1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ - الموبقة الأولى الشرك بالله

اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ - الموبقة الأولى الشرك بالله

الكاتب : الدكتور محمد بكر إسماعيل
2580 2019/10/31 2024/04/18

 

 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ".
كان النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يجمع في كلامه عدة من خصال الخير فيأمر بها، وعدة من خصال الشر فيحذر منها، فيقول مثلاً: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ...".
 
ويقول: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا..."
ويقول هنا: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ".
 
وليست الموبقات سبعاً فحسب، ولكنه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يذكر العدد ليحفظ، فلا يقال هنا: ذكر العدد يفيد الحصر، فهذا جهل باللغة والشرح.
 
والرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – معلم، ومن شأن المعلم أن يذكر من العدد ما يريد التنبيه عليه في الدرس الأول، ثم       ذكر في الدرس الثاني عدداً آخر وهكذا، فهو فن من فنون التعليم ينبغي أن يتعلمه كل من يتصدى لتعليم الصغار والكبار.
 
وهذه الوصية تكاد تكون جامعة لكل ما ينبغي الكف عنه وعدم الاقتراب منه.
 
فالشرك أعظمها جرماً، وأجمعه لخصال الشر، بل هو شر ما بعده شر.
ويليه في الشر ما ذكر بعده
 
ويبدو لي من أول نظرة في هذه الوصية أن ما بعد الشرك لا يراعي فيه الترتيب الذكرى عند الترتيب في الجُرم. فإذا نظرت إلى كل كبيرة بعد الشرك قلت: إنها أكبر من التي بعدها، فإذا نظرت إلى ما بعدها قلت: بل هذه أشد جرماً مما قبلها. وهكذا.
والحق أن كل خصلة من هذه الخصال تكون أكبر من أختها في وجه دون وجه، بحيث إذا نظرت إليها مجتمعة رأيت أنها في الشر سواء بعد الإشراك بالله.
 
ومعنى (اجْتَنِبُوا): احذروا كل الحذر، وخذوا لأنفسكم جانباً بعيداً عن هذه الموبقات – أي المهلكات – لمن فيه واحدة منهن في الدنيا والآخرة.
 
ففي الدنيا عذاب – كما نعلم – وفي الآخرة عذاب، ولعذاب الآخرة أكبر.
 
وسنتكلم عن كل موبقة من هذه الموبقات السبع بإيجاز فنبين خطرها على البشرية جمعاء، ونصف العلاج الناجع لهذه الأدواء المنكرة، ونرسم الطريقة المثلى في الوقاية منها بقدر الطاقة. والله المستعان.
أما الشرك بالله فإنه الطامة الكبرى والجريمة العظمى التي لا تغفر أبداً.
 
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (سورة النساء: 48).
 
ولن يقبل الله عمل عامل من ذكر أو أنثى وهو مشرك؛ إذ الشرط الذي لابد منه في صحة الأعمال وقبولها هو الإيمان الخالص من الشرك.
 
قال تعالى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (سورة الكهف: 110).
 
وقال عز شأنه: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (سورة النحل: 97).
 
إن المشرك بالله لا تقله أرض ولا تظله سماء وإن بدا لنا أنه يعيش بيننا في سلام ورخاء.
 
يقول الله عز وجل: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } (سورة الحج: 31).
 
واعلم أن الشرك نوعان: جلي وخفي.
 
أما الشرك الجلي فهو أن يجعل المرء لله نداً. أي شبيهاً يعبده ويتقرب إليه ويعظمه في نفسه.
 
وكل ما يخالف عقيدة التوحيد الخالص فهو شرك جلي. أي ظاهر لا يحتاج إلى بيان.
 
وأما الخفي فهو الرياء في الأقوال والأفعال بأن يعمل العبد العمل ليحمده الناس عليه، أو ليجد منهم استحساناً عظيماً.
 
والرياء يفسد العمل ويمحق بركته ويجعله غير صالح للقبول أبداً.
 
