الوحي ولم يجبهم.

جاء الغد وعاد المشركون إلى محمد

قالوا: يا محمد، أين الإجابات؟

فقال لهم محمد مرة أخرى: أجيبكم غداً فلم ينزل الوحي أيضاً

خمسة عشر يوم، والحال كما هو 

يقول أجيبكم غدا ولم يأتِ الوحي يجيبه على هذه الأسئلة!!

حتى بدأ الكفار يشككون أصحاب محمد بدعوته ويقولون لهم: انظروا كيف أعجزنا محمد.

والله يريد أن يعلّم نبيه أنه إذا قال غداً أن يقول إن شاء الله ولكنه نسي، وحزن محمد على تأخر نزول الوحي.

فجاء جبريل إلى محمد بعد خمسة عشر يوماً وعندما سأله سيدنا محمد عن إجابات الأسئلة 

قال له جبريل على لسان الله تعالى:

"وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا"

ثم عاتبه لأنه نسي ذكر الله، فقال له:

"وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا"

فإن شاء الله فإنك فاعل.

ثم أكمل جبريل وقال: وأما الأسئلة الثلاث فإجابتها في سورة الكهف، فنزلت سورة الكهف.

أما الفتية الذين غابوا

 "نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى". أما الرجل الطواف "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرً- إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾  "

أما الرجل الطواف

"وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرً- إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾

أما الروح

"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"

وبهذه الإجابات الثلاث أسكت محمد كيد الكفار وحقد اليهود. (1)

صناعة الإلهاء  

النضر بن الحارث (2)

شيطان من شياطين قريش، وداهية من دهاة العرب كان يسافر كثيراً، فاختلط بالرومان والفرس فعرف قصصهم وتاريخهم وأساطيرهم.

وعندما عاد النضر إلى مكة فوجد الناس مقبلون على اتباع دين التوحيد، واستماع القصص الحق.

بدأ في حربه بصناعة الإلهاء 

ففي كل مرة، يجلس محمد مع الناس يذكر الله، ويحدّثهم عن الإيمان والملائكة وعن الجنة والنار والرسل و قصص الأنبياء.

جاء النضر -لعنه الله -وجلس بالقرب منه يحكي للناس الأساطير والأباطيل التي تجذب الإنتباه وتنشط الشهوات، فتارة يتحدث عن قصص الإنحرافات، وتارة يتحدث عن الرومانسيات والهزليات. 

خندق النار 

قام أبو جهل في وسط عشيرته والناس حوله يجلسون أمام الكعبة. 

وقال بعزة نفس باطله: والله لو أتى محمد ليصلي أمام الكعبة والله لأطأن عنقه برجلي، ولأعفرن وجهه بالتراب.

جاء محمد، وقف أمام الكعبة واستقبل قبلته، ثم بدأ 

الله أكبر، قالها محمد بصوت مرتفع لا يخشَ شيئا ثم بدأ صلاته. 

رأى أبو جهل الناس ينظرون إليه، فقام أمام الجميع لينفذ ما قاله، وسار نحو محمد.

فمشى  نحوه، فلما اقترب منه، تفاجأ أبو جهل بشئٍ ما يوقفه، ثم رآه الناس يرفع يديه أمام وجهة وهو مذعور ثم تخلف و تراجع وهرباً.

فسألوه: ما بك يا أبا جهل؟ 

فقال أبو جهل: رأيت بيني وبين محمد خندق من النار.

يقول محمد: والله لو اقترب مني لتخطّفته الملائكة عضواً عضواً. (4)

فنزلت الآيات:

"أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ"

ويقول وهو يستهزئ: أما أقول أنا خيرٌ أمّا يقوله محمد في أساطير الأنبياء والأولين؟ والله ما محمد بأحسن حديثاً مني.

فنزلت الآية: 

"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ"

وليس ذلك فحسب، بل اشترى النضر مطربات وراقصات، فبدلاً من أن تتخيل الراقصات والمجون في رواياته، فلتشاهدها عياناً بنفسك. 

وكلما رأى محمدا يتكلم مع أحد ويدعوه للإسلام أرسل مغنّيته إليه، لتغنّي له وتطربه وتلهيه عن القرآن الكريم. 

وليس هو وحده من كان يقوم بحرب الإلهاء 

بل باقي الكفار أيضا فكانوا  إذا سمعوا محمداً يقرأ القرآن بدأوا يصرخون ويتكلمون بصوت مرتفع، حتى يشوّشوا على الناس سماع القرآن، فهم يعرفون أثر القرآن على النفس. 

