1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. الوَصِيَّة بالثوَابِتِ

الوَصِيَّة بالثوَابِتِ

الكاتب : صالح أحمد الشامي

 القسم الرابع                     الوصية بالثوابت

تمهيد:

بعد هذه الرحلة مع الدعوة - ابتداء من منطلقها وحتى أواخر حياته صلى الله عليه وسلم - يحسن بنا أن نتوقف لنتعرف على الوضع الذي وصل إليه المجتمع المسلم في ظل التربية الكريمة التي كان صلى الله عليه وسلم يقوم بها بنفسه، ويرعاها في كل صغيرة وكبيرة.

ولعل خير ما يوضح لنا ذلك، وهو الحجة التي أعلن عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا الناس إليها والتي عرفت بحجة الوداع، والتي كانت قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأشهر قليلة.

قال عبدالله بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ (1).

لقد أراد صلى الله عليه وسلم أن يودع أمته في هذا الموسم العظيم، وأن تأخذ عنه مناسك الحج، وأن يوصيها بما ينبغي أن تعمل به وتلتزمه في مستقبل أيامها.

وفي يوم عرفة من هذا الموسم، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقي خطبته المشهورة نزل

قوله تعالى:

{ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا ۚ } [المائدة: 3].

كان نزول هذه الآية أيذاناً بانتهاء مهمته صلى الله عليه وسلم، وقرب موعد وفاته، وهذا ما أدركه بعض الصحابة رضي الله عنهم.

على أن الآية الكريمة تحمل في ثناياها معان أخرى كثيرة، منها أنه صلى الله عليه وسلم قد أكمل مهمته في تربية الأمة وتعليمها ووضعها على الصراط المستقيم، وأن هذا الجيل استجاب للنبي صلى الله عليه وسلم استجابة لكل ما أمر به، وانتهى عن كل ما نهي عنه، فكان خير القرون كما أخبر عن ذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

وإذن فقد كان هذا الجيل يمثل في حياته وتعامله المنهج الذي أراده الله لعباده، والذي على بقية الأجيال أن تسير على ما سار عليه.

وجاءت خطبته صلى الله عليه وسلم في هذا الموسم لتؤكد على المعاني والقيم التي أقامها في المجتمع، ولتحذر الناس من الانصراف عنها وعدم الالتزام بها.

إنها قيم ماثلة عاشها الصحابة رضي الله عنهما وتربوا عليها يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة. إن كل كلمة كان يقولها صلى الله عليه وسلم كانت الأسماع تتلقفها لتنقلها عملاً إلى واقع الحياة.

وبناء على هذا، فخطبة حجة الوداع كانت تلخيصاً لما ربى عليه النبي  صلى الله عليه وسلم أصحابه، ووصية لهم ولمن بعدهم أن يظلوا على هذا المستوى من التفاعل مع أوامر الله تعالى وتطبيقها.

وإذن: فالآية الكريمة تقرر أن الرسول صلى الله عليه وسلم نجح أيما نجاح في مهمته فأدى الأمانة وبلغ الرسالة. وكان من نتيجة ذلك وجود الجيل الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه.

وفي هذا الباب أحاول الوقوف على الخطوط الرئيسة التي جاءت في خطبته صلى الله عليه وسلم، باعتبارها خلاصة لمعالم نشأة الجيل الأول كما أنها تعد المنهج الذي ينبغي على الأجيال العمل على تحقيقه. . إنها معالم للطريق.

ويحسن بنا أن نقف على نص الخطبة أولاً، ثم الانتقال بعد ذلك إلى فهم ما هدفت إليه.

ولكن ليس بين أيدينا نص واحد يشتمل على الخطبة كاملة، إذ كل صحابي حفظ بعضاً منها ونقل  ما حفظ، ولذا فنحن بحاجة إلى ذكر عدد من الأحاديث التي نقلت لنا ذلك مع حذف ما جاء فيها مكرراً.

المراجع

  1. أخرجه البخاري (4402).

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day