1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ

أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ

الكاتب : الدكتور محمد بكر إسماعيل
3265 2019/12/11 2024/12/18

 
عَنْ أَبِي ذَرٍّ جندب بن جنادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ".
قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا".
قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: "تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ".
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: "تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ".
كان أبو ذر الغفاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يسأل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً عن أفضل الأعمال عند الله عز وجل وأولاها بالتقديم عند التساوي – فيجيبه النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما سأل بكل حبور وسرور؛ لأنه كان يحبه حباً شديداً، ويليه عناية خاصة، ويرى فيه الإسلام كله، يمشي به بين الناس، فيكون لهم نعم القدوة ونعم الرفيق في الحضر والسفر.
 
فقد سأله يوماً عن أفضل الأعمال، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ".
 
وهو جواب جمع خصال الخير كلها.
 
أما الإيمان بالله فهو أصل الأصول العقدية والشرعية والأخلاقية، فهو كما قال عليه الصلاة والسلام: "بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعلَاهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ".
 
وقد سُميت شعباً لأن بعضها يتشعب عن بعض، وكلها تنبع منه وتصب فيه، وهي كل لا يتجزأ، والجهاد شعبة من شعبه، وهو في الذروة العليا من الإسلام.
 
ولعلك تسأل هنا عن السر في هذا الجواب الجامع فتقول: هل هذا يعتبر جواباً محدداً لأفضل الأعمال، وباعثاً للسائل على تحريها؟
فأقول: إن السر في هذا الجواب الجامع يكمن – والله أعلم – في حب أبي ذر لجميع أعمال البر على التساوي، حتى أنه لم يستطع أن يميز الأفضل منها. وهو منتهى الإيمان؛ لأن المؤمن الذي اكتمل إيمانه لا يستخف بأي عمل فيه؛ لأنه لا ينظر إلى العمل في ذاته ولا إلى العامل نفسه، ولكنه ينظر إلى من لأجله يكون العمل.
 
وكذلك لا يستخف بالذنب؛ لأنه لا ينظر إلى صغره وكبره ولكنه ينظر إلى من عصاه.
 
وعندئذ لا يستطيع أن يختار الأولى من الأعمال لتزاحمها عليه وحبه لها جميعاً، فكان الجواب مطابقاً لحال السائل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فهو من أولئك الأعلام الذين يسعون جاهدين إلى تحصيل شعب الإيمان كلها: أعلاها وأدناها؛ ابتغاء رضوان الله عز وجل.
 
وقد فهم أبو ذر ما تضمنه هذا الجواب وعرف ما يبتغيه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه، وهو الجهاد في سبيل الله، المبني على الإيمان، وقد كان رجلاً لماحاً، يعرف مجاري الكلام ومراميه.
 
إنه يعرف أن الإيمان هو الجامع لخصال الخير كلها فلو اقتصر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجواب عليه – ما كان جواباً شافياً، ولكن لما أضاف إليه شعبة من أعظم شعبه – عرف أنها هي الجواب، وأن ذكر الإيمان قبله كان شرطاً لصحته وقبوله، فكأنه قال له: جاهد في سبيل الله وأنت مؤمن.
 
ويسأل أبو ذر مرة أخرى عن أحب الرقاب إلى الله وأولاها بالعتق؛ تقرباً إليه – فيقول رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا" أي: أحبها عندهم وأنفعها لديهم وأغلاها ثمناً عند شرائها وعند بيعها.
 
ولعل أبا ذر قد سأل عن أحب الرقاب إلى الله ليتقرب إليه بعتقها؛ ليكون ذلك العمل متميزاً عن أكثر أعمال الناس؛ إذ ليس عند أكثرهم رقاب يعتقونها.
 
ومن كانت لديه رقبة، لا يجود بها غالباً إذا كانت أثيرة عنده محبوبة لديه.
وقد كان أبو ذر يحرص كل الحرص على أن يحرر رقبته من النار بتحرير رقبة من الرق؛ لعلمه أن الجزاء من جنس العمل، فسأله عن أحب الرقاب إلى الله ليعتقها، فلما أخبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أحب الرقاب إلى الله أنفسهما وأكثرها ثمناً، صعب الأمر عليه؛ لشدة فقره يومئذ، فسأله عن شيء يكون أخف عليه من هذا مع أفضليته بالنسبة له، فقال له الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ".
 
أي تتعاون مع الصانع في إتمام صنعته وإتقانها على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه ويحبه الناس ويرضونه؛ فإن الصانع مطالب بإتقان الصنعة التي يتعيش منها، فمن أعانه عليها بأي نوع من أنواع المعونة المادية أو المعنوية، فإنه يكون أسهم بنصيب في جودتها وفي زيادة دخله منها وانتفاع الناس بها.
 
ويكون بذلك قد أطاع الله عز وجل في قوله: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (سورة المائدة:2).
 
والتعاون مع الصانع في صنعته من غير أجرة – تقرب إلى الله بها، فكأنه تصدق عليه بالتنازل عنها.
 