فأنزل الله تعالى:

"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ"

ماذا كان يفعل الكفار في عتمة الظلام؟ 

الأخنس بن شريق، عمرو بن وهب، أبو سفيان بن حرب، وأبو جهل. 

هؤلاء الأربعة كانوا يخرجون من بيتهم خلسة في عتمة الليل ليذهبوا إلى الكعبة.

و مكة في ذلك الوقت، لم يكن الطريق فيها منير  كما الحال عندنا الآن، فلم يكن أحد يستطيع أن يرى الطريق أمامه من شدة الظلام، حتى كف يدك لم تكن لتراها في ظلام مكة.

لماذا كانوا يذهبون للكعبة في ذلك الوقت يا ترى؟ 

هل لتفقّد أصنامهم؟ هل للتدبير لمكائدهم؟ 

ستتفاجؤون عندما تعلمون أنهم كانوا يخرجون كل واحد منهم على حدا، دون أن يعلم كل واحد منهم بوجود الآخر،  ويجلسون في مكان قريب من الكعبة، ليسمعوا القرآن من فم محمد وهو يصلي أمام الكعبة!

وعندما  يبدأ الفجر بالطلوع وتبدأ السماء بالإضاءة، وينير الطريق، يقومون ليعودوا إلى منازلهم بسرعة قبل أن يراهم أحد من القوم.

ولكن المفاجأة أن هؤلاء الأربعة تقابلوا والتقوا صدفة في طريق العودة ورأى كل واحد منهما الآخر، وتعجبوا من فعلة كل واحد منهم.

وقالوا بعضهم لبعض: ما الذي تفعلونه هنا؟ لو رآكم سفهاء مكة لألقيتم في قلوبهم شيئاً تجاه محمد.

وتعاهدوا أن لا يعودوا إلى ذلك أبداً.

في اليوم التالي والسماء مظلمة ومحمد عند الكعبة يصلي ويقرأ القرآن، خرج كل واحد منهم مره أخرى بسرية تامة من بيته إلى الكعبة، وجلسوا على مقربة منه يستمعون إليه. 

فلما طلع الصبح رأوا بعضهم مرة أخرى، فلاموا بعضهم وتعاهدوا على أن لا يعودوا لذلك أبداً ثم افترقوا.

وحصل ذلك أكثر من مرة، إلى أن حلفوا ألّا يعودوا لذلك ابداً.

فذهب الأخنس بن شريق إلى أبو سفيان في بيته.

وسأله: هل سمعت من محمد القرآن الذي سمعته أنا منه؟ 

قال أبو سفيان: نعم، سمعت ما يقول من الحق.

ثم ذهب الأخنس إلى أبي جهل، وسأله: هل سمعت من محمد القرآن الذي سمعته أنا منه؟ 

قال أبو جهل: نعم

قال الأخنس: وما رأيك فيه؟ 

قال أبو جهل: كنا نحن وعبد مناف - أي عائلته وعائلة محمد-، كفرسي رهان -يعني نتسابق على سيادة مكة-، فأطعموا الحجاج فأطعمناهم، وسقوا الحجاج فسقينا نحن كذلك، حتى إذا خرج منهم رجل يقول أنا نبيّ فأنى لنا هذا. (5)

يعني لو أسلمنا لمحمد، سنكون مؤمنين لأحد من عبد مناف وسيتكبّرون علينا و يسبقونا، فوالله لا نتركها لهم ابداً ولن ندعهم يسبقونا.

هكذا كان كفار قريش متكبرون، يعرفون الحق ولكنهم له جاحدون.

ولكن السؤال هل سيتوقفون عن حربهم ضد محمد؟ أم أنهم سيكملون ما بدأوا به، بل وسيحاربون محمد وكل من آمن معه؟ 

في الحلقة القادمة: من برنامج طريق النور

سيظهر الوجة الحقيقي لكفار مكة وماذا فعلوا من تعذيب وتنكيل بالرجال والنساء والأطفال و المستضعفين..

انتظرونا

المراجع

  1. كتاب الموسوعة في صحيح السيرة النبوية - العهد المكي - محمد إلياس الفالودة - صفحة 416 و 417
  2. كتاب سيرة ابن هاشم ت السقا - عبد الملك بن هاشم - الجزء الأول - صفحة 300
  3. https://www.alukah.net/sharia/...
  4. كتاب صحيح السيرة النبوية للعلي - إبراهيم العلي - صفحة 65
  5.  كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون - موسى بن راشد العازمي - الجزء الأول - صفحة 310 إلى 312



المقال السابق
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day