البحث
ملحق الدليل السادس والتسعين من دلائل عظمة النبي ﷺ
ملحق الدليل السادس والتسعين من دلائل عظمة النبي ﷺ
تقدم في فصل الدلائل على عظمة النبي ﷺ ذِكر الدليل السادس والتسعين على عظمة النبي ﷺ ، وهو ما اختص الله به أمته من خصائص ورؤوسها ثلاثة وعشرون ، وقد أفردتها في هذا الملحق ، هذا أوان ذكرها:
الأول: أن الله تعالى جعل أمة محمد ﷺ خير الأمم ، واصطفاها من جميع الخلق ، لتكون أمة محمد ﷺ ،
قال تعالى
[كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله].
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبي ﷺ يقول في قوله
[كنتم خير أمة أخرجت للناس] قال: إنكم تُتمون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله
[1].
الثاني: ومن خصائص أمة محمد ﷺ أن الله اجتباها لتكون الأمة الوسط الشاهدة على جميع الأمم السابقة ،
قال تعالى
[وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً]
، وقال تعالى
[هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :
يجيء نوح وأمته ، فيقول الله تعالى: هل بلّغت؟ فيقول: نعم أي رب. فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا ، ما جاءنا من نبي. فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد ﷺ وأمته. فتشهد أنه قد بلغ ، وهو قوله جل ذكره [وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس]. والوسط العدل
[2].
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: وأرى أن الله – تعالى ذِكره – إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين ، فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلو بالترهُّب ، وقِيلِهم [3]في عيسى ما قالوا فيه [4]، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله ، وقتلوا أنبيائهم ، وكذبوا على ربهم ، وكفروا به ، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه ، فوصفهم الله بذلك ، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها. انتهى.
الثالث: ومن خصائص أمة محمد ﷺ أن فيها خير القرون قاطبة منذ خلق الله الخليقة ، فعن أبي هــريرة رضي الله عنه ،
أن رســول الله ﷺ قال:
بعثــت من خــير قرون بني آدم قرناً فقرنا ، حتى كنت من القرن الذي كنت منه
[5].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
سأل رجل النبي ﷺ : أي الناس خير؟ قال: القرن الذي أنا فيه ، ثم الثاني ، ثم الثالث
[6].
الرابع: ومن خصائص أمة محمد ﷺ أن الله أتم لها الدين فلا تحتاج إلى دين غيره ولا نبي بعد نبيها ﷺ،
قال الله تعالى
[اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا]
[7].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:
هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة ، حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم ، صلوات الله وسلامه عليه ، ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء ، وبعثه إلى الإنس والجن ، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه ، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذِب فيه ولا خُلف ،
كما قال تعالى
[وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا]
، أي: صدقا في الأخبار ، وعدلا في الأوامر والنواهي ، فلما أكمل الدين لهم تمت عليهم النعمة ،
ولهذا قال تعالى
[اليوم أكملت لكم دينكم وأتــــممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا]
، أي : فارضَوه أنتم لأنفسكم ، فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه ، وبعث به أفضل الرسل الكرام ، وأنزل به أشرف كتبه. انتهى كلامه رحمه الله.
الخامس: ومن خصائص أمة محمد ﷺ أن الله يقيض لها من يـُجدِّد لها دينها على رأس كل مائة سنة، ليُحفظ دينها على مر القرون ،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها
[8].
قال ابن كثير رحمه الله في معنى الحديث: الظاهر والله أعلم أنه يعم جملة أهل العلم من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء ونحاة ولغويين ، إلى غير ذلك من الأصناف ، والله أعلم. انتهى كلامه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فَلَمَّا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ رَسُولٌ، وَلَا مَنْ يُجَدِّدُ الدِّين؛ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقِيمُ لِتَجْدِيدِ الدِّينِ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِظُهُورِهِ، كَمَا وَعَدَ بِهِ فِي الْكِتَابِ، فَيُظْهِرُ بِهِ مَحَاسِنَ الْإِيْمَانِ وَمَحَامِدَهُ، وَيُعَرِّفُ بِهِ مَسَاوِئَ الْكُفْرِ وَمَفَاسِدَهُ[9].
