1. المقالات
  2. الشبهات الثلاثون لإنكار السنة - د. عبد العظيم المطعني
  3. الشبهة التاسعة : اقتحام السُّنَّة حواجز الغيب

الشبهة التاسعة : اقتحام السُّنَّة حواجز الغيب

الكاتب : د. عبد العظيم المطعني

من الأمور القادحة في صدق السُّنَّة وصحتها عند منكريها المعاصرين، ما فيها من أحاديث تتحدث عن الأمور الغيبية وهذا – عندهم – لا يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر والبشر لا يعلمون الغيب؟

 

إن علم ما في الغيب مقصور على الله وحده، وإن القرآن أمر النبي أن يعلن للناس أنه لا يعلم الغيب، إذن فوجود أحاديث في صحاح كتب السُّنَّة، كالبخاري ومسلم، تتحدث عن أمور غيبية، كأحاديث نعيم القبر وعذابه، وأهوال القيامة وصفة الجنة والنار، وما حدث به النبي في حياته عن أمور ستحدث بعده في الحياة الدنيا، أو ما حدث عن أمور وقعت في مكان غير المكان الذي هو فيه، كمقتل أحد زعماء الفرس، وما جرى على هذا المنوال كل هذه علامات على أن السُّنَّة المروية في الكتب الآن، لا تصح نسبتها إلى الرسول، وإن استوفت شروط الصحة التي تواطأ عليها علماء الحديث؟!

 

ويتساءلون: كيف علم النبي أن القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار؟

 

وكيف علم أن صاحبي القبرين اللذين مر عليهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، وأن أحدهما كان لا يستبرئ من بوله، والآخر كان يمشي بالنميمة، بين الناس.

 

وكيف علم أن الله يصلح بين بعض عباده يوم القيامة، ويقول لمن أصلح بينهما: "خُذْ بِيَد أَخيكَ وَأْدخُلَا الجنة"؟!

 

وعلى أي أساس بشر عشرة من أصحابه بالجنة، حتى صارت هذه البشارة عنواناً عليهم "العشرة المبشرون بالجنة"؟!

 

وكيف علم أن في يوم القيامة شفاعات لغير الله يدخل بسببها أناس الجنة، وهم حسب أعمالهم من أصحاب النار؟

 

وكيف اقتحم أستار الجنة والنار وأطلع على أهلهما فوجد أكثر أهل النار من النساء؟

 

ويقولون: إن هذه الأخبار كلها موضوعة ولو بلغت أعلى درجات الصحة، لأن الله تعالى كرر في كتابه العزيز أن الغيب لا يعلمه أحد سواه: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } (سورة الأنعام: 59).

 

ويقول عز وجل: { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } (سورة النمل: 65).

 

وقال مخاطباً رسوله: { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (سورة الأعراف: 188).

 

{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } (سورة الأنعام: 50).

 

أليست هذه أدلة قاطعة على أن ما رواه الرواة منسوباً إلى النبي من شئون الغيب الزماني والمكاني تزوير على رسول الله؟!

 

هذا ما يردده هؤلاء المضلون، ونريد أن نذكر – هنا – القاريء الكريم بحقيقة أشرنا إليها من قبل، لأهمية هذه الحقيقة في هذه الدراسة الكاشفة لأوهام منكري السُّنَّة النبوية حزب الشيطان، ونصوغها في العبارة الوجيزة الآتية:

 

  • أن منكري السُّنَّة، إما إن يكونوا جهلاء جهلاً مركباً أن كانوا حسنى النية فيما يقولون.
  • وإما أن يكونوا معاندين عملاء لأعداء الأمة والوطن، ومحال أن يكون وراء هذين السببين سبب ثالث.

 

تفنيد هذه الشبهة ونقضها:

مسئولية الجهل وراء هذه الشبهة تعلن عن نفسها بصوت عالٍ، ولندع مسئولية العناد جانباً الآن.

 

والجهل – هنا – مركب، وهو داء عياء.