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: يَقُول اللَّهُ تَعَالَى "مَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لَهُ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَأَنَا أَغنَى الأغنياء عَنْ الشَرك".
 
وقال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كما في البخاري ومسلم: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيم".
 
وروى أبو داود والنسائي، عن أبي أمامة – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قال: جاء رجل إلى رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فقال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَا لَهُ؟ أي (أخبرني عن الرجل قاتل في غزوة يلتمس من الله الأجر ومن الناس المدح والثناء. هل له عند الله من أجر؟)
 
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ - لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ".
 
وروى مسلم والترمذي وغيرهما من أصحاب السنن عن أبي هريرة – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَتهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ". 
 
وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
 
وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ".
 
وروى ابن ماجه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنْ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟" فَقُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ".
 
فأنت ترى من هذا الحديث أن الصلاة التي يرائى فيها العبد تصبح صورة ميتة لا خير فيها؛ لأنها فقدت روح الإخلاص وسلامة القصد، بل إنها تكون وصمة عار في جبينه يوم القيامة يعذب بها؛ لأن الشأن فيها أن تكون لله فأشرك معه فيها غيره.
 
قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ  الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ  الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } (سورة الماعون: 4-7).
 
وكذلك الزكاة إنها إن صدرت عن قلب يسخو لله تعالى قبلت من صاحبها وضوعف له الأجر عليها، وإلا فهي عمل باطل غير مقبول.
 
قال تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (سورة البقرة: 261-264).
 
إن الإخلاص لله في العمل شرط في صحته وقبوله كما ذكرنا.
 
وإذا قبل الله العمل ضاعفه أضعافاً كثيرة والله واسع الفضل، عليم بمن أخلص له في القول والعمل.
 
والإخلاص هو: تفرغ القلب إلى الله تبارك وتعالى، وتوجهه إليه؛ حباً لذاته وخضوعاً لعظمته، وتواضعاً لجلاله وطلباً لمرضاته، وتفانياً في طاعته، وهرباً إليه من نزعات الشرك والهوى، وفراراً إليه منه، إذ لا منجاة منه إلا إليه.
 
قال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } (سورة الزمر: 2-3).
 
والدين معناه في الآية: الخضوع التام والانقياد الكامل لله وحده.
 
قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (سورة البينة: 5).
 
أي: ما أمروا إلا بتوحيد الله – عز وجل – وإفراده بالعبادة والخضوع والانقطاع إليه والاعتماد عليه في جميع الأمور، وذلك هو دين القيمة أي: دين الفطرة السليمة والجبلة المستقيمة.
 
قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (سورة الروم: 30-31).
 
والمعنى: وجه وجهك أيها الرسول الكريم أنت ومن معك من المؤمنين لهذا الدين الذي فطركم الله عليه، متحنفين لله. أي: مائلين إليه عن سواه، فهو الدين الذي رضيه لكم وفطركم عليه، وأنعم به عليكم وجعله وافياً بمطالبكم، ومنهجاً متكاملاً لحياتكم، وصراطاً مستقيماً ملائماً لفطرنكم. فمن بدل منكم دينه فقد غير فطرة الله (لا تبديل لخلق الله): جملة خبرية لفظاً إنشائية معنى، أي: لا تبدلوا خلق الله كما تقول لأخيك ناصحاً: لا تفريط في حقك، أي: لا تفريط في حقك واسع للحصول عليه.
 
وهذا الدين قيم في ذاته لا عوج فيه ولا تناقض في أحكامه وتشريعاته، ولا اختلاف في نصوصه وآياته، قيم على غيره من الأديان السماوية، ومهيمن عليها وجامع لأصولها وفضائلها، ومصحح لما حرف منها؛ لهذا وجب على كل مكلف أن يدين لله به، فبذلك ينجو من عذابه، ويدخل في رحمته.
 
{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (سورة الأنعام: 161-163).
 