السادس: ومن خصائص أمة محمد ﷺ منها بقاء طائفة منها على الحق إلى قيام الساعة ، جعلنا الله والقارئين منهم ،
فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، حتى يأتيهم أمر الله وهو ظاهرون
[10].
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :
لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك
[11].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة
[12].
وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ :
لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة
[13].
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ، ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة
[14].
وفي رواية أن عمير بن هانئ قال:
سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم ظاهرون على الناس
[15].
وفي الباب أحاديث صحيحة عن زيد بن أرقم [16]، وأبي أمامة [17]، وعمران بن حصين [18]، والمغيرة بن شعبة [19]، رضي الله عنهم أجمعين.
قال النووي رحـمه الله في بيان هذه الطائفة: ويُحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين ، منهم شجعان مقاتلون ، ومنهم فقهاء ، ومنهم محدثون ، ومنهم زهاد ، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين ، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض.
ثم قال رحمه الله: وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة ، فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي ﷺ إلى الآن ، ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث[20].
وفيه دليل لكون الإجماع حجة ، وهو أصح ما استُدِلَّ به له من الحديث.
قال مقيده عفا الله عنه بمنه وكرمه: اللهم اجعلني والقارئ الكريم منهم.
السابع: ومن خصائص هذه الأمة أنها لا تـجتمع على ضلالة ،
ودليل هذا حديث كعب بن عاصم الأشعري رضي الله عنه ، سمع النبي ﷺ يقول:
إن الله تعالى قد أجار أمتي من أن تجتمع على ضلالة
[21].
وقال أبو مسعود، عقبة بن عمرو، رضي الله عنه:
عليكم بالجماعة ، فإن الله لا يجمع أمة محمد ﷺ على ضلالة
[22].
وقال الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه: ما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رأوه سيئا فهو عند الله سيء[23].
وقوله رضي الله عنه (المسلمون) يعني بذلك علماءهم ، لأن العلماء هم أهل النظر وهم حملة الشريعة.
الثامن والتاسع: ومن خصائص أمة مـحمد ﷺ ما منَّ الله به عليها ببعض العبادات [24]التي تتضمن رفع الحرج والمشقة في العبادات ، وتشبيه الأمة في صفوف الصلاة بصفوف الملائكة عند ربها ،
ومن ذلك ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:
فُضِّلت هذه الأمة على سائر الأمم بثلاث: جُعِلت لها الأرض طهورا ومسجدا ، وجُعِلت صفوفها على صفوف الملائكة ،[25] وأُعطِيت هذه الآيات من آخر البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعطها نبي قبلي
[26].
وعن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا – أي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ - فَقَالَ: أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ
[27].
العاشر: ومن فضائل أمة محمد ﷺ أنهم هُدُوا ليوم الجمعة ، ففي حديث أبي هريرة المتقدم: ... ، ثم هذا يومهم الذي فُرِضَ عليهم فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا ، والنصارى بعد غد.
قال ابن حجر رحمه الله في معنى (فُـرض عليهم) أي فُـرض تعظيمه.
وهداية الصحابة ليوم الجمعة كان عن اجتهاد منهم ، اختاره ابن حجر رحمه الله كما في شرحه للحديث ، واستدل بما رواه عبد الرزاق في «مصنفه»[28] وصححه عن محمد بن سيرين قال: جَـمَّع[29] أهل المدينة قبل أن يَقدُم رسول الله ﷺ وقبل أن تُــنْـــزَل الجمعة [30]، وهم الذين سموها الجمعة ، فقالت الأنصار: لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام ، وللنصارى أيضا مثل ذلك ، فهلُم فلنجعل يوما نجــتمع ونذكر الله ونصلي ونشــكره فيه - أو كــما قالوا - فاجعلوه يوم العَروبة ، وكانوا يُسمُّون يوم الجمعة يوم العروبة ، فاجتمعوا إلى أسعد بن زُرارة فصلى بهم يومئذ وذكّرهم ، فسمَّوه الجمعة ، حتى اجتمعوا إليه ، فذبح أسعد بن زرارة لهم شاة ، فتغدوا وتعشوا من شاة واحدة ، وذلك لقلتهم ،
أنزل الله في ذلك
[إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله].
