1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ

أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ

الكاتب : الدكتور/ محمد بكر إسماعيل
3070 2018/11/18 2024/12/18
المقال مترجم الى : English اردو हिन्दी

 
 
عن أبي فراس رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أهل الصفة – رضي الله عنه – قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي "سَلْ" فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ فقَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ هُوَ ذَاكَ قَالَ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ".
*     *     *
كان النبي صلى الله عليه وسلم في إكرام من خدمه وأسدى إليه معروفاً، فيعطيه أكثر مما أعطى، ويوليه عناية خاصة، ويفضاه بالقرب منه والدخول عليه والجلوس معه، وقد يرفع الكلفة بينه وبينه، ويعفو عنه إن أخطأ ويثني عليه إن أصاب، لا لأنه يخدمه فحسب؛ ولكنه يفعل ذلك معه مثوبة له على إخلاصه في حبه له وطاعته لله – عز وجل – وتأدبه في حضرته ومع أهل بيته، بالإضافة إلى خصائص مشرفة قد عرفوا بها، ومميزات قد فاق فيها غيره من أصحابه الذين هم في منزلته من الإسلام.
 
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في سياسته العامة يعرف أقدار الرجال، ويسبر غورهم، ويضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ويعطي كل ذي حق حقه من الماديات والمعنويات، بحيث لا يشعر أحد بأنه مهضوم الحق في أي جهة من الجهات أو في أي شأن من الشئون.
 
وكان صلى الله عليه وسلم على درجة لا تداني من الخلق الفاضل والكمال الوافر، يخفض جناحه لجميع المؤمنين، فلا يتعالى على أحد منهم مهما كان شأنه في الناس، فالناس عنده سواسية كأسنان المشط، وهذا معروف من سيرته صلى الله عليه وسلم لا يحتاج منا إلى بيان.
 
فهذا هو خادمه ربيعة بن كعب يبيت معه ليقضي له حاجته، فأجلسه يوماً بالقرب منه وقال له: سل، أي اطلب ما تشاء مني، وهو واثق – بالله عز وجل – أنه مهما طلب فإنه صلى الله عليه وسلم سيكون عند حسن ظنه به، فيدعو الله – عز وجل – أن يحقق له مطلبه – وهو يحسن الظن بربه – فيستجيب له فيه.
 
والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن خادمه لا يطلب من أمور الدنيا شيئاً لزهده وتقواه، ولو طلب منها شيئاً فلا يطلبه إلا لله، ولو طلب شيئاً لله استجاب الله له فيه تحقيقاً لوعده في محكم التنزيل.
 
فما كان من هذا الخادم العاقل النبيل إلا أن طلب مطلباً هو من أعظم المطالب على الإطلاق وهو الجنة، نعم الجنة ليس إلا.
 
وكيف لا، والجنة دار رحمة الله، لا يدخلها إلا من أحبه الله ورضى الله عنه. فهل هناك سوى الجنة مطلب!!
 
والرسول صلى الله عليه وسلم قد أعجب بهذا الطلب أيما إعجاب ولم يفجأه هذا الطلب لعلمه أنه ليس لخادمه سواه مطلب، فهو رجل قد شغلته العبادة عن دنياه وجعل الآخرة منتهى بغيته، ومحط آماله، لذلك قابل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المطلب بسؤال يعرف الجواب عنه، فيقول وهو في غاية السرور: أو غير ذلك؟ أي هل أمن راغب في الجنة رغبة تامة مؤكدة لا تطلب سواها شيئاً من أمور الدنيا، فهو لا يثنيه عن عزمه، ولكنه يستوثق منه، ويطمئن إلى قوة عزمه، وحزمه، ويستنهض همته إلى ما يقربه منها، فإن الجنة عروس يغلو مهرها ويعز وصلها إلا على من صحت نيته في خطبتها، وسلم قلبه في حبها، وكان مهيئاً لدفع صداقها.
 
وصداقها أن يجاهد المرء نفسه في طاعة ربه عز وجل، ويسهم بنصيب وافر في الميدان الذي يجيد الإسهام فيه.
 
إما أن يجاهد في سبيل الله فيقتل ويُقتل فيستحق وعد الله تعالى الوارد في قوله جل شأنه من سورة التوبة: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }       (سورة التوبة: 111).
 
وإما أن يلزم محرابه فيكثر من الصلاة ولا سيما في جوف الليل.
ولله سبل كثيرة في إرضائه، وبلوغ درجات القرب من ساحة رحمته.
 
قال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }  (سورة العنكبوت: 69).
 
وكان هذا الخادم – رضوان الله عليه – من أهل الصفة، وهم الذين كانوا يسكنون المسجد ويجعلون بينهم وبين الناس صفة – أي سائراً يسترهم – ولا مال لهم، ولا قدرة لهم على الكسب، فوصف له الرسول صلى الله عليه وسلم ما يناسب حاله من الجهاد، فقال له: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ".
 
أي فإن كنت تريد ذلك حقاً وصدقاً من أعماق قلبك فإني سأدعو لك الله أن يحقق رجاءك بشرط أن تعينني على نفسك الأمارة بالسوء بكثرة السجود، أي: بكثرة الصلاة.
 
وقد عبر عنها بالسجود لأن السجود أشرف ركن فيها، فهو الوسيلة المثلى التي يعبر بها العبد لربه عن خالص حبه وكمال عبوديته، ومنتهى خضوعه وتمسكنه وتواضعه، وافتقاره لخالقه ومولاه.
*     *     *

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day