1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيه

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيه

الكاتب : الدكتور محمد بكر إسماعيل
151529 2019/10/20 2024/12/18

 
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً، أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ. 
وَإِن اشْتَرَى بَعِيرًا، فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ، وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ".
وفي رواية قَالَ: "ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ" أَي فِي الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ.

المرأة الصالحة حسنة من حسنات الدنيا ونعمة من أجل النعم التي يمن الله بها على الرجل؛ لإنه يشعر معها بالسكون النفسي والجنسي، ويجد فيها روحه وريحانه، ويعتمد عليها في حماية بيته وتدبير شئونه وتربية أولاده، ويلقي منها ما يتمنى أن يلقاه كل رجل من الزوجة التي يتخيرها ويبذل وسعه في اختيارها، فهي أفضل ما يؤتاه المرء بعد تقوى الله عز وجل – كما جاء في الحديث الصحيح الذي تقدم ذكره في وصية سابقة.
 
والمرأة السوء عقوبة لزوجها قد عجلت له بسبب ذنب اقترفه ومحنه يبتليه الله بها فهي من شقاوته العاجلة، وربما تكون – أيضاً – من شقاوته الآجلة.
 
والمرأة التي يغلب خيرها على شرها قليل أمثالها، لذا كان من الواجب على الرجل أن يتخير لنفسه ذات الخلق والدين.
 
فإن وجدها، فليحمد الله حمداً كثيراً متواصلاً على نعمة التوفيق.
 
فإن دخل بها ونظر إليها وتمكن منها، فليضع يده اليمنى على ناصية رأسها اليمنى وليقل هذا الدعاء المذكور في الحديث فعسى الله أن يستجيب له.
 
وكذلك يفعل إذا اشترى خادماً، أي امرأة مملوكة من اللاتي أخذن في الحرب سبباً، وكذلك الحال لو اشترى بعيراً فإنه يدعو بهذا الدعاء.
وتعالوا بنا ننظر في هذا الحديث نظرة أخرى أوسع دائرة من هذه النظرة التي هي بمثابة تقدمة توضيحية له.
قوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً" أي إذا أدخلت عليه وأسلمت نفسها إليه، فإنه يأخذ بناصيتها ويدعو بهذا الدعاء بعد أن يحمد الله – عز وجل – بقلبه ولسانه ويثني عليه بما هو أهله، ويصلي ويسلم على نبيه محمد – صلوات الله وسلامه عليه – كما هو معروف عند البدء في الدعاء.
 
وقد ذكرت آداب الدعاء بتوسع في كتاب: "صفحات من نور في الدعاء المأثور" فراجعه إن شئت.
 
وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ", معناه: اللهم إني أسألك أن تنفعني بما فيها من خير، فتجعلها حصناً لي من الحرام، وتغنيني بها عن التطلع إلى ما لا يحل لي النظر إليه، وتمتعني بمالها وجمالها – إن كانت ذات مال وجمال – وتؤنس بها وحدتي، وتفرج بها همي، وتوفقها لطاعتك ثم توفقها لطاعتي، وترزقني منها البنين والبنات، إلى غير ذلك من المطالب التي يستحضرها الداعي في دعائه؛ فإن الخير كلمة واسعة الدلالة تشمل هذه كله وغيره.
 
ومعنى قوله: "وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ". أي خير ما فطرتها عليه من خلق فاضل؛ فإن الجبلة والفطرة بمعنى واحد، وهي الطبع الراسخ في الإنسان.
 
يقال: فلان فُطِرَ أو جبل على كذا أو كذا من الأخلاق، أي خلق به وكان طبعاً فيه لا يستطيع التخلي عنه في الغالب.
 
وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ" توكيد للدعاء الأول؛ فمن سأل الله الخير، فقد استعاذ من الشر ضمناً، لكن إذا أردف الاستعاذة من الشر بعد سؤال الخير، كان ذلك أولى؛ لأن مقام الضراعة يقتضي ذلك.
 
فالداعي كلما كرر الدعاء بلفظه أو بمعناه كان ذلك أحب إلى الله – عز وجل -، وكان هذا الإلحاح في الدعاء معيناً على قبوله إن شاء الله.
 
والاستعاذة معناها: طلب العون والحماية والعصمة من الله تبارك وتعالى من كل ما من شأنه أن يتقي ويحذر.
 
وكل أمريء فيه جانب من الخير وجانب من الشر يضيق هذا ويتسع ذاك، وليس الكمال البشري إلا للأنبياء.
 
فلكي يستجاب للرجل في هذا الدعاء عليه أن يدعو لزوجته بأن يرزقها خيره ويكفيها شره.
 
قد تقول: إن هذا ليس مذكوراً في الحديث.
 
أقول: نعم ولكن لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، كما قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –.
 
ودعاؤه لها يذكره بنقصه وقصوره عن إدراك جوانب الخير كلها، ويحمله على التخلص من الأخلاق التي لا يحب أن تكون في زوجته.
 
ويستحب لها أن تدعو لنفسها بما يدعو هو به لنفسه، وإن لم تكن مأمورة بذلك في هذا الحديث.
 
ولو وضعت يدها اليمنى على ناصيته اليمنى لم يكن في ذلك بأس إن شاء الله.
 
ويستحب أن يمكنها من ذلك إن أرادت تطييباً لنفسها.
 