قال ابن حجر رحمه الله: وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن ، أخرجه أحمد وأبو داود[31] وابن ماجه[32] وصححه ابن خزيمة[33] وغير واحد ، من حديث كعب بن مالك قال: كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله ﷺ المدينة أسعد بن زرارة ، الحديث.
فمُرسَل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد.
ولا يمنع ذلك أن يكون النبي ﷺ علِمه بالوحي وهو بمكة فلم يتمـكن من إقامتها ثَـمّ [34]، فقد ورد فيه حديث عن ابن عباس عند الدارقطــــــني ، ولذلك جَـمّع بـهم أول ما قدِم المدينة ، كما حكاه ابن إسحاق وغيره ، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتَي البيان والتوفيق.
وقيل في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه ، والإنسان إنما خُـلِق للعبادة ، فناسب أن يَشتغل بالعبادة فيه ، ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات ، وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها ، فناسـب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه. انتهى.
قال مقيده عفا الله عنه: وقد ذكر ابن القيم في «زاد المعاد» ثلاثين خَصيصة ليوم الجمعة.
الحادي عشر: ومن خصائص أمة مـحمد مضاعفة أجرها ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما ،
عن النبي ﷺ قال:
مَـــــثَــــلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء ، فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟[35] فعمِلت اليهود. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعمِلت النصارى. ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم ، فغضبت اليهود والنصارى ، فقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال: هل نقصتُـــكُم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء
[36].
ومن دلائل مضاعفة أجور أمته أن الله فرض على النبي ﷺ ليلة أسري به خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم راجع ربه ليخفِّف عدد الصلوات ، فما زال يخففها حتى بلغت خـمسا ، ثم راجعه فقال: هن خمس وهن خمسون ، لا يُبدَّل القول لدي[37].
أي هي خمس في الأداء ولكنها خمسون في الثواب.
ومن دلائل مضاعفة أجور أمته ما اختص الله به هذه الأمة من ليلة القدر ، والتي يضاعف فيها العمل الصالح مضاعفة عظيمة حتى يكون للعامل فيها ثواب مَن عَمِل ألف شهر وزيادة ، أي أربعٌ وثمانون سنة وأربعة أشهر ،
قال الله تعالى
[ليلة القدر خير من ألف شهر].
ومن دلائل مضاعفة أجور أمته أن من عمِل حسنة فإن الله يضاعف ثوابها له إلى عشر أمثالها ،
قال الله تعالى
[من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه عز وجل قال:
إن الله كتب الحسنات والسيئات ، ثم بين ذلك ، فمن هَــــمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، فإن هَــــمَّ بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرة ، وإن هَــــمَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هَــــمَّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة.[38]
وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تصوم؟ فقال: ثلاث من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان ، فهذا صيام الدهر كله. صيام يوم عرفة ، أحتسب على الله أن يُــكَــفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده. وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُــكَــفِّر السنة التي قبله[39].
أي الخطايا التي ارتكبها الإنسان في السنة التي قبلها.
وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة ، والله ذو الفضل العظيم.
والكلام في مضاعفة الأجور وتكفير السيئات – والتي أنعم الله بها على أمة محمد ﷺ – يطول جدا ، ومن أراد التوسع في معرفة فضائل الأذكار والعبادات فليرجع غلى كتب الفضائل الصحيحة مثل «رياض الصالحين» للنووي رحمه الله وأمثاله من الكتب.
