البحث
الشبهة السابعة عشرة : الطعن في رواة السُّنَّة
دأب منكرو السُّنَّة على تلمس النقائص لرواة السُّنَّة النبوية من الصحابة والتابعين، والصحابة والصحابة هم وحدهم الذين رووا الحديث النبوي والأفعال والموافقات.
فهم رجال الطبقة الأولى من الرواة، سواء كانت الرواية عن السماع والرؤية المباشرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو روى من لم يسمع منهم من النبي مباشرة عن من سمع منه أو رأى.
والتابعون هم الذين نقلوا السُّنَّة عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. ولولا هؤلاء جميعاً ما وصلنا منها شيء قط لذلك نجد منكري السُّنَّة شديدي الحقد على الرواة جميعاً، وهم يرسلون القول على عواهنه، ويطلقون ألسنتهم في سيرتهم الطاهرة ليدنسوها، من أجل الوصول إلى إسقاط السُّنَّة من عليائها لو استطاعوا، وهيهات هيهات فالصحابة عندهم غير عدول، يعني لا يوثق في قولهم ولا في فعلهم، ويدعون أنهم كان يطعن بعضهم في بعض، وأن منهم الخونة والمنافقين؟.
ويلوم منكرو السُّنَّة المسلمين لأنهم اتخذوا الصحابة قدوة حسنة، ونسوا – يعني المسلمين – ما قاله القرآن في الصحابة، من ذم ونقد وتعنيف؟!.
أما التابعون، فقد رأينا كبار كهنة منكري السُّنَّة يتهمونهم بأنهم هم الذين زوروا الأحاديث النبوية ونسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنها أقواله وأدخلوا الغش على الناس، وجعلوا هم والفقهاء السُّنَّة مصدراً ثانياً للتشريع في الإسلام بعد القرآن؟!
تفنيد هذه الشبهة ونقضها:
عدالة الصحابة جميعاً أمر متفق بين المسلمين، إلا ما كان من أصحاب الأهواء من الفرق الكلامية والسياسية وهؤلاء هم الذين مهدوا الطريق للمبشرين والمستشرقين وأعداء السُّنَّة النبوية للقدح في الصحابة رواة الحديث والسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما اتخذوا من تشدد عمر في قبول الحديث الذي رواه واحد من الصحابة حتى يشهد معه راو آخر، ومن تصحيح أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حديثاً سمعته من ابن عمر سهام في حفظه على الصورة التي قاله النبي صلى الله عليه وسلم عليها.
وكذلك النقد الخفيف الذي علق به ابن عمر على حديث سمعه من أبي هريرة.
اتخذوا من كل ذلك وسيلة لتهويل ما حدث، على أن بعض الصحابة كان يُكذب البعض الآخر.
وقد قال أنس رضي الله عنه لما أفشى بعض الفرق مقولة أن الصحابة كان يكذب بعضهم بعضاً، قال: "لم يكن يكذب بعضنا بعضاً".
ويقول البراء بن عازب رضي الله عنه مؤكداً ثقة الصحابة بعضهم في بعض وأنهم كانوا يتداولون سماع الحديث فيما بينهم "ما كل الأحاديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحدثنا أصحابه عنه".
يعني لم يسمع كل صحابي كل حديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم بل كان من سمع منه حديثاً يحدث به من لم يسمعه منه مباشرة، وسماع الصحابة وروايتهم بعضهم عن بعض، لا حصر له في كتب الحديث المعروفة بين المسلمين.
ويقول الذهبي في عدالة الصحابة: "فأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي... إذا على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل، وبه ندين الله تعالى" الرواة الثقات [4].
وقال الحافظ ابن كثير:
"والصحابة كلهم عدول عند أهل السُّنَّة والجماعة..." وقول المعتزلة: "الصحابة عدول إلا من قاتل علياً" قول باطل.
وقال: وأما طوائف الروافض وجهلهم، وقلة عقلهم، ودعاويهم أن الصحابة كلهم كفروا إلا سبعة عشر صحابياً فهو من الهذيان" (اختصار علوم الحديث: 220-222) أقول: إن الصحابة كلهم عدول بشهادة الله لهم وشهادة الرسول الكريم.
وكذلك التابعون لهم بإحسان، وبعد الذي قدمناه نختم الدفاع بشهادة الله، وشهادة رسوله، وكفى بذلك فضلاً من الله ونعمه:
أما شهادة الله فنكتفي منها بما يأتي:
{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (سورة التوبة: 100).
فهذه شهادة وتزكية غالية من الله عز وجل للصحابة والتابعين معا. رجال خير القرون في أمة الإسلام فماذا يقول منكرو السُّنَّة الحاقدون في من أثنى الله عليه هذا الثناء. والله لا يحابي أحداً، ولا يقول إلا الصدق فقد رضي عنهم، ورضوا عنه.. وذلك هو الفوز العظيم.
وقال عز وجل: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } (سورة الفتح: 29).
وهذه شهادة وتزكية خاصة بالصحابة، رضي الله عنهم، أما شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم فما أكثر ما ورد فيها، وحسبنا منها قوله صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.." رواه الشيخان رضي الله عنهما.
وخير القرون الثلاثة هو قرنه صلى الله عليه وسلم، وفيه عاش أصحابه الأبرار، وبهم صار خير القرون.
هذا هو الحق، ولكن منكري السُّنَّة يريدون أن يخلطوا بين سيرة الصحابة، البررة، وسيرة المنافقين، فيجعلون المنافقين من الأصحاب، ويثبتون لهم الخيانة. والمنافقون كفرة وإن أظهروا الإيمان. فسقه وإن تظاهروا بالتقوى.
وما نخال أن هذه الحقائق تغيب عن منكري السُّنَّة ولكن العناد والمكر السيء هو الذي ران على قلوبهم فقست، وغشى أبصارهم فعميت. ولله في خلقه شئون.
* * *