1. المقالات
  2. النصر المؤزر للنبى الموقر
  3. الحق العاشر: محبة النبي ﷺ أكثر من محبة النفس والمال والوالدَين والولد والناس أجمعين الجزء الأول

الحق العاشر: محبة النبي ﷺ أكثر من محبة النفس والمال والوالدَين والولد والناس أجمعين الجزء الأول

الكاتب : ماجد بن سليمان الرسى
3939 2020/07/27 2024/12/18

محبة النبي ﷺ وتعظيمه ﷺ من شرط إيمان العبد ، ومن أصول الدين ، بل الأمر كما قال ابن تيمية رحمه الله: قيام المِدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله ، وسقوط ذلك سقوط الدين كله[1].
والأدلة على وجوب حب النبي ﷺ كثيرة ، منها

قوله تعالى

﴿قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾.

[2]


فكفى بهذه الآية حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته ، ووجوب فرضها ، وعظم خطرها ، واستحقاقه لها ﷺ ، إذ قرع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله ، وتوعدهم

بقوله تعالى

﴿فتربصوا حتى يأتي الله بأمره﴾

، ثم فسّقهم بتمام الآية ، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله.
فصل
وتمام كمال محبة النبي ﷺ لا تكون إلا بتقديم محبة النبي ﷺ على النفس والمال والأهل ، ودون هذا نقص في المحبة والإيمان ، وقد دل على هذا الكتاب والسنة ، فأما الكتاب

فقوله تعالى

﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾

[3].

ومن السنة قوله ﷺ :

ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾.[4]


وقال رسول الله ﷺ :

أنا أولى بكل مؤمن من نفسه

[5].

قال ابن القيم رحمه الله: وهذه الأولوية تتضمن أمورا ، منها: 
أن يكون النبي أحب إلى العبد من نفسه ، لأن الأولوية أصلها الحب ، ونفسُ العبد أحب إليه من غيره ، ومع هذا فيجب أن يكون الرسول أولى به منها ، فبذلك يحصل له اسم الإيمان.
ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كـمال الانقياد والطاعة والرضا والتسليم وسائر لوازم المحبة ، من الرضا بحكمه ، والتسليم لأمره ، وإيثاره على من سواه.
ومنها: أن لا يكون للعبد حكم على نفسه أصلاً ، بل الحكم على نفسه للرسول ﷺ، يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده والوالد على ولده ، فليس في نفسه تصرف قط إلا ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها[6].
فيا عجبا كيف تحصل هذه الأولوية لعبد قد عزل ما جاء به الرسول ﷺ عن منصب التحكيم ، ورضي بحكم غيره ، واطمأن إليه أعظم من طمأنينته إلى رسول الله ﷺ ، وزعم أن الهدى لا يُـتلقى من مشكاته ، وإنما يُـتلقى من دلالات العقول ، وإن ما جاء به لا يفيد اليقين ، إلى غير ذلك من الأقوال التي تتضمن الإعراض عنه وعما جاء به ، والحوالة في العلم النافع إلى غيره ، ذلك هو الضلال المبين ، ولا سبيل إلى ثبوت هذه الأولوية إلا بعزل كل ما سواه ، وتوليته في كل شيء ، وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به ، فإن شهد له بالصحة قبله ، وإن شهد له بالبطلان رده ، وإن لم تتبين شهادته له بصحة ولا بطلان جعله بمنزلة أحاديث أهل الكتاب ، ووقّـفه حتى يتبين أي الأمرين أولى به.
ومن العجب أن يدعي حصول هذه الأولوية والمحبة التامة من كان سعيه واجتهاده ونصَـبه في الاشتغال بأقوال غيره وتقريرها والغضب والحمية لها والرضا بها والتحاكم إليها ، وعرْضِ ما قال الرسـول عليها ، فإن وافقها قبله ، وإن خالفها التمس وجوه الحيل ، وبالغ في رَدِّه[7] لـــيًّـــــا[8] وإعراضا[9].

وأما الدليل من السنة على أن كمال محبة النبي ﷺ لا يكون إلا بتقديم محبة النبي ﷺ على النفس والمال والأهل

فقوله ﷺ :

لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين

[10].