فالحاصل أن الله أعطى أمة محمد ﷺ في الأعمار القصيرة على الأعمال اليسيرة أضعاف ما أعطى الأمم الماضية في الأعمار الطويلة على الأعمال الكثيرة الشاقة ، والحمد لله الذي جعلنا من أمة محمد ﷺ .
الثاني عشر: ومن خصائص أمة محمد ﷺ أنه لا يَـعُـمُّها الهلاك بجدبٍ (وهو قلة المطر) ولا غرق ، ولا يُسلط عليهم عدوٌّ فيستأصلهم ،
فعن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله ﷺ
أقبل ذات يوم من العالية ، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين ، وصلينا معه ، ودعا ربه طويلا ، ثم انصرف إلينا ، فقال ﷺ : سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة ؛ سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسَّـنة[40] فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمَنَعنيها
[41].
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :
... وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسَــــنةٍ عامَّة[42] ، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم[43] ، وإن ربي قال: يا محمد ، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أٌهلِكهم بسنة عامة ، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها – أو قال: مَن بينَ أقطارها - حتى يكون بعـــضهم يهلك بعضا ، ويسبي بعضهم بعضا
[44].
الثالث عشر: أنهم الآخِرون في الدنيا ، السابقون يوم القيامة في الحساب ودخول الجنة ،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سـمِع رسول الله ﷺ يقول:
نـحن الآخِرون السابـــقون يوم القيامة ، بَــيْدَ أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا
[45].
قال ابن حجر رحمه الله: أي الآخرون زمانا الأولون منزلة ، والمراد أن هذه الأمة - وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية - فهي سابقة لهم في الآخرة ، بأنهم أول من يحشر ، وأول من يحاسب ، وأول من يُقضى بينهم ، وأول من يُدخَلُ الجنة. انتهى.
الرابع عشر: ومن خــصـائص أمة مـحمد أنـــهم يأتون يوم القــيامة غُــرًّا مُـحجَّــــلين[46] من أثر الوضـــوء ، والغرة بياض في الوجه ، والتحجيل بياض في القدم ، وفي هذا تخصيصهم بالزينة على غيرهم من الأمم، وبهذا يَعرفهم النبي ﷺ من غيرهم يوم القيامة ،
قال ﷺ :
إن أمتي يدعون يوم القيامة غُــرًّا مُـحجَّــــلين من آثار الوضوء
[47].
الخامس عشر: ومن خصائص هذه الأمة أنهم أول من يجوز على الصراط يوم القيامة ، مع النبي ﷺ،
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم ، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته
[48].
السادس عشر: ومن خصائص أمة محمد ﷺ أن الله يُدخل منهم الجنة سبعين ألفا بغير حساب ولا عـذاب ، وهذا الحديث ثابت في الصــــــحيحين[49].
وفي حديث آخر:
مع كل ألف سبـــــعون ألف ، وثلاث حـثَياتٍ[50] من حثياته[51].
قال النووي رحمه الله: فيه عِظم ما أكرم الله سبحانه وتعالى به النبي ﷺ وأمته ، زادها الله فضلا وشرفا[52].
السابع عشر: ومن خصائص أمة محمد ﷺ أنهم أكثر أهل الجنة ، فقد بشر الله نبيه بأن أمته نصف أهل الجنة ،
كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال يوما لأصحابه:
إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة
ثم أكمل النبي ﷺ البشارة في الحديث الصحيح الآخر الذي قال فيه: أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ
[53][54]. .
