1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ

إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ

الكاتب : الدكتور محمد بكر إسماعيل
7856 2019/08/27 2024/03/29
المقال مترجم الى : English हिन्दी Español

 
عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ".
 قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟
قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. 
الناس في نظر الإسلام سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
 
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (سورة الحجرات: 13).
 
وعلى هذه القاعدة جرت أحكام الشريعة كلها، فميزان العدل فيها أن يعطي المرء من الحقوق مثل ما عليه من الواجبات، بغض النظر عن نسبه وحسبه وماله، وما إلى ذلك مما يتفاخر الناس به.
 
وإن كان هناك فضل لأحد على أحد فإنما هو بالتقوى والعمل الصالح والخلق الفاضل والسلوك النبيل.
 
وهذه الوصية تبصر الناس بهذه الحقيقة الهامة وترشدهم إلى تطبيقها في أهم أمر من أمورهم وهو النكاح؛ فالنكاح هو الذي تحفظ به الأنساب وتتوثق به الروابط بين الأفراد والأسر والمجتمعات حتى ينصهر بعضهم في بعض.
 
يقول الله عز وجل: { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا } (سورة الفرقان: 54).
 
ويقول جل شأنه: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (سورة الروم: 21).
ويقول عز من قائل: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } (سورة النحل: 77).
 
ولكن هذه الوشائج التي يحدثها الزواج لا تؤتي ثمارها إلا إذا كان كل من الزوجين وأسرتيهما على خلق ودين؛ فالدين هو عصمة أمرنا – فيه سعادتنا في الدنيا والآخرة، ولا تصلح الحياة إلا به.
من رام الحياة بغير دين           فقد جعل الفناء لها قريناً
 
لهذا وجب على الرجل أن يختار من النساء امرأة ذات خلق ودين، ولا بأس أن يختارها ذات مال وجمال ونسب، ولكن ينبغي أن يجعل الدين منتهى بغيته ومحط أمله، فهو أولاً وما بعده تبع له.
 
وعلى المرأة أن تختار من الرجال من له خلق ودين، إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
 
وعلى ولي أمرها أن يزوجها من رجل تتوفر فيه معاني الرجولة وتتحقق فيه الكفاءة على النحو الذي يأتي بيانه في شرح هذه الوصية.
قوله  – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَأَنْكِحُوهُ" نصح وإرشاد لأولياء المرأة، بمعنى أنه ينبغي عليهم ألا يردوا رجلاً جاء يخطب امرأة منهم يتميز بالتقوى العمل الصالح، والخلق الفاضل؛ لأن ذلك يعتبر استخفافاً بالدين واستهانة بذوي الأخلاق والمثل العليا، واعتزازاً بما لا ينبغي الاعتزاز به في مثل ذه الأمور كشرف النسب وكثرة المال ونحو ذلك.
 
وعلل النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هذا الأمر بقوله: "إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ".
 
وفي رواية: "وفساد عريض أو كبير".
أي إن لم تحرصوا على اختيار من له دين وخلق فقد تسببتم في وقوع الفتنة بين الزوجين أولاً، وبين أسرتيهما ثانياً، وبين المجتمع كله في نهاية الأمر.
 
ونحن نعلم أن الرجل قوام على المرأة فكيف يقوم على شئونها ويرعى حقوقها ويحافظ على عرضها ودينها وهو ليس له دين ولا خُلُق، إن الرجل الفاسق وبال على امرأته الصالحة مهما كانت له مميزات يفضل بها كثيراً من الرجال، فإذا كان يفضل فلاناً وفلاناً بالمال فالمال ظل زائل، وعارية مستردة، وربما يطغيه هذا المال ويغريه بارتكاب الفواحش والمنكرات على مرأى ومسمع من زوجته وأسرتها ومن حولهم من الجيران والأصدقاء وغيرهم فيكون مثار سخرية ومعرة، ومصدر بلاء ونقمة على من يعرفه، ومن لا يعرفه، وقد يكون ذا حسب ونسب ولا أدب له، فلا ينفعه نسبه بشيء ولا يعود على زوجته بفائدة.
 
إن الفتى من يقول هأنذا
                                  وليس الفتى من يقول كان أبي
              كن ابن من شئت واكتسب أدباً
                                  يغنيك محموده عن النسب
قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟
أي وإن كان فيه كذا وكذا من العيوب. إلا أنهم لم يصرحوا بما يكون الرجل من العيوب تأدباً مع الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –، وبعداً عما لا ينبغي أن يقال صراحة، حيث أن يكنى عنه، فالتلميح أحياناً يكون أبلغ من التصريح.
 
وقد أرادوا أن يستوثقوا من هذا الأمر هل هو للوجوب أم لمجرد النصح والإرشاد.
 
فقال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" لتوكيد الأمر وتقويته في نفوس السامعين ومن يأتي بعدهم.
 