  • فهم أولاً جاهلون بمنزلة رسل الله، وفي مقدمتهم خاتم النبيين.
  • وهم ثانياً جاهلون بالقرآن ومقاصده وقيمه ومبادئه.
  • وهم ثالثاً جاهلون بالسنة من ألفها إلى يائها.
  • وهم رابعاً جاهلون بأنهم جاهلون.

 

وإذا اجتمعت ضروب الجهل هذه في أناس، فالصمت خير لهم من الكلام، والموت أستر لهم من الحياة.

 

جاهلون بمنزلة رسل الله عند الله، وهم بسبب هذا الجهل ينظرون إلى الرسول كأنه واحد منهم، ليست له خصوصية كرامة وتكريم عند الله، ولا خصوصية تأييد بالنصر وخوارق المألوف عند عامة الناس. وأن الله يجري على أيديهم ما يضن به على سائر خلقه، تثبيتاً لهم، وتصديقاً لرسالاتهم.

 

وجاهلون بالقرآن، ولو كانوا قد رزقوا حسن فهمه ووقفوا على ظواهر معانيه ودقائقها لما ساغ لهم أن يرددوا هذا القول الناعي عليهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور.

 

فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يكن أول رسول يمزق الله له حواجز الزمان والمكان، ويطلعه على بعض الغيوب التي لم يكن ليعلمها لولا فتح الله عليه بها.

 

ألم يخبرنا القرآن أن الله أطلع يوسف عليه السلام، وهو غلام، حين ألقاه إخوته في الجب ليتخلصوا منه ويصفو لهم قلب أبيهم ووجهه؟

ألم يقرأوا قوله تعالى: { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } (سورة يوسف: 15).

 

ثم دار الفلك دورته، وجاءت لحظة الأنباء، فقال لهم يوسف عليه السلام: { قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } (سورة يوسف: 89). أليس هذا غيباً كان الله قد أنبأ به نبيه يوسف عليه السلام، فوقع كما أنبأه الله به.

 

ثم ألم يقرأوا أن الله من على يوسف مرة أخرى إذا أطلعه على غيب زماني قبل أن يقع بعشران السنين، أنبأه به عن طريق الرؤيا الصادقة.

 

{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } (سورة يوسف: 4).

 

ثم دار الفلك دورته فصدق الله رسوله يوسف تلك الرؤيا لما رأى إخوته وأباه وأمه يحيونه بمصر بعد قدومهم إليها. وفي هذا يقول الحق عز وجل: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } (سورة يوسف: 100).

 

ثم ألم يخرق الله ليعقوب عليه السلام أستار الغيب المكاني فنقل إليه ريح (رائحة) ولده يوسف من مصر إلى الشام حتى لكأنهما يتعانقان في مكان واحد، وقد حكى القرآن هذه "المعجزة" على لسان يعقوب عليه السلام: { وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَن تُفَنِّدُونِ } (سورة يوسف: 94).

 

إن هذه الريح (الرائحة) التي حملتها يد القدرة الإلهية فأمتعت بها مشاعر يعقوب لم يشعر بها مجالسوه في المكان نفسه، فنسبوه إلى التخريف قائلين:

 

{ ... تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ } (سورة يوسف: 95).

 

ولم يقف عطاء الله الإعجازي على يوسف وأبيه، بل كان لأم موسى عليه السلام – منه نصيب.

 

ألم يقل لها أصدق القائلين مخبراً بوحيه إليها: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } (سورة القصص: 7).

 

فقد أخبرها بأنه سيرده إليها، ويجعله رسولاً، وهذا غيب زماني كما ترى.

 

ثم وقع هذا الغيب بشقيه: الرد، والرسالة، كما أخبر الله أم موسى: أما الرد فقال الله فيه: { فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ...} (سورة القصص: 13).

 

وأما الرسالة، فقد قال الله فيها: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } (سورة القصص: 14).

