البحث
مقدمات معنى الايمان
الفصل الأول: مباحث في الإيمان بالنبي ﷺ
المبحث الأول: تعريف معنى الإيمان
تعريف معنى الإيمان لغة: الإيمان لغة يتضمن معنيين ؛ الأول هو التصديق كما في
قوله تعالى
﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون﴾
، أي صدَّقوا بما أنزل إليـهم من ربـهم.
والمعنى الثاني هو (أَقَـرَّ له) ، وذلك إذا عدي باللام ،
كما في قوله تعالى عن إخوة يوسف لأبيهم
﴿وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين﴾
،
وقوله
﴿فآمن له لوط﴾
، أي: أَقَـرَّ له.
تعريف معنى الإيمان شرعا: تنوعت عبارات السلف الصالح في تعريف الإيمان ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، وحقيقة كلامهم متفقة على أن الإيمان هو قولٌ باللسان ، واعتقادٌ بالجنان ، وعملٌ بالأركان ، يزيد بالطاعة ، وينقُص بالعصيان.
قال ابن تيمية رحمه الله في تقرير أن الإيمان لغة هو الإقرار وبيان معنى الإقرار:
إن الإيمان هو الإقرار لا مجرد التصديق ، والإقرار ضُـمِّن قول القلب الذي هو التصديق ، وعمل القلب الذي هو الانقياد.
فعلى هذا فالإيمان في الشرع يتضمن التصديق والانقياد ، فلا يصح حصره بالتصديق فقط ، إذ لابد من الإقرار والطمأنينة ، فقد صدَّق أبو طالب عم النبي ﷺ بنبوة ابن أخيه ﷺ ، ولكن لم يُـقِر له بالإسلام ويتبعه ويطمأن قلبه بالإيمان به ، واستمر على ذلك إلى أن مات ، وفي هذا أنزل الله قوله تعالى إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ﷺ.
وهكذا بعض الكفار اليوم يؤمنون بنبوة محمد ﷺ ، ويسمونه بذلك ، أي بالنبي محمد ، وهم باقون على دين قومهم ، لم يُقِروا بالشهادتين ويعملوا بمقتضاها.
وكذلك النفر من اليهود ، الذين جاءوا إلى النبي ﷺ وسألوه عن أشياء فأخبرهم ، فقالوا نشهد أنك نبي ، ولم يقروا بالإيمان به ولم يتبعوه.
بل إن اليهود الذين كانوا في عهد النبي ﷺ كانوا يعرفون أنه نبي كما يعرفون أبنائهم ، كما حكى الله عنهم ذلك في آيات من سورة البقرة ، ومع هذا حكم الله عليهم بالكفر لأنهم لم يتبعوه وينقادوا لشريعته.
وهناك من يقول إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحدا ، ويرى أن النجاة في الآخرة تحصل ـبمتابعة الرسول ﷺ وبغير متابعته ، كما هو قول الفلاسفة الصابئة ، وهو دين التتار ومن دخل معهم ، مع كونهم صدقوا الرسول ﷺ وأطاعوه في أمور أتى بـها ، وهذا مذهب خبيث باطل ، إذ لا نجاة للعبد يوم القيامة إلا بعبادة الله وحده ، ومتابعة الرسول ﷺ وحده ، والكفر بما يـعبد من دونه.
وفي قصة هِرقل عظيم الروم عبرة ، فقد سأل عن النبي ﷺ ، فلما علِم أنه نبي وتيقن من خروجه وظهور أمره ؛ رأى أن يبايعه على الإيمان ، ونادى عظماء قومه ليبايعوه ، وقال لهم: يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرُّشد ، وأن يثبت ملككم ، فـتُبايعوا لهذا النبي؟
فأبوا ، فخاف نكولهم عن طاعته ، فنكص على عقبيه وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شِدتكم على دينكم!
وكان مما قاله هرقل لأبي سفيان: إن يكن ما تقول فيه حقا فإنه نبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه منكم ، ولو أني أعلم أني أخلُص إليه لأحببت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي.
والشاهد من القصة أن عِلم هِرقل بأن محمدا ﷺ نبي لم يدخله في الإيمان لأنه لم ينقد له ، لكونه استحب الحياة الدنيا على الآخرة ، وخشِي ذهاب ملكه ونكول قومه عن طاعته ، نعوذ بالله من الخذلان.
ثم إنه لو أن الإيمان هو التصديق فقط بدون انقياد لكان إبليس مؤمنا ، لأنه يعلم الحـق من الباطل ، ولكنه لم ينقد للحق استكبارا عليه.