هذا هو الإخلاص في أسمى صوره وأرقى معانيه. فمن شابه بشائبة من الشرك الجلي أو الخفي فقد أفسد دينه ودنياه.
إن أصحاب النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – والتابعين من بعدهم كانوا يخشون على أنفسهم من الشرك بتوعيه حتى كان أحدهم يتهم نفسه في كل عمل يعمله أمام الناس، فيقول بلسان حاله: ربما أكون قد رآيت الناس بعملي، وربما أردت أن يقال: إني رجل صالح، وإني رجل مخلص، ويراقب نفسه مراقبة تامة، ويحاسبها على كل صغيرة وكبيرة، ويحملها على التواضع لله – عز وجل – والبعد عن مواطن الرياء بعداً تاماً، ولنا فيهم أسوة حسنة.
 
رأى عمر بن الخطاب رجلاً يطأطئ رقبته فقال: يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك؛ ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب.
 
ورأى أبو أمامة الباهلي رجلاً في المسجد يبكي في سجوده فقال: أنت أنت لو كان هذا في بيتك.
 
أي: أنت كما أنت من الإخلاص والخضوع لله لو كان يحصل منك ذلك وأنت في بيتك.
 
وضرب عمر رجلاً بالدرة ثم قال له: اقتص منى، فقال: لا، بل أدعها لله ولك، فقال له عمر: ما صنعت شيئاً، إما أن تدعها لي فأعرف ذلك، أو تدعها لله وحده، فقال: ودعتها لله وحده، فقال: فنعم إذن.
 
وللمرائي علامات يعرف بها، لا يستطيع إخفاءها؛ لأنه كذاب، والكذب ليس له قرار.
 
ومن حاول إخفاء شيء ظهر على صفحات وجهه وفلتات لسان وحركات يديه ورجليه.
 
قال علي – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثنى عليه، وينقص إذا ذم.
 
ومن العجيب أن كثير من الناس يدعون أنهم يعملون الصالحات ويسارعون في الطاعات وهم عن ذلك بمعزل، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ولن يحمدوا أبداً؛ لأن الله يبغض أمثال هؤلاء، فلا يوفق أحداً من خلقه لحبهم، حتى يتوبوا عن شركهم، ومن تاب تاب الله عليه.
 
وما أحسن قول الفضيل بن عياض: كانوا يراءون بما يعملون وصاروا اليوم يراءون بما لا يعملون.
 
وقال الحسن البصري – رحمه الله – المرائي يريد أن يغلب قدر الله تعالى، وهو رجل سوء يريد أن يقول الناس هو رجل صالح، وكيف يقولون وقد حل من ربه محل الإرضاء، فلابد لقلوب المؤمنين أن تعرفه.
 
وقال إبراهيم ابن أدم: ما صدق الله من أراد أن يشتهر. أي: ما أخلص لله في عقيدة ولا في عمل.
 
إن الشهرة وبال على صاحبها، وحمل ثقيل فوق ظهره، لا تترك له عملاً صالحاً إلا فسدته عليه.
 
ومن أراد الشهرة فلابد أن ينافق، والمنافق لا مكانة له عند الله ولا عند الناس؛ فالشر منه يخرج وإليه يعود.
 
فكن – يا أخي – واحداً من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كن ممن يتصدق بصدقة فيخفيها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.
 
كن مع الله ودعك من الناس؛ فالناس أصفار لا ينفعونك بشيء ولا يضرونك بشيء إلا بإذن الله.
 
ووجه وجهك لله حنيفاً متبرئاً من الشرك وأهله، متخلقاً بأخلاق المتقين، الذين لا يسألون إلا الله، ولا يستعينون إلا بالله، ولا يعملون عملاً صالحاً إلا ابتغاء وجه الله، فهؤلاء هم أهل الله وخاصته. جعلنا الله منهم، ووقانا شر الرياء والمرائين، وأعاذنا من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن عمل لا يقبل ومن دعوة لا يستجاب لها.
المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day