وربما تصل هذه الأجرة بكثرة التعاون مع الصناع مع طول المدة إلى ما يساوي عتق رقبة نفيسة غالية الثمن أو أكثر.
 
وإعانة الأخرق، وهو الذي لا حرفة له، أو لا خبرة له بالصناعة ولا بغيرها – أيضاً لها أجر عظيم، يساوي عتق رقبة نفيسة أو أكثر.
 
{ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ } (سورة الرعد:8).
 
قال أبو ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟
 
أي أخبرني ماذا أفعل لو عجزت عن تحصيل بعض هذه الأعمال التي تكون أفضل من غيرها، فلم أقدر على الجهاد ولا على عتق الرقاب ولا على إعانة الصانع في صنعته، ولا على إعانة الأخرق الذي لا حرفة له ولا خبرة له في تحصيل الرزق؟
 
فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ".
 
وهذا الجواب آية في الحسن؛ لأن كف الشرر عن الغير من أهم مقاصد الإسلام؛ فالمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، كما قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
 
والدين قد وضع رعاية لصالح الناس في العاجل والآجل، وهي تتمثل في جلب المصالح ودفع المفاسد، فمن لم يستطع أن يجلب للغير مصلحة، فليدفع عنه مفسدة ولو يكفيه من شره، وهو أقل درجات الإحسان إلى النفس إلى الغير.
 
فمن كفى الناس شره، فقد تصدق على نفسه بالتخفيف من أوزارها والتقليل من سيئاتها ومعائبها.
 
ومن اتقى سيئة كان كمن حسنة.
 
والحسنات والسيئات توضع في ميزان العبد يوم القيامة، فمن قلت سيئاته، كفاه من الحسنات القليل.
هذا شرح موجز لهذه الوصية ولكن لنا فيها نظرات نجلي بها ما يستكن وراء المعاني من اللطائف البيانية، التي هي مقصدنا في هذه الوصايا.
 
النظرة الأولى: في الإيمان وشعبه، فإن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أجاب أبا ذر عن سؤاله الأول بأن أفضل الأعمال: الإيمان بالله، وهي كلمة واسعة الدلالة، لا تعني مجرد النطق بالشهادتين، وإقامة الصلاة إيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، ولكنها تعني ما وراء ذلك من الأسرار والآثار؛ فالإيمان هو تعميق الصلة بالله، وتجديد البيعة معه على الدوام، والإكثار من ذكره في كل حال بالقلب واللسان، فالمؤمن الحق من كان إيمانه دائماً في ازدياد.
 
يقول الله عز وجل: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } (سورة الأنفال: 2-4)
 
وانطلاقاً من فهمنا لهذه الآيات نفهم معنى الأمر في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (سورة الحديد: 28).
 
فمعنى "آمنوا": جددوا إيمانكم كلما دب في قلوبهم الوهن، وداوموا على تجديده بالتقوى وكثرة الذكر، حتى يؤتيكم اله نصيبين من رحمته: نصيباً لإيمانكم الأول، ونصيباً آخر كلما جددتموه وزدتم فيه بتلاوة القرآن وسماعه وتدبرهوالتفقه فيه، ويجعل لكم نوراً تمشون على هداه بين الناس، وتكونون قدوة لهم في تجديد الإيمان وتعميق الصلة بالله عز وجل، ويغفر لكم ذنوبكم أولاً بأول كلما جددتم التوبة منها.
 
ومن خلال فهمنا لهذه الآيات مجتمعة نعرف السر في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي ذر: "الإيمان بالله"، فكأنه يقول له: جدد إيمانك بالله، واطرد عنك هواجس النفس ووساوس الشيطان، وزد فيه بكثرة الذك والتفكر في خلق الله واختلاف الليل والنهار، فكلما ازداد إيمانك وصدق يقينك، كان العمل القليل منك كثيراً.
 
ونحن نعلم أن صحة العمل وقبوله متوقفة على الإخلاص فيه، والإخلاص لا يتأتى إلا مع الإيمان الكامل؛ وقد جاء في الحديث الصحيح: "أخلص دينك يكفيك القليل من العمل".
 
ومعنى "أخلص دينك": اجعل خضوعك لله خالصاً؛ فالدين معناه هنا: الخضوع والامتثال.
 
والإخلاص معناه: تخلص القلب من مراقبة الخلق ومراءاتهم بالأعمال وتعلقه بذي الجلال والإكرام وحده.
 
ويقاس إيمان المرء بقدر إخلاصه في دينه وتسليم قلبه لخالقه ومولاه.

النظرة الثانية: في الجهاد، لماذا قرنه النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإيمان في هذه الوصية هل في ذلك من سر؟.
 
أقول: إن الجهاد نوعان: جهاد النفس، وجهاد العدو، ولذلك قرنه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإيمان؛ فالإيمان – كما ذكرنا أكثر من مرة – عقيدة صحيحة وعمل صالح وخلق فاضل وسلوك نبيل.
 
ولن يستطيع المرء أن يجاهد عدوه الظاهر إلا إذا استطاع أن يجاهد عدوه الباطن، وهو النفس والشيطان.
 
فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ" لا يعني قتال المشركين وأهل الكتاب ومن هم على شاكلتهم فحسب، ولكن يعني ما هو من ذلك مادام قد قرنه بالإيمان، وإن كان المتبادر إلى الذهن أنه القتال لرد العدوان.
 
إن الله عز وجل يقول: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } (الحج: 78) أي جاهدوا عدوكم الظاهر والباطن، واجتهدوا في دفع الشر عنكم وجلب الخير لأنفسكم بالإيمان والعمل الصالح.
 
فالجهاد الحق هو كبح جماح النفس عن غيها وردها إلى خالقها تائبة منيبة.
 
فمن قوى إيمانه، قوي عزمه، ومن قوي عزمه، ملك نفسه، ومن ملك نفسه، طرد شيطانه عنها، وعندئذ يكون جنداً من جنود الله يقاتل في سبيله وابتغاء مرضاته ولا يخشى فيه لومة لائم.
 
فالإيمان أولاً والجهاد ثانياً وسائر الأعمال الصالحة ثالثاً، وكلها من متطلبات الإيمان ومقتضياته، منه تنبع وفيه تصب.
 
وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره: "رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ".
 
والمراد بالأمر: الأمر الذي خلق الله الناس من أجله، وهو إفراده بالعبادة.
ورأسه هو إسلام الوجه إليه، بمعنى إخلاص القلب له، فالوجه معناه: القلب، والإسلام: معناه الإخلاص، كما مر بنا في وصايا سابقة.
 
النظرة الثالثة: في عتق الرقاب، وهو عمل سعي إليه الإسلام سعياً حثيثاً، ونادى به في تشريعاته الخاصة والعامة، ودعا إليه أصحاب القلوب اليقظة والضمائر الحية.
 
فقد جاء الإسلام والرق منتشر في شبه الجزيرة العربية وغيرها – فعمل على تحرير الرقاب من هذا الاستعباد والتحكم حتى قضي عليه.
 
ومن تتبع أحكام الشريعة، وجد أن جيزاً كبيراً منها تعلق بهذا الأمر الجلل، فعالجه علاجاً ناجعاً، وقضى على آثاره قضاء تاماً.
 
وأبو ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قد سأل عن عتق الرقاب لأنه كان يشعر في أعماق نفسه بأن هذا العمل من صميم الإسلام؛ فقد جاء ليحرر الإنسان من كل ما يستعبده أو يعوقه عن السير في طريق الهدى، أو يحد حريته الشخصية في اختيار الطريق الأمثل وممارسة حياته بصورة أفضل.
 
وربما دفعه السؤال عن ذلك كثرة ما كان يعانيه الرقيق في القبائل العربية من ذل وهوان وإرهاق، ولا سيما قبيلة غفار التي هو منها، فقد كانوا قوماً غلاظ الطبع، لا يرحم بعضهم بعضاً، فكيف الحال بعبيدهم وإمائهم!
 
وقد كان أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحسن معاملتهم، وسوى بينهم وبين الأحرار في كثير من الحقوق، وضيق الفجوة التي كانت بينهم، فقال فيما قال: "إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".
 
وقد أكد الله هذه الأخوة الإيمانية بقوله جل شأنه: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (سورة الحجرات: 10).
 
وقد بشر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالثواب العظيم لمن يعتق عبده أو أمته ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى، فقال فيما رواه البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "من كانت له جارية فعلمها فأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها كان له أجران".
 
وروى أبو داود عن عمرو بن عبسة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إِرْبٍ مِنْهَا إِرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ".
 
وإن أردت أن تعرف كيف حرر الإسلام الرقيق ورد إليهم كرامتهم، فاقرأ ما كتبه العقاد في كتابه: بلال مؤذن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
 
النظرة الرابعة: في إعانة الصانع والأخرق، وهي خصلة من أعظم الخصال عند الله أجراً، كما ورد في السنة الصحيحة.
 
ومن ذلك ما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ...".
 
وأبو ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان فتى قوياً معواناً بطبعه؛ لهذ وجهه النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشيء الذي يحسنه ويميل إليه طبعه.
وقد كان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طبيباً حاذقاً، يعرف كيف يشخص الداء ويصف الدواء ويعطي كل شيء لمن يناسبه، فقد سأله رجل عن أفضل الأعمال، فقال له: "الصلاة لوقتها", بينما سأله شاب عن أفضل الأعمال، فقال له: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله"، وسألت عائشة عن أفضل الأعمال، فقال: "الْحَجِّ الْمَبْرُورِ". ومن هذا وعلينا أن نتعلم منه الحكمة في هداية الناس وإرشادهم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
 
النظرة الخامسة والأخيرة: في كف الشر عن الناس، وهو من أدنى درجات الإحسان في زمن الصحابة والتابعين، أما في زماننا هذا فهو من أوساطها عند أهل العدل والفضل منا.
 
أما من دونهكم، فكف شرهم عن الناس يعتبر هو الإحسان في أسمى معانيه عندهم. والناس معادن.
 
نسأل الله السلامة والعافية.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day