 

أفليست هذه غيوباً أطلع الله عليها بعض رسله وأوليائه؟

 

وكذلك صنع الله عز وجل مع رسوله الكريم عيسى بن مريم عليه السلام، وتحدث بذلك عيسى باعتباره آية من آيات الرسالة، التي كرمه الله بها إلى بني إسرائيل.

 

أفلم يقرأ هؤلاء الجهلة. أو المعاندون ما حكاه القرآن الأمين عن عيسى عليه السلام:

{ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (سورة آل عمران: 49).

 

هل كان مع عيسى أجهزة تجسس يرصد بها أسرار الناس في البيوت؟!

 

أم أن عيسى – عليه السلام – رسول مؤيد من عند الله بالمعجزات زمانية كانت أو مكانية.

 

وهل لمن يجهل هذه الحقائق أن ينصب من نفسه عالماً حهبذا أوتى علوم الأولين والآخرين، بل تفوق في العلم على أنبياء الله ورسله، وعلا جهله على حقائق الوحي الأمين، وإذا كان هذا هو فضل الله على يعقوب ويوسف وعيسى عليهم السلام، وعلى أم موسى رضي الله عنها، فكيف يستكثر هؤلاء (البهاليل) على خاتم الأنبياء والرسل أن يطلعه على بعض الغيوب الزمانية والمكانية، وهو رسول الله إلى الناس جميعاً حتى قيام الساعة؟!

 

إن الرسل لا يملكون الإطلاع على الغيب بذاوتهم، وإنما يمن عليهم علام الغيوب بما يشاء هو لا بما يشاءون هم.

 

وقد أعلن الله في كتابه أنه وحده هو عالم الغيب وفي الوقت نفسه أعلن أنه يُطلع من يشاء من رسله على أشياء من الغيب بمقتضى إرادته وحكمته، وإذا أطلع بعض رسله على بعض الغيوب فليس معناه أن هؤلاء الرسل صاروا شركاء لله في علم الغيب، وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده. ولكن جهل منكري السُّنَّة هو مصيبة فوق كل المصائب عندهم، قاتلهم الله.

 

ألم يقرأوا قول أحكم الحاكمين: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } (سورة الجن: 26-27).

 

ونسأل منكري السُّنَّة هذا السؤال، تعليقاً على إنكارهم إخبار السُّنَّة ببعض الغيوب:

 

هل محمد عندكم رسول أم غير رسول؟

 

فإن قلتم هو رسول قلنا لكم إن الله في كتابه أعلن أنه يطلع من ارتضى من رسله على بعض الغيوب، فيلزمكم التصديق بالأحاديث النبوية، التي تتحدث عن بعض الغيوب.

 

وإن قلتم هو ليس رسولاً، قلنا لكم: لكم دينكم ولنا ديننا وأي الإجابتين أحب إليكم يا ترى؟

أدلة من الواقع المشاهد:

ولنفترض أن منكري السُّنَّة لم يقتنعوا بالبراهين القاطعة التي واجهناهم بها حتى الآن، فإن لدينا ما يقسرهم على التسليم قسراً، بأن الأحاديث التي تحدثت عن بعض الغيوب فيما صحت روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، حقائق إيمانية ومعجزات إلهية أجراها العلي القدير على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، أنبأت يوم قالها على أمور كانت ستحدث بعد دهر طويل. وقد حدثت فعلاً، وما تزال تحدث حتى الآن على مرأى ومسمع من جميع الناس.

 

فهي إذن تجارب خاضعة للفحص والملاحظة والمشاهدة، لا ينكرها عاقل، ولا يماري فيها منصف أو عنود.

 

حديث علامات الساعة:

نعني – هنا – حديث جبريل، ذلك الحديث الذي رواه الإمام مسلم، الذي جاء فيه جبريل عليه السلام في صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الجلوس حول رسول الله أحد، وأخذ يسأل الرسول، والرسول يجيب، وهو من مرويات عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذي جاء فيه ضمن الأسئلة التي سألها هذا السؤال: "قال: قأخبروني عن الساعة"؟!

 

فقال الرسول: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل".