قال النووي رحمه الله: فهذا دليل على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة ، فيكون النبي ﷺ أَخبر أولا بحديث الشطر ، ثم تفضل الله سبحانه بالزيادة ، فأُعلِم بحديث الصفوف ، فأخبر به النبي ﷺ بعد ذلك
الثامن عشر: ومن خصائص أمة محمد ﷺ أن الله سماهم المسلمين ولم يُسمِّ بهذا الاسم أمةُ قبلها من الأمم ، مع أن جميع الأنبياء أتوا برسالة الإسلام بمعناها العام وهي الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك ، ولكن تسمية الرسالة نفسها بالإسلام فهذه لم تحصل إلا لشريعة محمد ﷺ ،
قال الله تعالى
[هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا]
، أي: هو اصطفاكم لحمل هذا الدين ، وقد منَّ عليكم بأن جعل شريعتكم سمحة ، ليس فيها حرج ولا تضييق ولا تشديد في تكاليفها وأحكامها كما كان في بعض الأمم قبلكم ، هذه الملة السمحة هي ملة أبيكم إبراهيم بمعناها العام ، فإن مِلة إبراهيم هي إفراد الله بالعبادة ، وقد سَمَّاكم الله المسلمين مِن قبلُ في الكتب المنزلة السابقة وفي هذا القرآن ، وقد اختصَّكم بهذا الاختيار.
التاسع عشر: ومن خصائص هذه الأمة ودلائل تكريمها أن المسيح عيسى ابن مريم سيصلي معهم إذا نزل آخر الزمان ، خلف إمامهم ، وهو المهدي ، وهذا من تكريم الله لهذه الأمة ، وبهذا سيكون المسيح واحدا من هذه الأمة ،
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال:
سمعت النبي ﷺ يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى ابن مريم ﷺ ، فيقول أميرهم: تعال صلِّ لنا. فيقول: لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة.[55]
أي: إذا قال الأمير وهو المهدي للمسيح (صلِّ لنا) أي صلِّ لنا إماما ، فإن المسيح يعتذر بأن بعض هذه الأمة[56] أمراء على بعض ، والأمير هو الأحق بأن يصلي بالناس ، فلا ينبغي لغيركم أن يكون إماما لكم ، لأجل تكرمة الله إياكم[57].
العشرون: ومن خصائص أمة محمد ﷺ أن المسيح عليه السلام – وهو من أولي العزم من الرسل – سيحكمهم ويكون واليا على المسلمين كلهم ، مطبقا للشريعة الإسلامية ، وسيكون هذا إذا نزل في آخر الزمان ، فيقتل الدجال ومن معه من اليهود ، ويُهلِك الله قوم يأجوج ومأجوج بسبب دعائه عليهم ، ثم يكون واليا على المسلمين بعد المهدي ، وتكون مدة لبثه في الأرض أربعون سنة ، وسيكون الرخاء ورغــــــــد العيش وبسط الأمن في تلك الفترة ، وبعد مـــــوته يكون شرار الناس ، فتأتي ريح طيبة فتقبض أرواح المؤمنين ، ثم تقوم الساعة على شِرار الناس[58].
ولْيتأمل الـمُتأمل هذه الخصيصة العظيمة لهذه الأمة ؛ أنْ حَــــكَــــمَــــها في أول أمرها نبي وهو محمد ﷺ ، وسيحكمها في آخر الزمان نبي وهو الـمسيح ابن مريم عليه السلام.
الحادية والعشرون: ومن خصائص أمة محمد ﷺ كثرة العلماء المجاهدين العُباد في صحابة النبي ﷺ ،
وقد كان في صحابة النبي ﷺ جميع أنواع الشرائح المطلوبة في المجتمع لإقامة دين الإسلام، فمنهم من كان مستشارا خاصا للنبي ﷺ لإدارة شئون الدولة، كالخلفاء الأربعة.
ومنهم الفقهاء المُحدِّثون كابن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري ومعاذ بن جبل، ومن النساء عائشة رضي الله عنهم أجمعين.
وممن اعتلى في الجهاد خالد بن الوليد وأبو عبيدة عامر بن الجراح وأسامة بن زيد، رضي الله عنهم.
والكلام في هذا يطول جدا، ومن رجع إلى كتاب »سير أعلام النبلاء» لشمس الدين الذهبي رحمه الله وجد إرثا علميا ضخما يحكي أمجاد الصحابة رضي الله عنهم ومكانة كثير ممن تميز منهم بعلم أو عمل أو جهاد.
