البحث
ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ
تحت قسم :
من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
7217
2019/07/02
2024/12/18
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ".
اليقين بالله – تبارك وتعالى – هو الإحسان في أسمى درجاته وأعلى مراتبه، فمن قوى بالله أسلم وجهه إليه، وأحسن التوكل عليه، ولم ينقطع رجاؤه في رحمته: ولم يكف عن سؤاله ساعة من ليل أو نهار.
ورسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هو أول الناس إسلاماً، وأعظمهم في الله رجاء وأكثرهم إلحاحاً في الدعاء، يعلم أصحابه ما ينبغي إن يكونوا عليه عند الدعاء من حضور القلب مع الله – عز وجل -، وحسن الثقة بفضله، وعظيم الرجاء في الإجابة عند الإلحاح بالدعاء، فيوصيهم بقوله: "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ" أي اضرعوا إلى الله بالدعاء والحال أنكم لا تشكون – ولو لحظة – في قبول الدعاء، مادمتم تدعونه رغباً ورهباً، وقد طهرتم قلوبكم من كل ما يعكر صفو إيمانكم بربكم، وأطبتم مطعمكم ومشربكم وملبسكم، وأطعتموه بقدر طاقتكم، وقدمتم بين يدي دعائكم ما يليق بذاته تعالى من الحمد والثناء الحسن الجميل، وهذا كله من توابع اليقين ودلائله الدالة على صدقه.
واليقين ضد الشك، وهو امتلاك القلب بالإيمان المبني على العلم والمعرفة بالله – عز وجل-.
ولهذا قال الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ" أي لا يستجيب لأي دعاء صدر من قلب مشغول بغير ذكره – تبارك وتعالى - ، أو كان به شبهة من الشبهات التي تؤثر على نقاء السريرة وصفاء الضمير وسلامة القلب، أو شهوة من الشهوات التي تجعل الدعاء أقرب إلى الهذيان، فمتى كان القلب المشغول بنزوات الطيش والهوى يحتفظ باليقين الذي يترتب عليه قبول الدعاء وتحقيق الرجاء!!.
فقوله:" وَاعْلَمُوا" يفيد أن الأمر جد لا هزل فيه.
فلن يستجيب الله إلا لعبد لخضع لعظمته، وتواضع لجلاله، وأظهر تمام الافتقار إليه، واعترف بذنبه وأيقن بالإجابة على النحو الذي لا يخالجه شك.
وهذا كقوله: "فأعلم أنه لا إله إلا الله".
فمن يعلم أن الله لا يستجيب دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ" كان موحداً يعلم حقيقة التوحيد.
ومن لم يكن كذلك، لم يكن موحداً عن علم ومعرفة، فتأمل ذلك تجده صحيحاً إن شاء الله.
وقد ذكرنا – من قبل – أن اليقين إنما يبنى على العلم بالله ومعرفته بصفات انكمال والتنزيه.
ونخلص من هذا إلى أن الناس في الدعاء ثلاثة أصناف:
صنف: يعبد الله ويشرك معه غيره في العبادة، ولا يكاد يذكره إلا عند الشدة، فإذا مسه الشر دعاه واستغاث به، فإن زالت عنه الشدة عاد إلى ما كان عليه من الشرك والكفران، وهؤلاء هم الكفرة الفجرة، عباد الأوثان وغيرها من الآلهة المزعومة.
وفيهم يقول الله – تبارك وتعالى - : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (سورة يونس: 22-23).
وصنف: يعيد الله وحده، ولكن في قلبه شيء من الزيغ والانحراف، واللهو والغفلة، فإذا دعا الله – عز وجل – ساوره الشك في الإجابة ولعبت الظنون برأسه، وتواردت عليه الخواطر التي تحمل معها شبح اليأس والقنوط، وقال في نفسه: هل يستجيب الله لي، ومتى يستجيب؟ إلى آخر ما في جعبته من المثبطات الواردة على قلبه بالتتابع والملاحقة، فهذا لا يستجاب له قطعاً؛ لعدم تيقنه بالإجابة.
وصنف: أتم الله عليه النعمة، وأمده بروح منه، وطهر قلبه من وساوس الشيطان ونزغات الهوى، فاتجه إلى الله يدعوه سراً وجهراً، ولا يشك في الإجابة أبداً وهو يعلم أن الله كريم وهاب، إما أن يجيبه فيما طلب، وإما أن يعطيه خيراً مما طلب، وإما أن يدخر له ذلك في الجنة ثواباً من عنده (والله عنده حسن الثواب).
روى الترمذي في سننه بإسناد حسن صحيح عن عبادة بن الصامت أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: "مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ".
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إِذًا نُكْثِرُ، فَقَالَ: "اللَّهُ أَكْثَرُ" أي إن كنتم أكثر دعاء فإن الله أكثر إحساناً.
وقد مر بنا في مواضع كثيرة ذكر آداب الدعاء وشروط صحته وقبوله فراجعه في هذا الكتاب هنا وهناك، واجمع قاصيه ودانيه، واعتبر بما فيه.