ويستحب أن يكون الدعاء سراً منعاً من الإحراج ودفعاً لما قد يتوهمه أحدهما أنه من سوء الأدب، وإذا كان كل منهما ملماً بهذه الآداب، فلا يجد في نفسه حرجاً إن شاء الله، ولا يشعر نحو الآخر إلا بما يشعر به المحب لمن يحب.
 
أليس كل منهما حريصاً على دوام العشرة وبقاء المودة بينهما؟!
 
بلى فإن كلاً منهما يتمنى من أعماق قلبه أن تدوم الحياة صفواً بينهما لا يكدرها مكدر ولا يعتريها أي نوع من القلق والاضطراب.
 
والدعاء في هذه الحال يُدخل الطمأنينة والسكينة على الزوجين ويجعلهما أكثر تودداً وألفة، إذ يشعر كل منهما بحرص الآخر على حصول الخير منه في عاجل أمره وآجله.
 
ولا شك أن في الدعاء إظهاراً للعبودية الخالصة لله رب العالمين، وتعبيراً صادقاً عن كمال الافتقار لله الواحد القهار. فقد تزوجا بكلمة الله وجمع الله بينهما بإرادته النافذة وقدرته المنفذة، فكان من الخير لهما أن يسألاه تمام المنة بما يحمله هذا الدعاء من المعاني والمرامي.
 
"والدعاء مخ العبادة"، كما جاء في الحديث، وهو في جميع المواطن محمود، وفي مواطن يكون أعظم حمداً، منها هذا الموطن المهيب.
 
وإنه لمهيب حقاً بالنسبة للزوجين، فإنه ليس من السهل أن تمكن المرأة رجلاً من نفسها بسهولة، فإنها تفضل أن تقتل ولا تمكنه من النظر إليها فضلاً من أن يقترب منها ويضع يده على رأسها، لكن الميثاق الغليظ الذي أخذه كل منهما على الآخر جعل التلاقي موضع قبول وحبور.
 
وأول التلاقي أصعب مما بعده، فإذا أفضى بعضهم إلى بعض زالت الحواجز النفسية وذهب الخوف وحصل الأنس، فكان كل منهما لباساً للآخر يسكن إليه سكوناً لا يحده الرجل مع أمه ولا مع أخته، ولا تجده المرأة مع أبيها ولا مع أخيها.
 
هو سكون خاص، يبنى على مودة خاصة، لها طعم خاص، ورحمة خاصة، لها جلال خاص.
 
يقول الله عز وجل: { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } (سورة البقرة: 187).
 
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (سورة الروم: 21).
 
وهذا الدعاء ليس مقصوراً على أول لقاء، ولكن مطلوب عندما يشعر كل منهما بشيء من الشر قد أقبل عليه من جهة صاحبه، أو خاف خاف أن يقبل عليه. إلا أنه في أول لقاء آكد وأحب.
وقوله: "أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا" أي جارية تخدمه ويستمتع بها بملك اليمين كما يستمتع بزوجته، فلفظ الخادم يطلق على المذكر والمؤنث، والمراد به هنا ما ذكرناه.
 
والجارية التي تباع وتشترى: هي التي سُبيت – أي أخذت – في حرب دينية بين المسلمين والكفار، وليست هي الخادمة التي تستأجر.
 
وقد علم الإسلام على إلغاء الرق بأسلوب حضاري أذهل الباحثين المجدين.
 
واقرأ في ذلك بحثاً فريداً كتبه الأستاذ/ عباس محمود العقاد في كتابه (بلال مؤذن الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –).
 
والخدم شرهم أكثر من خيرهم، والاستغناء عنهم أفضل من استخدامهم ولكن للضرورة أحكام.
 
ولا يغيبن عنك أن الدعاء إنما يكون عند الدخول على الخادم التي يجوز له الاستمتاع بها، ولكن لا بأس أن يدعو بذلك إذا استأجر خادماً.
 
فالنص وإن كان مقصوراً على الجارية لا يحجر أن يكون في الخدم بل وفي الأصدقاء والجلساء والعمال الذين يعمل معهم ونحو ذلك ممن يرجى خيره ويتقي شره، فكن بعيد النظر ولا تُحجر ما كان واسعاً، غير أنك لا تضع يدك على ناصة من لا يجوز لك الاستمتاع بها.
وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "وَإِن اشْتَرَى بَعِيرًا، فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ، وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ". واضح لا يحتاج إلى بيان، وذكرالبعير – وهو الجمل أو الناقة – مع ذكر الزوجة والخادم فيه مناسبة لطيفة؛ لأن في البعير من المشاكسات والمعاكسات مثل ما لهما.
 
ويقاس على البعير كل ما يركب من السيارات ونحوها من وسائل النقل البري والبحري والجوي.
 
فإذ اشترى مسلم دابة من الدواب، فليدع بهذا الدعاء، لكن إذا ركبها قرأ قوله تعالى: { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } (سورة الزخرف: 13-14).
 
أي تنزه الذي ذلل لنا هذه الدابة، ومنا كنا له – أي لهذا الحيوان وغيره من الناقلات المخترعة – مسخرين أو قادرين على تذليلها وإمساكها، وإنا إلى ربنا راجعون وتاركون هذه المنافع لغيرنا؛ فهو الذي يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجع الأمر كله.
المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day