قال جبريل: "فأخبرني عن أماراتها".

قال الرسول: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة، رعاء الشاء يتطاولون في البنيان".

 

وشاهدنا في هذا الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمارتين من أمارات الساعة.

  • ولادة الأمة سيدها
  • تقلب أحوال المجتمعات.

ولعمائنا شروح "حرفية" لهاتين العبارتين، ومع تقديرنا لشروحهم فإن العبارتين تحتملان معاني أخرى:

 

فلا مانع شرعاً ولا بياناً أن يكون المراد من العبارة الأولى الإشارة إلى تسويد الأمور إلى غيرها – كما جاء في حديث آخر رواه البخاري "إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

 

فالجاهل يحكم العالم، والوضيع يسود الشريف، والحقير يسيطر على الكريم، والخسيس يعلو على النبيل. والسفيه يؤم الراشد؟

 

يعني أن في هذه العبارة إيماء بليغاً إلى اختلال الأوضاع بين الناس، وتعكيساً للأمور عن سننها القويم.

 

أما العبارة الثانية فلا يبعد أن يكون معناها الزحف الحضاري المادي، حتى يشمل البوادي والصحاري والمراعي والوديان فيصبح من كان حافياً، عارياً، راعياً للماشية، مالكاً للقصور والدثور، بعد أن كان يتتبع بماشيته شعب البراري، ومواقع القطر.

 

وهذا كله واقع مشاهد الآن، ولم يكن له وجود يوم أخبر به النبي المعصوم.

 

أفليس هذا دليلاً قاطعاً على صدق الأحاديث النبوية التي تتحدث عن أمور غيبية، ثم وقعت بعد الإخبار بها بدهور كما وصفها النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم.

 

تكوين الأجنة في الأرحام:

لم يكن في عصر النبوة طب كما في هذه الأيام، ولا وسائل كشف أو أشعة تلتقط ما وراء المستور، ومع هذا فقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مراحل تكوين الجنين في رحم أمه، وحدد كل مرحلة تحديداً دقيقاً في حديثه الذي سمعه منه أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ونص الحديث كما في صحيحي البخاري ومسلم:

 

"إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة، مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، وينفخ فيه الروح".

 

والشاهد في هذا الحديث هو تحديد مدة كل مرحلة من المراحل الثلاث بأربعين يوماً. بعدها يبعث الله والروح فيه. ثم جاء الطب الحديث، والتقط صوراً للأجنة وهي في الرحم وعرف الأطباء أن الروح لا تبعث إلا بعد مائة وعشرين يوماً، وتطابقت نتائج المراقبة الطبية مع دلالات الحديث تماماً. فكان هذه الحديث معجزة نبوية خالدة، وموضوعه غيب مكاني وزماني معاً.

 

نعم. القرآن ذكر أسماء المراحل في آيات منها ما جاء في سورة المؤمنون: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } (سورة المؤمنون: 12-14).

 

ولم يذكر القرآن مدة كل مرحلة، فحددتها السُّنَّة بأربعين يوماً.

 

ولم يذكر القرآن لحظة بعث الروح، فبينت السُّنَّة أنه يكون على رأس المائة والعشرين يوماً (حاصل مجموع 40+40+40) أو ليس هذا غيباً لم يكن يمكن الإطلاع عليه يوم قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث الإعجازي.

 

والله عز وجل هو الذي أعلم رسوله بهذا الغيب بما شاء من وسائل الإعلام.

 

أفبعد هذا يتطاول جاهل أو معاند، فيجعل من أدلة إنكار السُّنَّة أنها اقتحمت ستور الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله؟!

 

لو لم تكن أحاديث الغيب صادقة كل الصدق لكان لهم عذر.

 

ولكن كيف يكون لهم عذر وهي صادقة كل الصدق أنهم لسوء حظهم عكسوا دلائل الإيمان، فجعلوها دلائل كفر وإلحاد؟ وللناس فيما يعشقون مذاهب. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

*     *     *

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day