الثانية والعشرون: ومن خصائص أمة محمد ﷺ كثرة العلماء في أمته منذ عهد النبوة وإلى زماننا هذا، الذين حفظوا الدين، وساهموا في التأليف في شتى الفنون العلمية، كالعقيدة والتفسير والحديث والفقه، وتجديد ما اندرس من معالم دين الإسلام، ولا زال العلماء في كل قرن يقومون بدين الله ويجاهدون لنشر العلم وبثه بين الناس مهما كانت الظروف السياسية والاجتماعية والبيئية التي تحيط بهم.
وهذا في الحقيقة امتداد لما كان النبي ﷺ يفعله، وهو بث العلم بين الناس ونشره في الآفاق بقدر الإمكان، فعاد الفضل بعد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من دلائل عظمته.
وقد دَوَّن علماء التاريخ الإسلامي تراجمهم في كتبهم، ومن أشهر تلك الكتب الكتاب السالف ذكره »سير أعلام النبلاء» لشمس الدين الذهبي رحمه الله، وكذلك كتاب »معجم المؤلفين» لعمر رضا كحَّالة رحمه الله.
الثالثة والعشرون: ومن خصائص أمة محمد ﷺ كثرة السابقين إلى الخيرات في أمته مقارنة بالأمم الأخرى، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير
قوله تعالى
[مِنهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون]
[59]
وقوله
[منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون]
،
كقوله تعالى
[ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون]
[60]
،
وكقوله عن أتباع عيسى
[فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون]
[61]
، فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد، وهو أوسط مقامات هذه الأمة، وفوق ذلك رتبة السابقين،
كما في قوله تعالى
[ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنات عدن يدخلونها]
[62] الآية.
انتهى.
وقال ابن سعدي رحمه الله في تفسير
قوله تعالى :
[مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُون]
أي: من أهل الكتاب أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ، أي: عاملة بالتوراة والإنجيل، عملا غير قوي ولا نشيط، ]وكثير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُون، أي: والمسيء منهم الكثير، وأما السابقون منهم فقليلٌ ما هم. انتهى.
قلت: فإذا كان هذا هو حال أمة موسى التي هي أفضل الأمم بعد أمة محمد ﷺ ، فكيف بالأمم الأخرى؟
المراجع
- رواه الترمذي (3001) ، وابن ماجه (4288) ، وأحمد (5/3) ، والبيهقي (9/5) ، وحسن إسناده محققو «المسند» والألباني. ولفظ الترمذي أنه سمع النبي ﷺيقول في قوله تعالى )كنتم خيرأمة أخرجت للناس( ، فذكره.
- رواه البخاري (3339).
- أي: وقولهم.
- أي: قول طائفة منهم إنه ابن الله وقول طائفة إنه ثالث ثلاثة وقول طائفة إنه هو الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
- تقدم تخريجه.
- تقدم تخريجه.
- سورة المائدة ، الآية 3 .
- أخرجه أبو داود (4291) ، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (599).
- «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (1/84-85)، ط دار الفضيلة - الرياض.
- أخرجه البخاري (7311) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
- أخرجه مسلم (1920) والترمذي (2229) وابن ماجه (10) ، وأحمد (5/279).
- أخرجه مسلم (1923) وأحمد (3/345) ، والبيهقي (9/39).
- أخرجه الترمذي (2192) ، وابن ماجه (6) ، وابن حبان (1/261) ، واللفظ لابن ماجه.
- أخرجه أحمد (4/93) ، وقال محققو «المسند»: إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أخرجه أحمد (4/101) ، وقال محققو «المسند»: إسناده صحيح ، رجاله ثقات رجال الصحيح.
- أخرجه أحمد (4/369).
- أخرجه أحمد (5/269).
- أخرجه أحمد (4/429 ، 437) ، وأبو داود (2484).
