البحث
الحق الثاني عشر: الذب عن ذات النبي ﷺ
الدفاع عن رسول الله ﷺ ونصرته آية عظيمة من آيات المحبة والإجلال ، تفضل بها الصحابة عمن أتى بعدهم ،
قال الله تعالى
﴿للفقراء المهاجرين الذي أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون﴾
[1].
وقد سطّـر الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة وأصدق الأعمال في الذب عن رسول الله ﷺ ، وفدائه بالأموال والأولاد والأنفس في المنشط والمكره ، في العسر واليسر ، وكتب السير عامرة بقصصهم وأخبارهم التي تدل على غاية المحبة والإيثار والتعظيم.
ومن ذلك أن رسول الله ﷺ قال يوم أحد:
من يردهم عنا وله الجنة ، أو: هو رفيقي في الجنة؟ فتقـدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، ثم لما أدركو النبي ﷺ قال: من يردهم عنا وله الجنة ، أو هو رفيقي في الجنة ، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة.
[2]
ومن ذلك أن أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه كان يحمي الرسول ﷺ في غزوة أحد ،
ويرمي بيـن يديـه ، ويقـول: يا نبي الله ، بأبي أنـت وأمي ، لا تُشــرِف[3] ، لايصـيبك سـهم من سـهام الـقوم ، نحري دون نحرك[4].
وعن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال:
رأيت يد طلحة [5]شلاَّء ، وَقى بها النبي ﷺ يوم أحد
[6].
ولما قال رأس المنافــقين عبد الله بن أبي سلـــــــــول:
(لئن رجـعنا إلى الـمـدينة ليُخـرجن الأعز منـها الأذل) ؛ قال رسول الله ﷺ : أدعوا لي عبد الله بن عبد الله بن أُبي ، فدعاه ، فقال: ألا ترى ما يقول أبوك؟ قال: وما يقول ، بأبي أنت وأمي؟ قال: يقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال: فقد صدق والله يا رسول الله ، أنت والله الأعز وهو الأذل ، أما والله لقد قدمت المدينة يا رسول الله ، وإن أهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبر مني ، ولئن كان يُرضي الله ورسوله أن آتيهما برأسه لأتيتهما به. فقال رسول الله ﷺ : لا. فلما قدموا المدينة قام عبد الله بن عبد الله بن أبي على بابها [7]بالسيف لأبيه ، ثم قال: أنت القائل: (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) ؟ أما والله لتعرفَنَّ العزة لك أو لرسول الله ، والله لا يأويك ظله ولا تَأويه أبدًا [8]إلا بإذن من الله ورسوله. فقال: يا للخزرج ، إبني يمنعني بيتي ، يا للخزرج ، ابني يمنعني بيتي! فقال: والله لا تأويه أبداً إلا بإذن منه. فاجتمع إليه رجال فكلَّموه ، فقال: (والله لا يدخله إلا بإذن من الله ورسوله) ، فأتوا النبي ﷺ فأخبروه ، فقال: اذهبوا إليه ، فقولوا له: (خلِّه ومَسْكنَه) ، فأَتوه ، فقال: أما إذا جاء أمر النبي ﷺ فنعم
[9].
وفي رواية عند الترمذي ؛ أن عبد الله قال لأبيه:
والله لا تنفلِت[10] حتى تُـقِر أنك الذليل ورسول الله ﷺ العزيز ، ففعل
[11].
وقد ورد في ذلك عدة أدلة منها قصة الأعمى الذي كانت له أم ولد[12]
، وكانت تشتم النبي ﷺ ، فلما كان ذات ليلة جعلت تشتم النبي ﷺ وتقع فيه ، فأخذ مِغولا [13]فوضعه في بطنها فاتكأ عليه حتى ماتت ، فلما ذكر ذلك لرسول الله ﷺ دعا الأعمى فأخبره بأمرها ، فقال النبي ﷺ : ألا اشهدوا أن دَمَها هَدَر
[14].
وعن أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق ، فقلت: أقتله؟
فانتهرني وقال: ليس هذا لأحد بعد رسول الله ﷺ [15].
وعن علي رضي الله عنه أن
يهودية كانت تشتمُ النبيَّ ﷺ وتقع فيه ، فخنقها رجل حتى ماتت ، فأبطل [16]رسول الله ﷺ دمها.
[17]
وقد نقل ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم «الصارم المسلول على شاتم الرسول» إجماع أهل العلم على قتل من وقع في سب النبي ﷺ ، سواء كان مسلما أو كافرا.
والذب عن ذات النبي ﷺ ماضٍ بعد مماته ، بِرد الشبهات التي تثار حوله ، والأخذ على يد المتطاولين عليه والمستهزئين به ، وإقامة حد الردة عليهم إن كانوا في بلاد المسلمين ، وإن كانوا خارجـها فبإظهار النكير عليهم ، وبيان سيرة النبي ﷺ وهديه ، ولا شك أن هذا من الـجهاد
باللسان ، وقد كان حسان بن ثابت رضي الله عنه يدافع عن النبي ﷺ بشعره ، وفي الحديث: جاهدوا المشركين بألسنتكم وأنفسكم وأموالكم وأيديكم[18].
المراجع
- الحشر: 8 .
- رواه مسلم (1789) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
- الإشراف هو الاطلاع من مكان مشرف أي عالي وبارز. انظر «النهاية».
- رواه البخاري (3811) ، ومسلم (1811) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
- أي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
- رواه البخاري (4063).
- أي باب المدينة.
- أي ظل بيتك ، كما سيأتي.
- رواه الطبري في تفسير سورة المنافقين ، تفسير قوله تعالى يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
- الإنفلات هو التخلص من الشيء. انظر «النهاية».
- برقم (3315) ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
- أم ولد أي أمة ، وطأها فولدت له ولدا.
- المِـغول ، قال شمس الحق العظيم أبادي في «عون المعبود»: مِثْل سَيْف قَصِير يَشْتَمِل به الرَّجُل تَحْت ثِيَابه فَيُغَطِّيه ، وَقِيلَ حَدِيدَة دَقِيقَة لَهَا حَدّ مَاضٍ ، وَقِيلَ هُوَ سَوْط فِي جَوْفه سَيْف دَقِيق يَشُدّهُ الْفَاتِك عَلَى وَسَطه لِيَغْتَالَ به النَّاس.
- رواه أبو داود (4361) والنسائي (4081) عن ابن عباس رضي الله عنه ، وصححه الألباني رحمه الله ، وقال في الإرواء (5/92): إسناده صحيح على شرط مسلم.
- رواه النسائي (4082) ، وصححه الألباني رحمه الله.
- أبطل أي أهدر.
- رواه أبو داود (4362) ، وقال في «الإرواء» (5/91): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- رواه أحمد (3/153) عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، وقال محققو «المسند»: إسناده صحيح على شرط مسلم.