1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. الخطأ الفادح

الخطأ الفادح

الكاتب : صالح أحمد الشامي


الخطأ الفادح:

استدل بعضهم بحال أهل الصفة على مشروعية مسلك بعض المنحرفين من المتصوفة، من حيث ترك العمل والإخلاد إلى الراحلة والكسل، والمكوث في الزوايا والتكايا، بحجة التوكل.

وننقل بعض هذه الأقوال:

قال أبو عثمان سعيد بن أبي جعفر: إن الفقراء المتجردين من الصوفية، هم الذين ورثوا أهل الصفة في الجلوس في المساجد والرباط والتجرد وقلة التسبب، والناس ينظرون على الفقراء هذه الصفة، وهي السنة، لأن السنة في عرف الشرع ما أقره عليه السلام، أو عمله أو علمه، وكان عليه السلام يحسن إليهم ويؤنسهم، ولم يأمرهم بتكسب.

وقال المقريزي في الخطط: ولاتخاذ الربط والزوايا أصل من السنة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ لفقراء الصحابة الذين لا يأوون إلى أهل ولا مال مكاناً في مسجده كانوا يقيمون به عرفوا بأهل الصفة.

وقال ابن ليون التجيبي: وفي الصحيح أن أهل الصفة لم يتسببوا، ولا اشتغلوا بغير الذكر والفكر والقعود في المسجد. وكان القراء يخدمونهم، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يطعمونهم. وقال لهم: أبشروا يا أهل الصفة. . فترك التسبب طريقة أقرها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح أنه أمرهم بالتسبب، وإنما أمرهم بالتوكل. . (1).

أقول: وهذه الأقوال وما شابهها، كلها يجانبها الصواب، لأن قائليها لم يدرسوا وضع أهل الصفة دراسة مستفيضة كما فعلنا. . وإنما استوقفهم ظاهر نص من النصوص فوقفوا عنده ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث.

وليس من هدفنا في هذه الدراسة مناقشة هذه الأقوال والرد عليها، وإنما نلفت النظر إلى بعض الملاحظات:

* إذا كانت الأمر كما يقول هؤلاء، فلماذا لم يستمر أصحاب الصفة فيها حتى نهاية حياتهم. ولماذا غادروها بعد ذلك لينغمسوا في شؤون الحياة الدنيا؟.

* ثم إن كل النصوص تؤكد أن نزلاء الصفة كانوا من العزاب ومن المهاجرين.. فهل معنى ذلك أن المتزوجين وكذلك الأنصار لم يكونوا متوكلين على الله؟ ولماذا المهاجرون فقط؟.

* ثم إن أبا هريرة، وهو أكثر ارتباطاً بالصفة من غيره، لماذا لم يستمر فيها، وخرج إلى الحياة، بل أصبح أميراً في بعض أيامه على البحرين في عهد عمر ولم يكن مخشوشناً في حياته - كما قال ابن سيرين - وكان يلبس ثوبين ممشقين. . وأخذ بأسباب الرفاهية (1).

* والخلاصة: إذا كانت حال أهل الصفة هي ذروة حال المؤمن، فلماذا لم تستمر الصفة حتى نهاية حياته صلى الله عليه وسلم، بل انتهت قبل ذلك، ولو كانت عملاُ إيمانياً لماذا لم تستمر في عهد الخلفاء الراشدين؟.

إنها جميعاً أسئلة لا تجد جواباً لدى الذين اتخذوا الصفة دليلاً على مسلك بعض المنحرفين من المتصوفة.

ثم إن أهل الصفة كانوا من المجاهدين في سبيل الله في ساحات القتال، كما وردت النصوص الكثيرة بذلك (2)، فأين هؤلاء من ذلك؟.

الخلاصة:

إن الصفة كما رأينا هي تدبير اقتصادي مؤقت، دعت إليه الظروف الصعبة التي عاشها المسلمون في المدينة، ذلك البلد الذي وصفنا اقتصاده فيما سبق.

وقد انتهى دورها حينما وسع الله على المسلمين. .

وهي تدبير نبوي كريم، استطاع أن يحل به مشكلة اقتصادية ليست يسيرة. .

ومن ذلك قصة واثلة بن الأسقع يوم تبوك - وهو من أهل الصفة - كيف ذهب ينادي: من يحملني وله سهمي. . [انظر من معين السيرة للمؤلف ص 487].

المراجع

  1. جاء في تفسير ابن كثير عند الآية 70 من سورة الأنفال: أخرج البيهقي عن أنس بن مالك قال: :أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال: أنثروه في مسجدي، قال: وكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء جلس إليه، فما كان يرى أحداً إلا أعطاه، إذ جاءه العباس، فقال: يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي، وفاديت عقيلاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ، فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال: مر بعضهم يرفعه إلي، قال: لا، قال: فارفعه أنت علي، قال: لا، فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق. . فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم. وقد رواه البخاري في مواضع من صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم. [وانظر زاد المعاد 3/ 692 في هذه الجزية]. أقول: فلو كان هناك أحد من أهل الصفة لم يسمح للعباس أن يأخذ ما أخذ.
  1.  الفتاوى 11/ 41.
  2. عن نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية لعبدالحي الكتاني 1/ 473 - 478.
  3. انظر ترجمته في الإصابة. وكذا في طبقات ابن سعد 4/ 325 وما بعدها.
  4. ومن ذلك ما أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس - وقد مر بعضه -: "وإذا حضر غزو عمد المسلمون إليهم - إلى أهل الصفة - فاحتمل الرجل الرجل منهم أو ما شاء. ." [انظر حياة الصحابة للكاندهلوي 1/ 417].



المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day