قال النووي في شرح الحديث: قال ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما رحمة الله عليهم:
المحبة ثلاثة أقسام: محـبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد ، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد ، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس ، فجمـع ﷺ أصناف المحبة في محبته.

وأخرج البخاري عن عبد الله بن هشام قال:

كنا مع النبي ﷺ وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله ، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي ﷺ : لا والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي.  فقال النبي ﷺ : الآن يا عمر.

[11]

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :

ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار.

[12]


فبين هذا الحديث أمرين ؛ الأول كيف يكون كمال المحبة ، وهو بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، فلا يكتفى بأصل الحب بل لا بد من أن يقدم على كل شيء ليحصل للعبد كمال الإيمان ويذوق حلاوته.
والثاني لوازم المحبة وهن أمران ؛ الأول الحب في الله ، والثاني كره ما يكرهه الله ورسوله ، وهو الكفر.
قال ابن تيمية رحمه الله: ومحبة الله ورسوله على درجتين: واجبة ، وهي درجة المقتصدين ، ومستحبة ، وهي درجة السابقين ، فالأولى تقتضي أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، بحيث لا يحب شيئاً يبغضه ،

كما قال تعالى

[لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله]

[13]

وذلك يقتضي محبة جميع ما أوجبه الله تعالى ، وبغض ما حرمه الله تعالى ، وذلك واجب ، فإن إرادة الواجبات إرادة تامة تقتضي وجود ما أوجبه ، كما تقتضي عدم الأشياء التي نهى الله عنها ، وذلك مسلتزم لبغضها التام.
فيجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله ،

قال تعالى

[ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط الله أعمالهم]

[14]

،

وقال تعالى

[وإذا ما أنـزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادهم رجساً إلى رجسهم]

[15]

وقال تعالى

[والذين أتيناهم الكتاب يفرحون بما أنـزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه]

[16].

وأما محبة السابقين ؛ بأن يحب ما أحبه الله من النوافل والفضائل محبة تامة ، وهذه حال المقربين الذين قربهم الله إليه[17].
قال ابن رجب رحمه الله: فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله محبةً توجب له الإتيان بما وجب عليه منه ، فإن زادت المحبة حتى أتى بما نُدب إليه منه كان ذلك فضلا ، وأن يكره ما كرِهه الله تعالى كراهة توجب له الكف عما حرَّم عليه منه ، فإن زادت الكراهة حتى أوجبت الكف عما كرِهه تنـزيها كان ذلك فضلا[18].
فصل
وقد جاء ذكر محبة الرسول مقترناً بمحبة الله في عدة نصوص شرعية من الكتاب والسنة ، فدل ذلك على عظم شأن مـحبة النبي ﷺ ،

كقوله تعالى

[أحب إليكم من الله ورسوله]

[19]،

وكذلك في قوله ﷺ:

ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ؛ من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ...

الحديث.

المراجع

  1. «الصارم المسلول على شاتم الرسولﷺ» ، (2/397).
  2. سورة التوبة: 24 .
  3. سورة الأحزاب: 6 .
  4. رواه البخاري (2399) ومسلم (1619) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، واللفظ للبخاري.
  5. رواه مسلم (867) عن جابر رضي الله عنه.
  6. أي النفس.
  7. أي ما قال الرسولﷺ.
  8. الليُّ هو الالتفات والانصراف. انظر «الصحاح» للجوهري ، مادة: لفف.
  9. «الرسالة التبوكية» ص 93 - 97 باختصار يسير.
  10. رواه البخاري (15) ومسلم (44) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
  11. رواه البخاري (6632).
  12. رواه البخاري (16) ، ومسلم (43) ، واللفظ لمسلم.
  13. سورة المجادلة : 22 .
  14. سورة محمد : 28 .
  15. سورة التوبة: 124 – 125 .
  16. سورة الرعد : 36 .
  17. «قاعدة في المحبة» ، ص 277 – 278 ، وتقع في «جامع الرسائل» لابن تيـمية ، المجموعة الثانية ، تحقيق د. محمد رشاد سالم.
  18. «جامع العلوم والحكم» ، شرح الحديث الحادي والأربعين.
  19. سورة التوبة: 24 .


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day