- رواه مسلم (1921).
- «شرح النووي على صحيح مسلم» ، حديث رقم (1920).
- رواه ابن أبي عاصم (82) وحسنه الألباني بشواهده كما في «السلسلة الصحيحة» (1331).
- رواه ابن أبي عاصم (85) وصححه الألباني في «ظلال الجنة».
- رواه أحمد في «مسنده» (1/379) ، وقال محققو «المسند»: إسناده حسن.
- انظر للتوسع كتاب «رفع الحرج في الشريعة الإسلامية» للدكتور يعقوب بن عبد الوهاب أبا حسين ، الناشر: مكتبة الرشد – الرياض.
أقول: ورفع الحرج يعتبر واحد من خصائص الشريعة الإسلامية ، وإلا فخصائص الشريعة كثيرة ، انظر كتاب «خصائص الشريعة الإسلامية» للدكتور عمر بن سليمان الأشقر رحمه الله ، الناشر: دار الفلاح – الكويت. - أي: جُعِلت صفوف أمته في الصلاة على مِثالِ صفوف الملائكة في السماء.
- رواه أحمد (5/383) ، وقال محققو «المسند»: إسناده صحيح على شرط مسلم.
- رواه مسلم (430).
- كتاب الجمعة ، برقم (5144).
- جمع بتشديد الميم أي صلوا الجمعة.
- أي سورة الجمعة.
- برقم (1069).
- برقم (1082).
- انظر «صحيح ابن خزيمة» (3/112).
- أي في ذلك الوقت.
- المراد بالقيراط النصيب ، وهو في الأصل نصف دانق ، والدانق سدس درهم. قاله ابن حجر في شرح الحديث.
- رواه البخاري (2268).
- رواه البخاري (349) ، ومسلم (163) عن أبي ذر رضي الله عنه.
- رواه البخاري (6491) ومسلم (131).
- رواه مسلم (1162) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
- السَّـنةُ هي الجدب.
- رواه مسلم (2889).
- أي جدب يعمهم فيهلكون.
- البيضة هي المجتمع وموضع السلطان ، وبيضة الدار هي وسطها. انظر «النهاية».
- رواه مسلم (2889).
- رواه البخاري (876) ومسلم (855) ، ورواه مسلم عن حذيفة أيضا (856) ولفظه: الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق.
- هاتان الكلمتان تستعملان في وصف الفَرَس ، ولكنهما استعيرتا هنا لوصف المؤمنين يوم القيامة ، جعلنا الله منهم.
- انظر صحيح البخاري (136) ومسلم (246).
- رواه البخاري (7437) ومسلم (182) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- انظر صحيح البخاري (5705) ومسلم (220) عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ورواه مسلم (216) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- الحثوة هي الغَرفة باليد ، يقال حثا أي اغترف بيده ، ومعنى السياق أن الله يحثو من الناس ثلاث حثيات يدخلهم الجنة بغير حساب ، والله اعلم بالكيفية لأنه من الغيب الذي اختص الله بعلمه.
- أخرجه الترمذي (2437) وابن ماجه (4286) وأحمد (5/250) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه ، وصحح إسناده الألباني ومحققو «المسند».
- انظر «شرح النووي» ، حديث رقم (216)
- أخرجه البخاري (6528) ومسلم (221).
- رواه الترمذي برقم (2546) عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما ، وصححه الألباني.
- انظر شرحه لحديث رقم (221) من صحيح مسلم.
- رواه مسلم (156).
- انظر شرح الحديث للشيخ محمد بن علي آدم الأثيوبي حفظه الله في كتابه «البحر المحيط الثجاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج» (4/300) ، الناشر: دار ابن الجوزي – الدمام.
- انظر «مسند أحمد» (2/406) ، وقد صححه محققوه (9270).
- سورة المائدة: 66 .
- سورة الأعراف: 159 .
- سورة الحديد: 27 .
- سورة المائدة: 66 .