وهو أمر عام لكنه مخصوص بمن توفرت فيه الشروط التي نص عليها الشرع الحكيم في الكتاب والسنة، من وجود المال الكافي لمؤنة الزواج، والقدرة على تأدية الحقوق الجنسية وغيرها.
 
أما الذي ليس له هذا وذاك فلا ينبغي عليه أن يتقدم إلى خطبة امرأة؛ فإن ذلك تطفل وسوء أدب يجب أن يقابل بالرفض التام مع توجيه نظره إلى ما جاء في قوله تعالى:     { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } (سورة النور: 33)
 
وقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" أي قطع للشهوة، أو تقليل من حدتها.
 
فلا يأتين رجل لخطبة امرأة وليس معه إلا دينه وخلقه، فيحتج على أولياء المرأة بهذا الحديث إذا هم رفضوه لعدم توفر مؤن الزواج لديه، أو لعدم قدرته على تدبير شئون بيته والقيام بحق زوجته عليه؛ فإن هذا الحديث عام مخصوص بما قد ذكرناه.
 
والعام يخصص بأدنى قرينة، والقرينة هنا واضحة في أن للزواج شروطاً لابد من توفرها فيه وإلا لم يجب إلى طلبه؛ فالإسلام له منهج يتسم بالواقع ويعتمد على الحقائق لا على الخيال، ويبنى أحكامه على ما هو حاضر ظاهر، فلا يقول قائل: زوجوا فلاناً من فلانة. وهو فقير لا يملك قوت نفسه، بحجة أن الله سيغنيه من فضله، بل الصواب أن يقال: إن أغناه الله من فضله فزوجوه، فالخلق والدين شرط أساسي في الزواج لكن له توابع لابد من مراعاتها كما أشرنا، فلا يغب عن ذهنك ذلك أيها القاريء الكريم.
وقد اعتبر الفقهاء في الزواج الكفاءة، بمعنى أن يكون الرجل كفئاً للمرأة في الدين والخلق، لا خلاف بينهم في ذلك واختلفوا فيما سواه.
 
فذهب المالكية إلى أن الكفاءة معتبرة شرعاً في الخلق والدين والاستقامة على أمر الله عز وجل بغض النظر عن الحسب والمال وغير ذلك من الأمور.
 
فيجوز للمرأة أن تتزوج من رجل أقل منها حسباً ونسباً ومالاً مادام على خلق فاضل، واستقامة ظاهرة، وصلاح ملموس.
 
وليس لأحد الأولياء الحق في الاعتراض على هذا الزواج، بل يستحب له أن يقره ويباركه، هذا بشرط أن تكون المرأة قد تزوجت بإذن ولي من أوليائها.
 
فإذا لم يكن الرجل على خلق ودين كان لأحد الأولياء الاعتراض على تزويجه وطلب فسخ العقد إن ثم بغير رضاه. وقد استدل المالكية على ما ذهبوا إليه بأدلة من القرآن والسنة.
 
أما القرآن فمثل قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (سورة الحجرات: 13).
 
وأما السنة فمثل قوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه: "يا بني بياضة انكحوا أبا هند، وانكحوا إليه" وكان حجاماً
 
وقد زوج النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زينب بنت جحش – وهي ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب – لزيد بن حارثة، وقد كان عبداً لخديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فوهبته للنبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –  فأعتقه.
 
وزوج أبا حذيفة سالماً من هند بنت الوليد أخت خالد، وكان مولى لأمرأة من الأنصار.
 
وقد تزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف.
 
وزوج النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –  فاطمة بنت فيس من أسامة بن زيد وهو ليس كفئاً لها في النسب.
 
وذهب قوم إلى أن الكفاءة تكون في الدين والنسب والمال والصناعة والحرية والسلامة من العيوب، وذهب آخرون إلى أن الكفاءة تكون أيضاً في العلم والسن.
 
والقول المختار في هذا العصر: الكفاءة في كل ما ذكر نظراً لأهمية ذلك في حياة تعقدت شئونها، وكثرت مطالبها.
 
وقد تكلمت عن الكفاية بين الزوجين في المجلد الثاني من كتابي "الفقه الواضح" وفي الجزء الثالث من كتابي "بين السائل والفقيه" فراجعه فيهما إن شئت.
وبعد، فإن هذه الوصية نأخذ منها فوق ما ذكر أن النسب ليس شرطاً في صحة النكاح وليس عليه المعول إذا لم يكن نسب الرجل متدنياً جداً بحيث يحدث في الأسرة ما يعيبها بين الأسر المكافئة لها، أو يكون سبباً في جلب العار على الزوجة إن هي اختارته لنفسها بين قريناتها وجاراتها.
 
وإن الدين يغطي على ما يعاب به الرجل من فقر أو كبر سن أو دمامة أو وظيفة وضيعة ونحو ذلك.
 
ونخلص من هذه الوصية إلى وجوب التواضع لله في جميع الأمور، والتواضع للناس في غير منقصة.
 
نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق.
 

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day